السبت 2017/12/30

آخر تحديث: 13:41 (بيروت)

احتجاجات إيران: ثورة بلا سوشيال ميديا

السبت 2017/12/30
احتجاجات إيران: ثورة بلا سوشيال ميديا
increase حجم الخط decrease
سواء كانت الاحتجاجات الشعبية المستمرة منذ يومين في إيران، تحركات يقودها المتشددون في البلاد ضد الرئيس الإصلاحي حسن روحاني، أم أنها احتجاجات شعبية عفوية غاضبة وناقمة من عدد من الملفات المحلية والخارجية المتراكمة، إلا أنه من شبه المؤكد أن السوشيال ميديا لم تكن محركة لها على نطاق واسع، من ناحية التخطيط والتنظيم على الأقل، بعكس اتهامات نائب محافظ طهران لشؤون الأمن محسن حمداني بأن المتظاهرين اعتقلوا "بعد دعوات غير شرعية للتجمع عبر وسائل التواصل الاجتماعي".


ففي الوقت الذي تحجب فيه إيران أكبر وأهم مواقع التواصل الاجتماعي، بما في ذلك "فايسبوك" و"تويتر" و"يوتيوب"، يقتصر استخدام تلك المواقع على القادة السياسيين الذين دشنوا تباعاً خلال السنوات الماضي حضورهم الإلكتروني من أجل مخاطبة العالم الخارجي، بينما يضطر المواطنون الإيرانيون لاستخدام "بروكسي" لفك الحجب المفروض والتعرض للملاحقة الأمنية، ليصبح تطبيق "تيليغرام" وسيلة التواصل الأكثر انتشاراً في البلاد، خصوصاً أنه يتميز بخدمة تشفير هي الأكثر كفاءة بين كافة تطبيقات المراسلة الفورية.

ورغم أن الإيرانيين ناقشوا في "تيليغرام" على نطاق واسع الميزانية الجديدة التي قدمتها حكومة الرئيس روحاني في وقت سابق من الشهر الجاري، إلا أنه لم تصدر أي تقارير تفيد بوجود دعوات للاحتجاج أو التظاهر في "تيليغرام"، أو أي مواقع أخرى للتواصل الاجتماعي. وفي حال كانت تلك الدعوات موجودة في التطبيق فيحتمل أنها كانت متداولة عبر قنوات اتصال مغلقة لم يتم تسريبها للعلن بعد. علماً أن الجدل في البلاد حول الميزانية بدأ أساساً في وسائل الإعلام الإيرانية وناقشه أعضاء في البرلمان أيضاً، بشكل خلاف تقليدي بين الإصلاحيين والمتشددين، بالتركيز على اتجاه البلاد نحو الاعتماد المتزايد على النفط بعكس وعود روحاني الانتخابية في أيار/مايو الماضي بحصد نتائج الاتفاق النووي الإيراني للعام 2015 الذي رفع العقوبات الدولية عن البلاد وفتحها أمام الاستثمارات الأجنبية.

والحال أن الجدل حول الميزانية في "تيليغرام" تمحور حول شعور من الإيرانيين بالضيق إزاء الاعتمادات المالية المخصصة للمؤسسات الدينية والثورية بموازاة تخفيضات طالت مجالات أخرى في الميزانية، كما عبر إيرانيون عن سخطهم إزاء ارتفاع "ضريبة الخروج" التي يدفعها الإيرانيون كلما سافروا خارج البلاد، بينما خفضت الحكومة "الإصلاحية" ملايين الدولارات من خطة دعم متواضعة ولكنها شعبية للفقراء. وفي الوقت نفسه، سمحت الحكومة لعملة إيران بالانخفاض خلال النصف الأخير من العام، وهي ضربة نفسية أدت إلى تضخم أسعار بعض المنتجات مثل زيادة أسعار البيض بنسبة 40٪ على سبيل المثال.

يبدو ذلك واضحاً في حالة الثورة الخضراء العام 2009، عندما نزل الإيرانيون إلى الشوارع في أبرز المشاهد التي هزت استقرار النظام الإيراني وهددت وجوده. فالاحتجاجات التي تمحورت حينها حول شرعية النظام بعد التشكيك في نتائج الانتخابات التي فاز فيها الرئيس المتشدد محمود أحمدي نجاد لفترة رئاسية ثانية، تحركت بتوجيهات من القادة الإصلاحيين، محمد خاتمي ومير حسين موسوي، الذين وضعا تحت الإقامة الجبرية لاحقاً، فيما عمدت الحكومة الإيرانية حينها لحجب مواقع التواصل وتقييد سرعة الإنترنت لمنع المتظاهرين من التواصل بحرية مع بعضهم.

وتشير تقارير غربية إلى أن الاحتجاجات على الظروف الاقتصادية تعتبر أمراً شائعاً في إيران، لكنها تلك الاحتجاجات تحدث عادة أمام البرلمان في طهران بشكل تجمعات صغيرة، ومن المالوف في المدن الأصغر مشاهدة الاحتجاجات من قبل الناس الذين فقدوا مدخراتهم بسبب إفلاس البنوك أو من قبل المتقاعدين الذين لا يستطيعون تلبية نفقاتهم. لكن ما يبدو مميزاً في الاحتجاجات الأخيرة أنها تنتشر بسرعة من مدينة إلى أخرى، بعد انطلاقها من مدينة مشهد المحافظة حتى وصلت إلى طهران وكرمانشاه التي يسكنها الأكراد غربي البلاد، مع سرعة تغطية التطورات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتي انتقلت بدورها للميديا العالمية.

في ضوء ذلك، يصبح الاحتمال الأكثر ترجيحاً أن خصوم روحاني في المعسكر المتشدد القريب من الحرس الثوري الإيراني، يقفون وراء انطلاق الاحتجاجات في مدينة مشهد شرقي البلاد، مستفيدين من الغضب من تشديد الحزام الاقتصادي وارتفاع أسعار المواد الغذائية والبنزين، لكن تلك الشرارة خرجت عن السيطرة وتحولت الى تجمع معادي للنظام ينتشر الأن في جميع أنحاء البلاد، وباتت ترفع شعارات غير مسبوقة مثل "الموت لروحاني" وشعارات أخرى ضد المرشد الأعلى علي خامنئي وضد الوجود العسكري الإيراني المكلف في الشرق الأوسط، وتحديداً في سوريا ولبنان وغزة، والتي يتم تداولها بشكل مقاطع فيديو قصيرة عبر مواقع التواصل.

بالتالي لا تخرج الاحتجاجات الأخيرة عن تاريخية التظاهر في البلاد، حيث أن الديناميات الداخلية كانت دائماً المحرك الأول للشعب الإيراني، ويشكل الاقتصاد وخيبة الأمل من العمل العسكري أسباباً نموذجية للسخط السياسي في البلاد منذ الثورة الاسلامية العام 1979. كما أن الاقتصاد بالتحديد غالباً ما يكون سبباً للتغيير السياسي في البلاد عبر "الانتخابات"، فانتخاب أحمدي نجاد في المرة الأولى العام 2005 كان ردة فعل شعبية على الانكماش الاقتصادي في عهد سلفه محمد خاتمي. لكن المستوى الجديد من التظاهر يشير إلى تراكمات عميقة داخل النظام الإيراني المنقسم على نفسه منذ الانتخابات الأخيرة، ما يدعم استراتيجية الأمن القومي الجديدة للبيت الأبيض وتصريحات المسؤولين الأميركيين المتكررة خلال الأشهر الماضية حول ضرورة تغيير النظام الإيراني من الداخل، خصوصاً إن استخدم النظام قوته لخمد التظاهرات قبل توسعها نحو ثورة شعبية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها