الخميس 2017/02/02

آخر تحديث: 16:59 (بيروت)

"نقشت" لكن.. بلا نقاش

الخميس 2017/02/02
"نقشت" لكن.. بلا نقاش
على اي مرجع متماسك، يتكئ الرافضون لـ"نقشت" او المدافعون عنه
increase حجم الخط decrease
لا يمكن للسجال الذي يدور  حول برنامج "نقشت"، أو أي برنامج مماثل له، أن يودي إلى مكانٍ ما، ذلك، أنه محكوم مسبقاً بالفشل، وهذا، في حال كانت الغاية منه الوصول إلى نتيجة معينة طبعاً.

فالإعتراض على البرنامج تحت حجج "الحياء" هو اعتراض ساقط، والدفاع عنه تحت حجج "حرية التعبير" هو دفاع لا طائل منه. مثلما أن دعوة الدولة إلى التحرك ضده فهي تنم عن عجز أمامه، أما، الحث على تقبله بوصفه كشفاً مسلياً عن "المجتمع اللبناني"، فينم عن الإعتقاد بأنه فعلاً "ترفيهي" و"يميط اللثام عن واقعنا". بالتالي، وعلى هذا الأساس، لا يطرح ذلك السجال مشكلة بعينها، تكون في حاجة، كغيرها من المشكلات، إلى حلٍ، بل أنه يطرح ظاهرة، ويحدد النظر إليها باللمطلق، وبالإنطلاق من الـ"مع" والـ"ضد" لا أكثر ولا أقل.

بيد أن الظواهر، أكانت تلفزيونية أو غيرها، لا تتشكل فجأةً، بل غالباً ما تبدو هيئة لأزمات، لم يجرِ فكها، أو الحؤول دون معاندتها. فـ"نقشت"، وبحسب الشواغل الراهنة للميديا اللبنانية، هو برنامج ناجح، لكنه، وبوضعه هذا، يشير، وباعتباره ظاهرة، إلى عدد من الأزمات، التي تتعداه، لتطال نظام الإعلام، بموقعه ودوره، وجسم المتفرجين الإنتباهي والمشاعري، وسلطة الإجتماع الذكوري وصلاتها التي يؤديها النساء والرجال على حد سواء، فضلاً عن كيفيات الترفيه الشائعة، وعن مجموع ما يسمى "القيم" المحافظة والليبرالية، التي تفتقر، وبين فترة وأخرى، إلى إعادة "برمجة"، بحيث أنها ليست، وعلى ظن متفشي، أبدية المعنى.

ثمة من احتج على "نقشت" من باب "انه يشوه مجتمعنا"، وثمة من احتج على الاحتجاج اياه من باب "لكن، هذا هو مجتمعنا". بدا الاثنان كأنهما يتكلمان عن مجتمعين منفصلين، ومتناقضين، وبالتالي، لا يمكن الافتراض بأنهما ينتميان الى "مجتمعنا" الواحد.

فالأخير، الذي سرعان ما يتحول الى مسند رأي او موقف، هو غير موجود على نطاق شامل ورحب، وسبب من أسباب ذلك، ليس "تعددية الفسيفساء الوطنية"، بل لأن، وعلى قول بيتر سلوتردايك، "ما عادت الوسائل الإعلامية في المجتمع، لكن، المجتمع اضحى في الوسائل الإعلامية"، ما جعله متفرقاً، متناثراً، كل فرد فيه يؤدي صورته، وصورته فقط، معمماً اياها على اساس انها "المجتمع"، او مخصصاً اياها على اساس انها "غير المجتمع".

بعد ذلك، على اي مرجع متماسك، يتكئ الرافضون لـ"نقشت" او المدافعون عنه؟ على "الأخلاق" الصلبة او المنحلة؟ او على "المتفرج" النموذجي، او بالأحرى المتخيل؟ على مقولة "الحرية"؟ على نص القانون ومراوغته؟ على الحس الشخصي؟ على تصور مستقبلي للبلاد؟ على هدف الميديا الجماهيرية؟  هذا ايضاً مأزق من مآزق النظر الى الظاهرة، واختصار السجال حولها بتحقيرها او تقريظها، بالتصدي لها او بإتاحة وجودها، كأن، بهذا، يجري معالجة ما تطرحه من مشكلات عبرها.

يبقى أن، ومع كل جلبة حول برنامج تلفزيوني من نوع "نقشت"، يقدم المدافعون عنه على السخرية من البرامج "التثقيفية والتوعوية"، التي يلوح الكثيرون بضرورة إنتاجها. على أن هذه البرامج، وفي حال عرضها، لا يمكن التعامل معها على أساس أنها أسمى من البرامج "الهابطة"، نتيجة خطابها أو لغتها، فهي، أيضاً، ستكون عبارة عن ظاهرة تلفزيونية.

فإذا كان الخيار بين "Take me out" الملبنن، وبرنامج "ثقافي" من قبيل  "خليك بالبيت"على سبيل المثال، فلن يكون هناك اختلاف بينهما، لا سيما أن رغبتهما الأقوى هي جذب العيون نحوهما، عدا عن كونهما يعملان وفق الآلية نفسها. فهل تذكرون لما كان أدونيس يختار "أفضل عشر شعراء عرب"؟، أليست هذه مسابقة اصطفاء أيضاً؟ 

قد يستمر عرض "نقشت" في موسم آخر، وقد يتوقف مع نهاية الموسم الاول الاحد المقبل، إلا أن الضوضاء حوله تشير إلى أن مشكلة النقاش حوله تتعدى الـ"معه" و"ضده" إلى شؤون أخرى، يظهرها ويفاقم الحاجة إلى حلها.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها