الأحد 2017/12/17

آخر تحديث: 19:08 (بيروت)

أبو ثريا: جسد فلسطين المبتور

الأحد 2017/12/17
أبو ثريا: جسد فلسطين المبتور
هذه الأرض أرضنا ولن نستسلم (من الصور المتداولة في مواقع التواصل الاجتماعي)
increase حجم الخط decrease
على كرسيه المتحرك، تقدّم إبراهيم أبو ثريا (29 عاماً) صفوف رفاقه الزاحفين نحو القدس. وبحركةٍ رمزية، تطلّبت تحريك كلّ ما تبقى من جسده، صعد أبو ثريا بيديه على عمود كهرباء ليعلّق العلم الفلسطيني، وسط الإشتباكات التي تشهدها الحدود الشرقية لغزة. الصورة مؤثرة حتى الآن؛ إنسان مقعدٌ يتحدّى بجسده الأعزل حتميّتي الإعاقة الجسدية والإحتلال الإسرائيلي على حدّ سواء. أما واقعة قنص أبو ثريا من قبل جنود الاحتلال، فهو كفيل بتحويل المناضل إلى شهيد، والصورة إلى أيقونة، وكلّ إنتفاضة تحتاج إلى أيقونتها.

هكذا، تحوّل أبو ثريا، الصورة، إلى حالةٍ مشابهة لصورة محمد الدرة وهو يقتل في حضن أبيه في مطلع إنتفاضة الأقصى، ولصورة جسد الطفل السوري أيلان ممدداً على الشاطئ بعدما قذفته الأمواج والدول. وكأن المصيبة تحتاج دوماً إلى صورةٍ مروعة تبرهنها، وجهت صورة أبو ثريا الأنظار الميدياوية إلى المصيبة الفلسطينية، ميقظةً من جديد مشاعر التعاطف والغضب العربية التي أوشكت أن تخمد.

ففي السوشيال ميديا العربية، إنتشرت "رسالة" أبو ثريا التي وجّهها إلى الجنود الإسرائيليين، قبل إستشهاده، قائلاً "هذه الأرض أرضنا ولن نستسلم". وفي الفيديو الذي إلتقط لحظة تعليقه العلم، ومن ثمّ إستشهاده، يظهر أبو ثريا على كرسيه المتحرّك، مبتور الرجلين، ورافعاً إشارة النصر بيديه الإثنتين. علقت هذه الصورة في أذهان من رآها، لما تمثّله من إرادة عصية على الإنكسار، إستحقّ بفضلها لقبي "أيقونة العاصمة" و"شهيد العاصمة".

وبالرغم من فقدانه ساقيه عقب قصفٍ إسرائيلي، لم يفقد أبو ثريا عزمه على مواصلة نضاله ضدّ الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما حمله إلى الخروج في تظاهراتٍ للإحتجاج على قرار ترامب القاضي بالإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. 

كذلك، تم توظيف هذه الصورة في الخطاب "العروبي" الداعي إلى تضامن العرب مع القضية الفلسطينية، وذلك الذي يتهمهم بالتخاذل والخيانة. كما إعتبرها البعض بمثابة تأكيد على إستمرار المقاومة الفلسطينية، ونفي للإدعاءات القائلة بأن "الفلسطينيون باعوا أرضهم". ففي مواجهة الخطاب العربي الذي يبعد عن نفسه تهمة التواطؤ بإلقائها على الشعب الفلسطيني نفسه، وجد الفلسطينيون في الإضطرابات الأخيرة "رمزهم العروبي"، كما سمّته تعليقات السوشيال ميديا؛ صورة يستطيعون التلويح بها ضدّ هذه الإتهامات.

كما ساهمت هذه الصورة في فضح العنف الإسرائيلي أمام أنظار الرأي العام الغربي. فقد نقلت الصحف العالمية هذا الخبر بعناوين مثل "إسرائيل تقتل معوقاً"، مصحوبة بعلامات تعجّب. فمشهدية من هذا النوع تختزل بوضوح المواجهة غير المتكافئة بين آلة القتل الإسرائيلية والجسد الفلسطيني المبتور. و"لمثاليتها" رمزية، ويصعب إشاحة النظر عنها، فهي تحسم النقاش حول خرق إسرائيل لأدنى معايير حقوق الإنسان.

وفي حين عمدت غالبية الدول إلى إرساء قوانين تنصّ على حماية وتمكين ذوي الإحتياجات الخاصة، كالأولوية في الحصول على مقعد في باص مثلاً، يقدم الكيان الإسرائيلي على فتح النار على رجلٍ فلسطيني فاقد الساقين، ولا يملك من أساليب المقاومة سوى صوته وعلم بلاده. بالطبع، ليست ممارسة من هذا النوع بالشيء الجديد بالنسبة لإسرائيل، إلا أن تجسّدها بهذه الصورة، أي بجسد أبو ثريا وبـ"شهادته"، سمح بتحوّل الشهيد إلى أيقونة، والمقاومة الرمزية إلى حقيقةٍ مادية. فبإستشهاده، أعطى أبو ثريا جسده للمقاومة الفلسطينية، ليتّخذ ما كان رمزياً حتى الآن جسماً ومادّة. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها