الجمعة 2017/02/17

آخر تحديث: 18:31 (بيروت)

الطفل عبد الباسط: كأن الحرب السورية بدأت للتو

الجمعة 2017/02/17
الطفل عبد الباسط: كأن الحرب السورية بدأت للتو
increase حجم الخط decrease
لا يمكن وصف الرعب والصدمة اللذين عاشهما الطفل السوري عبد الباسط طعان صطوف، بعدما فقد رجليه وعائلته بالقصف الهمجي لطيران النظام السوري بالبراميل المتفجرة. وضعه والده المذهول بدوره على الأرض قليلاً ليصرخ عبد الباسط بسنواته الثمانية مستنجداً بوالده، أي حاميه من شر العالم كله، مذعوراً متمسكاً بالحياة، "يا بابا شيلني". لم يكن يعرف أن والده المنهار بدوره غير قادر على مساعدته أيضاً.


والتقط الفيديو المخيف المنتشر بكثافة عبر السوشيال ميديا، بعد غارة جوية استخدم فيها طيران النظام السوري البراميل المتفجرة، الخميس، في بلدة الهبيط بريف إدلب الجنوبي، أسفر أيضاً عن مقتل مدنيين اثنين وجرح ستة آخرين، كلهم من النساء والأطفال. فيما تم نقل عبد الباسط إلى أحد المشافي التركية لتلقي العلاج حسبما نقلت وسائل إعلام سورية معارضة.


يمتلئ  الفيديو بالقهر ويجعل كل من يراه في عجز تام لا تفيد معه الدعوات والحسرات والنظرات التي تشاح بعيداً كي لا ترى ما يجري وكي لا يتألم أصحابها أكثر ولكي يشعروا أنفسهم أنهم بجهلهم لا يشاركون في الجريمة المرتكبة. ومن السخيف الحديث عن خيارات البشر الأنانية في تجنب ألم المشاهدة، في الوقت الذي يتركز فيه الألم الحقيقي والفاجعة نفسها لدى صاحب الفيديو الذي لم يتجاوز عمره ثمانية أعوام.

والحال أن هذا الإحساس بالعجز ليس جديداً بل هو أمر روتيني مرافق لمراقبة نتاج الحرب السورية الهمجية منذ سنوات، والتي تفوقت على كافة الحروب الأخرى على الأقل منذ الحرب العالمية الثانية، حيث يتنافس أطراف النزاع السوري على ارتكاب الفظائع مرة بعد مرة، مع تفوق النظام السوري في كمية المجازر التي يرتكبها ويصدّرها للعالم متباهياً بفرط القوة الذي يتبجح به ضد المدنيين وتحديداً الأطفال، في وقت توثق "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" مقتل 24578 طفلاً منذ انطلاقة الثورة السورية وحتى مطلع شباط/فبراير الجاري.

وكان عبد الباسط قد نزح مع عائلته من قرية زور الحيصة بريف حماة الشمالي، بعدما دُمرت بالكامل بقصف الطيران الأسدي - الروسي، لكن رحلة النزوح القصيرة إلى إدلب القريبة لم تكن نهاية للرعب الذي عاشه مع عائلته، فبعدها قتلت طائرات النظام، التي لاحقت العائلة بطريقة أو بأخرى، والدته مريم وشقيقته ربى أيضاً. ليتجاوز الفيديو ألم صاحبه ويصرخ معلناً أنه ليس بين المنافي الإجبارية مكان آمن في سوريا من دوامة العنف. أما عبد الباسط فمجرد دليل آخر على ذلك، هو الذي قست عليه الحياة منذ سنينه الأولى حيث عاش الحرب والفقدان والنزوح قبل أن تبتر قدماه، في لحظة لن تمحى من ذاكرته أبداً.

من المثير للغثيان حقاً أن الفيديو التقط في ظل "الهدنة الناجحة" في البلاد منذ أواخر العام الماضي، حيث لم توقف تلك الهدنة عمليات القصف اليومية ومسلسل الرعب الذي لا ينتهي في البلاد. إضافة لتزامنه مع إجراء النظام السوري مباحثات مع المعارضة المسلحة في العاصمة الكزاخية أستانة للمرة الثانية، تمهيداً لعقد مؤتمر للسلام في جنيف قريباً يرسم النهاية للصراع السوري! وهي نهاية تبدو ضرباً من الخيال وأقرب للسوريالية مع فيديو عبد الباسط الذي يبدو معه وكأن الحرب بدأت لتوها فقط.

في السياق، يذكر الفيديو بعشرات المقاطع الأخرى التي تشكل في مجموعها "الهولوكوست السوري"، وأبرزها وأكثرها إيلاماً ربما فيديو الطفلة السورية، التي نجت من مجزرة الكيماوي الرهيبة في الغوطة الشرقية في آب/أغسطس العام 2013 وهي تصرخ "عمو أنا عايشة". وبدرجة أقل فيديو وصورة الطفل عمران دنقيش في حلب الصيف الماضي. حينها كان التصور العام أن الحرب السورية بلغت الحضيض ولن تقدم الأسوأ، وفي كل مرة ثبت العكس للأسف ليتحول أبطال تلك الحكايات الموجعة إلى مجرد أرشيف يضاف إلى ما سبقه، مثلما ستضاف قصة عبد الباسط إلى الأرشيف عندما يلقي طيران الأسد برميلاً متفجراً آخر بعد أيام مرتكباً مجزرة ستحدث من دون شك في ظل الواقع السياسي الدولي الحالي الذي يتميز إنسانياً ورسمياً بصفة واحدة، هي اللامبالاة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها