الجمعة 2017/12/01

آخر تحديث: 16:36 (بيروت)

"كريم": مشوار وطني بنكهة عنصرية

الجمعة 2017/12/01
"كريم": مشوار وطني بنكهة عنصرية
increase حجم الخط decrease
"لأنه سوري"... أجاب سائق سيارة الأجرة التابعة لشركة "كريم"، ثم صمت. جاء هذا التفسير المقتضب جواباً على سؤال عن سبب إمتناع الشركة عن توظيف سائقين سوريين. ولم يشعر السائق بالحاجة إلى مزيد من التفسير أو التوضيح، فصفة "سوري" مفسّرة لنفسها، ولقرار الشركة بألا توظف عمالاً أجانب على الرغم من وجود الكثير من سائقي الأجرة السوريين في بيروت.

والحال أن شركة "كريم"، بفرعها اللبناني، تسعى منذ فترة إلى تقديم صورة "ملبننة" عن نفسها. ففي عيد الإستقلال الأخير، أطلقت الشركة سيارة أجرة خاصّة بهذا اليوم بالذات، هي سيارة "عزيزة" المزينة بالعلم اللبناني بالإضافة إلى 6 آلاف أرزة. وبالرغم من تقديم الشركة لـ"عزيزة" على انها إبتكارها الخاصّ، على ما يحمله هذا الإبتكار من إبتذال، إلا أن هذه السيارة تتجوّل في بيروت من قبل تأسيس "كريم" حتى. لكن مع "كريم" أضحت هذه السيارة "وطنية" و"المشوار فيها وطني"، مذكرةً اللبنانيين "بزمن التاكسي عأصوله" بالإشارة إلى نوع السيارة القديم. هكذا، صوّرت "كريم" سيارة المرسيدس "لفّ" على انها Vintage، بالرغم من إستمرار إستخدامها من قبل سائقي الأجرة حتى اليوم.

ومؤخراً نشرت الشركة فيديو دعائي تحت عنوان "كيف فيك تكون لبناني؟" تظهر فيه فتيات شابات من زبائن "كريم"، بالإضافة إلى سائق،ٍ يتحدّثون فيه عن هوية كريم اللبنانية. أما العنصر الأساسي المكوّن لهذه الهوية فهو "أن يحكي لبناني"، وفق الفتيات اللواتي يظهرن في عددٍ من الاعلانات بخطابٍ تغلب عليه اللغة الإنكليزية. أمّا حين يتحدّثن بالـ"لبناني"، فإن لهجتهن تكون أقرب إلى العربية المكسّرة. ينتهي الفيديو بعبارة "أكيد رح نحكي لبناني"، تظهر من بعدها شارة "كريم"، وهي حرف C على شكل غمزة.

تُجسد هذه الغمازة ما قصدت "كريم" قوله بين السطور من دون التصريح به علانيةً. فمن خلال تركيزها على لبنانية السائق ولغته، تؤكّد "كريم" على عدم إعتمادها سائقين من أي جنسية أخرى. إلا أن المقصود بالجنسيات الأخرى، فعلياً، هو الجنسية السورية على وجه التحديد، وذلك نظراً إلى كثرة السائقين السوريين في لبنان. إلا أن المفارقة الكبرى هي أن "كريم" نفسها ليست لبنانية، فالشركة تأسّست في الأصل في دول الخليج، وليس بين مؤسسيها الثلاثة أي لبناني.

وليست العنصرية تجاه السائقين السوريين بالأمر الجديد، لا سيما من طرف سائقي الأجرة اللبنانيين الذين يعتبرون أنه تمّ التعدي على مهنتهم من قبل أجانب. ولا يفوّت هؤلاء، ولا نقصد جميع السائقين اللبنانين طبعاً، فرصةً لتمييز أنفسهم عن السائقين السوريين أمام زبائنهم، مسرعين إلى فتح حديثٍ حول جدارة السائقين اللبنانيين في مقابل السوريين "يلي ما بيعرفوا شي ببيروت". وإذا ما أرادوا رفع نسبة العنصرية في حديثهم، فيعمدون إلى المقارنة بين أخلاق السائقين اللبناني والسوري. فالأوّل "يحرص على سلامة زبائنه"، لا سيما النساء بينهم، أما الثاني فلا. إلا أن ما نشهده في حالة "كريم" فهو عنصرية مؤسساتية ممنهجة تشرعن نبذ سائقي التاكسي السوريين، وتثبته.

المثير للسخرية هو دقّة تمثيل "كريم" لما هو لبناني عرفاً، وليس رسمياً. فاللبناني ليس بالضرورة عربي، بل أن اللغة اللبنانية هي بالضرورة غير عربية. وفي مقابل السائق السوري الذي يتحدّث بالعربية، فإن سائق كريم اللبناني وزبائنه يمزجون في حديثهم اللغتين الفرنسية والإنكليزية كشرط أساسي لهويتهم اللبنانية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها