الأحد 2017/12/31

آخر تحديث: 15:54 (بيروت)

معركة حياد الانترنت بدأت.. أي تداعيات على المستخدمين؟

الأحد 2017/12/31
معركة حياد الانترنت بدأت.. أي تداعيات على المستخدمين؟
increase حجم الخط decrease
في الـ 7 كانون أول 2017، استهلت معركة يرجح أنها سترسم سريعاً مسار الانترنت ومصيرها. وتستعر باطّراد في الولايات المتحدة، وهي أرض ثورة المعلوماتيّة والاتصالات المتطوّرة ومقر شركاتها الكبرى، لكنها تؤثر على جميع مستخدمي الانترنت عبر الكرة الأرضيّة.
في 7 كانون أول (ديسمبر)، اتّخذت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، عبر "الهيئة الفيدراليّة (الأميركيّة) للاتصالات" (تعرف بإسمها المختصر "أف سي سي")، قراراً بإلغاء "قانون حياد الانترنت" الذي أقُرّ في عهد الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما في العام 2015. ويشبه ذلك ما فعله ترامب في المناخ، عندما سحب توقيع أوباما عن "اتفاقيّة باريس- 2015" التي تلزم الدول مجموعة إجراءات أساسيّة للحدّ من تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري. 

ولأن القرار كان متوقّعاً، تداعت مجموعة كبيرة من منظمات الدفاع عن الحقوق الإلكترونيّة، وتجمعات ناشطة في الدفاع عن الديمقراطية وحرية الرأي؛ فأطلقت مجموعة من المسيرات في المدن الأميركيّة الكبرى احتجاجاً على قرار إنهاء حرية الانترنت. وحدث نشاط موازٍ على شبكة الانترنت، لعل أبرزه إفراد موقع مخصّص للقتال من أجل حياد الشبكة (عنوانه "باتل فور ذي نت" battleforthenet.com)، يعتبر نقطة تلاقٍ لمئات من المواقع الشبكية المعبّرة عن هيئات وأفراد انخرطوا كلّهم في الدفاع عن الشبكة، بهدف الضغط على الكونغرس لإلغاء القرار عينه. 

وقبل إلغائه، قضى "قانون حماية حياد الإنترنت" بأن تمتنع الجهات التي تقدّم خدمة الإنترنت للجمهور (بمعنى أنها توصل تلك الشبكة إلى شاشاتهم)، باتخاذ موقف محايد تجاه المحتوى الذي تنقله. واستطراداً، يمنع عليها حجب أو منع أو إبطاء الاتصال بالمواقع المختلفة على الشبكة، أيّاً كان محتواها، بما في ذلك عدم تسهيل وصول المواقع التي تقدّم محتوى مدفوع على تلك التي تعطي محتوى مجانياً ومفتوحاً. 

وتجدر الإشارة إلى أن مفهوم حياد الإنترنت كان ساريّاً ومحترماً بصورة عامة، قبل تكريسه في ذلك القانون في 2015. وبصورة دائمة، التزمت بذلك المفهوم أيضاً، هيئة الاشراف على انتقال المحتوى عبر خطوط الانترنت (إسمها المختصر "إيكان"). وهناك قانون أوروبي مماثل مازال ساريّاً، ولكن تسود خشية من تأثير الحظر الأميركي عليه.

وفي سياق الحرب على الإرهاب، مورست ضغوط متنوّعة لإنهاء ذلك الحياد، بدعوى استفادة منظمات الارهاب منه، خصوصاً "داعش" و"القاعدة". وفي المقابل، كان الرأي الآخر في ذلك الأمر هو أنّ حياد الانترنت يمكّن أيضاً من التعرّف إلى طرق عمل منظمّات الارهاب، ورصد تحرّكاتها جماعات وأفراداً. وتمثّل السبب الأهم في الحفاظ على حياد الانترنت في الحفاظ على حريّة الرأي وحمايته من تأثيرات السياسة والمصالح والأموال وغيرها.

من يتحكّم بالعيون؟
في أميركا، تقدّم خدمة الاتصال بالإنترنت عبر أربع مؤسّسات عملاقة ("آيه تي أند تي" at&t، "كومسات" Comsat، "فِريزون" Verizon و"سبكتروم" Spectrum)، صارت مطلقة اليد في التصرّف تجاه المحتوى الذي يصل للجمهور. واستطراداً، يفتح سقوط حياد الشبكة الباب على مصراعيه أمام سطوة المال والمصالح، والأهم أنّه يجعل حريّة الرأي والتعبير في مهب الريح، بل يسقطه في الشبكة التي خدمت طويلاً تعميق تلك الحريّة.

ما كادت نُذُر سقوط حياد الانترنت تظهر، حتى بادرت مجموعة كبيرة من شركات المعلوماتية العملاقة إلى رفضه. وثمة من رأى في ذلك استمراراً للعلاقة الصعبة بين إدارة ترامب وتلك الشركات، التي تفجّرت أحد فصولها القاسية عندما رفضت معظم شركات "وادي السيليكون" قانون ترامب الشهير عن الهجرة لأنه يحدّ من تدفّق العقول والخبرات إلى تلك الشركات، بل يؤثّر على استمرارية عملها خارج أميركا. ومع إسقاطه حياد الانترنت، انبرت مجموعة من تلك الشركات إلى رفضه علانيّة. وبرزت في صفوفها شركات "آلفابيت" (إسمها السابق "غوغل")، و"فايسبوك" و"تويتر" و"نتفليكس" و"آمازون" و..."آبل".

وتجدر ملاحظة أن تلك الشركات كلّها هي من صُنّاع المحتوى والبرامج، وهي تتضرّر بشكل أصيل من ضياع حياد الانترنت، لأكثر من سبب. إذ تصبح هي تحت رحمة الجهات التي تقدّم خدمة الانترنت للجمهور. وتستطيع الأخيرة التذرّع بما لا يحصى من الحجج كي تحظر مواداً لشركة ما، كأن تشهر حجة الإباحية الجنسيّة أو التحريض على العنف والكراهية، أو بث التطرّف أوغيرها، في وجه أشرطة موقع "يوتيوب" الذي تملكه "غوغل".

وبديهي أنّ المواقع التي تدير الـ"سوشال ميديا" كانت هي الأعلى صوتاً في رفض موقف ترامب من حياد الانترنت. ومن دون حرية رأي واسعة، تفقد الـ"سوشال ميديا" معناها الأساسيّ وجاذبيتها الرئيسيّة في عيون الجمهور. وتذكيراً، كانت الـ"سوشال ميديا" أكثر من مارس الشدّ والجذب مع الحكومات المختلفة في مسائل حسّاسة امتدت من استعمالها في نشر الارهاب وتجنيد أفراده، وليس انتهاءً بمحاربة "الأخبار الكاذبة" التي يمكن أن تتحوّل بسهولة إلى مسألة وجهة نظر.

ولم يتردّد مارك زوكربرغ (مؤسس "فايسبوك" ومديره) في الإدلاء بتصريحات دفاعاً عن حياد الانترنت، فيما عمد آندرو ماكولم (شريك سابق في تأسيس "فايسبوك") إلى نشر مقال في صحيفة "نيويورك تايمز" في ذلك المعنى، فيما ظهر شون باركر (أول مدير لـ"فايسبوك"، ومستقيل من إدارته حاضراً)، في غير وسيلة إعلاميّة ليتحدّث بلهجة قويّة عن زوال زمن الحرية على الانترنت، داعيّاً إلى استعادة الشبكة العنكبوتيّة لحيادها الضامن لحرية الرأي والتعبير فيها.

وتفرض تلك القائمة نقاشاً خاصاً لإسمين، أحدهما حاضر (هو "آبل") والثاني غائب (هو مايكروسوفت"). ومن المفهوم أن تقاوم شركات الترفيه كـ"نتفليكس" و"يوتيوب" هيمنة مؤسسات الاتصال بالانترنت عليها، لكن شركة كـ"آبل" لا تعتمد أساساً على المحتوى (على رغم ضخامة ما تقدّمه منه)، بل تأتي معظم أرباحها من بيع أجهزة معلوماتية واتصالات، خصوصاً كومبيوترات الـ"ماك" والـ"تابلت" (مع نظم تشغيلها، خصوصاً نظام "آي أوس")، وهاتف "آي فون". في المقابل، لوحظ غياب "مايكروسوفت" عن معركة الدفاع عن حياد الانترنت، على رغم أن عملها يتشابه كثيراً مع "آبل"، بل أنها لا تصنع مباشرة هواتف ذكيّة، لكنها منخرطة تماماً في صنع تقنيات "حوسبة السحاب" Cloud Computing المعتمدة أساساً على المحتوى الذي بات مهدداً بتقلص فضاء الحريّة في الانترنت.  

لماذا ابتعدت "مايكروسوفت" عن معركة حياد الانترنت؟ ما علاقة بغياب بيل غيتس عن لقاءات بين إدارة ترامب وشركات "وادي السيليكون" انتهت غالباً إلى تنافر وخلاف مُعلَن؟ الأرجح أنّ هناك ثنيات كثيرة في سياسة إنهاء حياد الانترنت، مازالت معطياتها بحاجة لمزيد من التقصّي. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها