الإثنين 2017/12/11

آخر تحديث: 18:52 (بيروت)

دولة صاحب الزمان

الإثنين 2017/12/11
دولة صاحب الزمان
استنكرت "إل بي سي" و"إم تي في" بشدّة فيديو الخزعلي وما تضمّنه
increase حجم الخط decrease
إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، اعترافه بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، وقراره بنقل السفارة الأميركية إليها، جاء بمثابة هدية ثمينة بالنسبة لمحور الممانعة الذي رأى في الحدث فرصة لا تُضاهى ولا تفوّ  تاستغلّها بحنكة بهدف إعادة تعويم صورته عربياً وإسلامياً، من خلال خطف الأضواء لناحية إعلاء الصوت وحمل هموم الأمة، في محاولة لتكريس نفسه كحامل للقضية المركزية مقابل المتخاذلين الذين لم يحرّكوا ساكناً ولم يهبّوا للدفاع عن القدس والحق الفلسطيني والعربي.


هذا الأمر برز بشكل لافت خلال تغطية وسائل إعلام محور الممانعة للتظاهرات التي حصلت عند السفارة الأميركية في عوكر، والتي تخللها أعمال شغب واعتداء على القوى الأمنية والممتلكات العامة، وتمت تغطيتها من قبل وسائل الاعلام هذه باعتبار أنه حماسة وحراك من أجل قضية كبرى، واضعة إياه في خانة التعبير المشروع عن الغضب والسخط ، رغم رشق القوى الأمنية ومبنى السفارة بالحجارة، مثنية على الشعارات باعتبارها أن الادانة تستوجب التعبير بالحناجر والقبضات والقلوب والصراخ حباً لفلسطين، حسب وصف قناة "إن بي إن"، والتي لاقتها قناة "المنار" على الخط ذاته باعتبار التظاهرة تحركاً مباركاً أتى انعكاساً وتماهياً مع "تقدم لبنان في صموده السياسي والديبلوماسي بوجه قرار ترامب" وأن اللبنانيين يواصلون هذا المسار بمسيرة "الوفاء لفلسطين والقدس في الضاحية الجنوبية تلبية لدعوة الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله".

انتهاج تطبيع الاعتراض والتصعيد العنيف بحجّة القدس، رافقه هجوم في مواقع التواصل استهدف أصحاب الرأي الآخر وكل من انتقد أعمال الشغب وما رافقها من أحداث في محيط السفارة الأميركية في عوكر، وهو ما برز اليوم من خلال إطلاق هاشتاغ #السفارة_وكر_القذارة، تضمّنت المشاركات من خلاله هجومات وردود على من اعتبر أن التضامن والتظاهر لأجل القدس لا يبيح استباحة القوانين اللبنانية، وان ما حصل من اعتداءات على القوى الامنية وأملاك الناس شوّه صورة الاعتراض وأضرّ بها، وأن "عوكر ليست القدس والجيش اللبناني ليس الجيش الاسرائيلي كي ترجموه بالحجارة"، ليأتي الرد من خلال إعلاميين وناشطين اعتبروا أن "الأصوات الناشزة بدأت تعلو والنعيق الانعزالي بدأ يعكّر المشهد"، وأن "تظاهرة عوكر أظهرت العنصرية والحقد الدفين لدى اليمين اللبناني"، وهو ما بدا حرفاً واضحاً للأحداث عن مسارها كون هذا الموقف يُعتبر محاولة لزجّ ما حصل خلال التظاهر  بالمناكفة السياسية واللعب على وتر الحساسية الموجودة بين المسيحيين والفلسطينيين، عدا عن محاولة دقّ الأسافين بين المسيحيين أنفسهم، من خلال اعتبار جزء منهم معادٍ للقضايا القومية، فيما الآخرين وطنيين يعبّر عنهم "التيار الوطني الحر" وعلى رأسه وزير الخارجة جبران باسيل، الذي هتف في الاجتماع الوزاري العربي الأخير "نحن لا نتهرب من قدرنا في المواجهة والمقاومة حتى الشهادة".

كلمة باسيل التي وصفتها قناة "أو تي في" بـ"التاريخية" رأى فيها الممانعون مدخلاً للهجوم على وسائل الإعلام التي لم تخصص في تقاريرها الخطب المطوّلة وقصائد المديح كانعكاس للانبهار والاندهاش بكلمة الوزير التي بدا وكأنها ستغيّر مجرى الأحداث والتاريخ، حسب الإعلام المقاوم. ففي حين اعتبرت قناة "إم تي في" أن الاجتماع الطارىء لوزاء الخارجية العرب لم يأت بجديد، بل جاء أضعف من المتوقع لأنه خلا من أي تدبير علني، كونه اكتفى كما جرت العادة بالإدانة والرفض، تعرّضت القناة لانتقادات لاذعة على هذا الموقف، إلى جانب كونها اعتبرت أن التظاهرة الاحتجاجية في عوكر أضاعت البوصلة والاتجاه، ما حوّلها إلى تظاهرة ضد القوى الأمنية اللبنانية، وأم تأت سوى بضرر على ممتلكات اللبنانيين الآمنين الذين روعتهم في بيوتهم، وهو ما عبّرت عنه قناة "إل بي سي" أيضاً بقولها إن "القوى الأمنية تحملت الأداء المزري من بعض الرعاع في التظاهرة" التي عكست "حالة شاذة لا علاقة لقضية القدس بها".

الخطاب الحاد والتعابير والأوصاف والنعوت التي كيلت لوسائل الإعلام صاحبة الخطاب المختلف، جاءت لتستكمل ما بدأ سابقاً من فتح النيران عليها، من خلال تحيّن أي فرصة لتطويعها والنيل منها كنمطٍ ماضٍ في تصاعده، خصوصاً وأن هذه القنوات كانت قد استنكرت بشدّة فيديو قيس الخزعلي وما تضمّنه، وعبّرت عن شدّة الغضب الذي انتاب اللبنانيين عقب ظهور زعيم "عصائب أهل الحق" المنضوية في لواء ميليشيا "الحشد الشعبي". فكان أن تساءلت "إل بي سي" عن كيفية دخوله إلى لبنان، مشككة بعدم براءة توزيع هذا الفيديو مباشرة بعد مؤتمر باريس، متهمة من وزّعه بأنه اراد التشويش على المؤتمر لانزعاجه من تطرق بيانه إلى القرار 1559. أسئلة رفدتها قناة "إم تي في" بأسئلة إضافية مثل "ماذا بعد هذه المخالفة الموصوفة للقوانين اللبنانية؟"، و"هل سيتم لفلفة الموضوع أم ستجري التحقيقات اللازمة؟"، و"هل ستتخذ عقوبات رادعة بحق المسؤولين المتساهلين أو المترددين أو المتواطئين؟ و"ماذا عن مصير قرار النأي بالنفس الذي لم يجف حبره بعد"؟

ما بين كلمة باسيل وفيديو الخزعلي والتظاهرات أمام السفارة الأميركية في عوكر، تقاطعت الأحداث التي شكّلت فرصة لمحور الممانعة مرر فيها الكثير من الرسائل. فظهور الخزعلي على حدود فلسطين المحتلة، كانت رسالته واضحة بأنّ المحور الممتد من إيران إلى العراق ها هو موصول الآن على الحدود الفلسطينية ليس من "حزب الله" فحسب، بل من كل صنوف الميليشيا والأحزاب التابعة لإيران، وأن هذا المحور هو الذي سيحرر القدس بعدما حرر العراق وسوريا من الإرهابيين، وأن خطابه الذي جاء عقب قرار ترامب بشان القدس، وما شهده من تصعيد كلامي وشعارات تُعتبر صفعة للحكومات العربية، بإظهاره للجمهور العربي بأن حكامهم نيام، يشير إلى أنهم يحاولون تقديم أنفسهم طليعة المقاومة في هذه الأمة، الذي سيقومون بأيديهم ببناء "دولة صاحب الزمان". 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها