الجمعة 2017/12/15

آخر تحديث: 18:51 (بيروت)

"روتانا" التي يتنازل عنها الوليد.. ماذا فعلت بالموسيقى العربية؟

الجمعة 2017/12/15
"روتانا" التي يتنازل عنها الوليد.. ماذا فعلت بالموسيقى العربية؟
increase حجم الخط decrease
سواء صحت الأنباء المتداولة في مواقع التواصل الاجتماعي، عن تنازل الأمير الوليد بن طلال عن شركة "روتانا" كجزء من صفقة إطلاق سراحه مع السلطات السعودية، إثر اعتقاله ضمن حملة التطهير التي شنها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الشهر الماضي، أم كانت مجرد شائعات.. إلا أن الشركة التي هيمنت على صناعة الموسيقى والإنتاج الفني في العالم العربي، تعيش أزمة وجودية حقيقية، مع غموض مصيرها حتى اللحظة.


وقد يكون مصطلح "نهاية حقبة" مثالياً لتوصيف ما يحدث في "روتانا" حالياً، ليس من منطلق أنها قد تنهي كافة أعمالها الإنتاجية، المتراجعة كماً ونوعاً في السنوات الأخيرة، بل من وجهة نظر داخلية مرتبطة باستقرارها كمؤسسة اقتصادية ناشطة منذ العام 1987، قبل تحولها إلى قوة كبرى في سوق الموسيقى العربية مطلع الألفية، من دون أي علامات على تأثرها العميق بالأزمات السياسية والاقتصادية المختلفة، باستثناء انخفاض الإنتاج كطريقة للتكيف والبقاء متفوقة على منافسيها بعد الربيع العربي، وإن تركت التطورات التكنولوجيا وشيوع القرصنة في العالم العربي مشاكل حقيقية، طاولت الإنتاج العربي كله بما في ذلك "روتانا".

والحال أن "روتانا" غيرت وجه الفن العربي بشكل دراماتيكي بنقلها مركز الإنتاج من القاهرة، وبدرجة أقل بيروت، نحو الخليج، وتحديداً السعودية التي لا تمتلك تقاليد صناعة الموسيقى وإنتاجها بل أنها تحرم الموسيقى دينياً. وهذه النقلة التي حصلت مطلع الألفية، وما تبعها من إطلاق شبكة قنوات تلفزيونية تحمل اسم الشركة العام 2003، تركت أثاراً سلبية وإيجابية على نمط الموسيقا السائد في العالم العربي، بموازاة مجالات أخرى كالإعلام والدراما والسينما أيضاً.

امتلاك الشركة للتأثير يعود لشبكة قنواتها التي اكتسحت سوق المشاهدة عربياً، قنوات مثل "روتانا موسيقى" و"روتانا كليب" و"روتانا خليجية" كانت من بين الأكثر مشاهدة في العالم العربي، ومع القوة الاقتصادية الهائلة التي وفرها الأمير وليد بن طلال، أحد أغنى رجال العالم، تمكنت الشركة من احتكار مشهد الإنتاج العربي والمحافظة على نموذجها الخاص ضمن هذا السياق لسنوات طويلة تفوقت على منافسيها من شركات الإنتاج القديمة مثل "عالم الفن" لصاحبها المنتج المصري محسن جابر، و"فري ميوزك" لصاحبها نصر محروس أو الشركات الأحدث مثل "ميلودي" التي أغلقت في وقت لاحق وحتى الشركات القوية مادياً مثل "بلاتينيوم ريكوردز" التابعة لشبكة قنوات "إم بي سي".

وهنا، يمكن تلمس تفوق "روتانا" في قدرتها على اجتذاب النجوم إليها بسبب الفرق المادي الهائل الذي وفرته، ووصل الأمر بها إلى دفع الشروط الجزائية لنجوم كبار لفك ارتباطهم بشركات إنتاجهم القديمة واحتكارهم في عقود طويلة الأمد، وهو ما حصل مع النجمة المصرية شيرين عبد الوهاب التي دفعت لها "روتانا" الشرط الجزائي من أجل فك ارتباطها مع المنتج نصر محروس العام 2007.

وربما يكون من الجائر القول أن "روتانا" ساهمت في انحدار الفن العربي أو أنها قتلت سوق الإنتاج المتنوع بقوتها الاقتصادية، وذلك لأسباب متعددة. الأول، أنه لا يمكن لوم الشركة على الضعف الاقتصادي للشركات المنافسة، المصرية تحديداً، حيث أدى العصر الرقمي وسهولة القرصنة لإلى أزمة مادية حادة في شركات الإنتاج الموسيقي مع عدم وجود قوانين للملكية الفكرية أو حتى شيوع أخلاقيات شراء الموسيقى على المستوى الشعبي. والثاني أن تلك الشركات ساهمت بدورها في تقديم منتجات رديئة، قد تكون أسوأ بكثير مما قدمته "روتانا".

هذا الواقع ساهم في تكريس احتكارية "روتانا" الاقتصادية التي تعززت برعايتها الحصرية لأكبر المهرجانات الفنية مثل "قرطاج"، ما جعل نمطها الفني الخاص هو النمط السائد إن لم يكن الوحيد. وهو نمط يقوم على مستويين متداخلين: خليجي بحت، بشكل يتماهى مع هوية الشركة بطبيعة الحال، ويتجلى في كمية الفنانين الخليجيين الذين تبنتهم الشركة وكمية الأغاني والألبومات الخليجية التي أنتجتها الشركة لفنانين عرب، لدرجة باتت معها نجمة مثل أصالة تمتلك تقليد إصدار ألبوم خليجي منفصل عن ألبومها المنوع.

أما النمط الثاني فهو الذي يخاطب الجمهور العربي ككل (Pan Arab) بغض النظر عن الهويات المحلية والقومية للمتلقي، وتجلى ذلك في نمط أغاني "البوب العربي" التي تتشابه في عموميتها، سواء على صعيد الموسيقى والكلمات أو حتى صناعة الصورة في الفيديو كليب والذي كانت الشركة رائدة في تقديمه بصورة نمطية تحافظ على حد معين من "الإثارة" التي لا تثير الحفيظة الاجتماعية العامة للفئة الأوسع من الجمهور. ومن تأثيرات هذا النمط "الناجح" أنه توسع نحو قطاعات أخرى أبرزها الدراما التلفزيونية المشتركة، وساهمت "روتانا" جزئياً في ذلك عبر شبكة قنواتها التلفزيونية.

وقد تكون مسيرة الفنانة شيرين عبد الوهاب، أبرز مثال على التحول في النمط الموسيقي، حيث تميزت أغانيها خلال تعاملها مع المنتج نصر محروس، بالحيوية والتمرد والقوة، مع ألحان سريعة وتوزيعات متجددة (أنا في الغرام، بص بقى، أه يا ليل، صبري قليل،..) لكنها باتت تقدم نمطاً بارداً هادئاً نمطياً من الأغاني الرومانسية فقط طوال فترة تعاملها مع "روتانا"، قبل أن تعود إلى تنوع مبهر في ألبوم "أنا كتير" الذي أنتجه شركة "نجوم ريكوردز" العام 2014 وبالتحديد أغنية "قلة النوم" التي لا يمكن تخيل صدورها في ألبوم من إنتاج "روتانا".

ومن اللافت أن غالبية الانتقادات التي حاولت تقييم سوق الإنتاج في ظل هيمنة"روتانا" من قبل ملحنين وفنانين بارزين، كانت شخصانية مرتبطة بمشاكل فردية، أو "أيديولوجية" أقرب إلى نظريات المؤامرة، مثل حال الموسيقار الراحل ملحم بركات الذي ربط وجود "روتانا" أكثر من مرة بـ"المؤامرة الغربية والإسرائيلية" لتدمير التراث العربي! ولم تقترب تلك الانتقادات من توصيف المشكلة التي تشكل فيها الشركة جزءاً واحداً، بما في ذلك جهود بعض الفنانين الرافضين للعمل مع "روتانا" أو الذين يقتصر تعاملهم مع الشركة على التوزيع، مثل لطيفة التونسية وراغب علامة ومؤخراً سميرة سعيد، أو الذين فضلوا عدم توقيع عقود احتكارية طويلة الأمد مع الشركة مثل نوال الزغبي.

هذا النمط من الانتقادات لا يتطرق إلى جوهر مشكلة "روتانا" حول المنتج كشخصية تعمل في مهنة فريدة من نوعها لا تتعلق فقط بضخ الأموال فقط، كحالة "روتانا"، بل تتمدد لتقديم رؤية فكرية والمجازفة من أجل تقديم نجوم جدد وإحداث تغيير والبحث الدائم عن التجديد. وإن كانت هذه الخصائص جزءاً من بدايات تأسيس "روتانا" وتقديمها لنمطها المزدوج، إلا أنها اختفت من فلسفة الشركة لاحقاً، ويكفي أن الشركة منذ العام 2000 لم تساهم في اكتشاف أي نجم جديد على الإطلاق، بل ساهمت في إنهاء مسيرة عدد كبير من الفنانين، لأسباب شخصية أو فنية تتعلق بعدم قدرتهم على تقديم نمطها الفني مع عدم وجود شركات بديلة تحتضنهم.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها