السبت 2017/11/25

آخر تحديث: 13:21 (بيروت)

الإسلام "الكَمالي" المعتدل.. خَيار الأتراك إزاء السعودية

السبت 2017/11/25
الإسلام "الكَمالي" المعتدل.. خَيار الأتراك إزاء السعودية
انحصر الخلاف بين الاتراك والسعوديين في فهم الإسلام وممارسته
increase حجم الخط decrease
يصرّح المسؤولون السعوديون، فتترجم وسائل الاعلام التركية من دون أن يكون دور الترجمان هو ما يستهوي الأتراك لذاتِه، كون المسألة بعيدة عن اللغة ومفرداتها وأقرب إلى تأويل المضمون بما يعنيه و..تصويبه.

بشكلٍ تلقائي، يستفزّ الحديث عن الإسلام عموماً والمعتدل منه خصوصاً أنقرة كي تدلي بدلوها، وذلك نابع من قناعة متجذّرة بدَورها المَرجعي الذي "لا يستطيع أحد تجاوزه"، بحسب ما يقول المتحدثون في الاعلام التركي. لذا فقد كان من الطبيعي أن تتدفق التحليلات التركيّة التي تقارب المشروع السعودي الجديد بشقّيه الاجتماعي والفكري، لكن من منطلق مختلف كثيراً عما هو سائد.
والحال أن تداول موضوع "الإسلام المعتدل" في تركيا لم يتّخذ من تصريحات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، نقطة بداية، ولا من ردّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نهاية، فالأمر يتعلّق بما هو أكبر من رؤية نقديّة طارئة لأن الناقدين هنا يَعدّون أنفسهم ببساطة "أمّ الصبي"، كما يقال. 

وفيما تبدو غواية تزعّم العالم الإسلامي السنّي قادرةً على تحريك الأقلام وترتيب الكلمات، فإن تفسيراً من هذا النوع لا يمكنه اختزال كل شيء حين يكون طرفا المعادلة هما السعودية وتركيا. فالبُعد التاريخي يفرض نفسه ويرتفع فوق كل الاعتبارات. 

وبالنسبة للأتراك، فهذا هو مجالهم المفضل الذي لا يحتاجون فيه إلى "آلة زمن" تأخذهم إلى حيث يريدون، فهم يتعاملون مع التاريخ كمتحف تذكارات شخصية أو منزلية، يستعرضون محتوياته ساعة يشاؤون بعد مسح طبقة رقيقة من الغبار، فيما يضطر غيرهم للحفر عميقاً في حالات مشابهة. 

ومع وضع النيّة السعوديّة للعودة إلى "الوسطيّة" على مشرحة الإعلام التركي، لم يكن مستغرباً أن يعود كثيرون إلى "أصل الحكاية"، كما هو الحال مع الكاتبة عائشة سوجو التي أسهبت في الحديث عن نشأة "الدولة الدينية" في المملكة والتي قامت على مراحل وشهدت صعوداً وانتكاسات. وفي مقالها المنشور بصحيفة سوزجو Sözcü، توقفت الكاتبة عند ملامح الصراع بين السعوديين والعثمانيين والذي تعدّى النزاع العسكري والسياسي في القرن التاسع عشر إلى خلافات جوهرية في فهم الإسلام وممارسته من قبل الطرفين.

ومن الملاحظ في الإعلام التركي عموماً، يركز على تفكيك بنية الحكم في المملكة بوصفها "حصيلة التحالف مع الوهابية" منذ البداية، والقول بأن العلاقة بين أصحاب الإيديولوجيا وأصحاب السلطة قائمة في هذا النموذج على أساس "الحماية والمشروعية" التي يقدّمها كل منهما إلى الآخر.  

ولما كانت النظرة إلى السعودية بهذا الشكل، فقد تضمنت احتمالات التطبيق الأمثل لـ"الاعتدال" أن يتمّ فك الحلف، بمعنى فصل الدين عن الدولة.

هذا السقف عالٍ بلا شك، بل إنه "حُلم يحمل الكثير من التمنّي والخيال"، كما رآه الكاتب في صحيفة هابير تورك HaberTürk، مراد بارداكتش، الذي اعتبر أن طرح هذه الفكرة من قبل البعض جاء من باب "الدعابة".

وتندّر بارداكتش بنصيحة أحد زملائه الصحافيين "الحالمين" الذي قال: "أخي السعودي، ستعود إلى مذهب أتاتورك في الأيام المقبلة لأن الطريق الذي رسمهُ قبل 90 عاماً تركَ أثراً في قلب كل مسلم، وهو سيُخرِج العالم الإسلامي من مستنقع الجهل الى الطريق السليم، وهنالك مؤشرات بدأت بالظهور". 

يضع بارداكتش هذا التصوّر أمامنا كمشهد كوميدي يستدعي الضحك، لكنه وللمفارقة يقدّم في الوقت ذاته، ما يراها مبررات منطقية تجعل "الكَمالية" غير صالحة لباقي المسلمين، ومنها عدم إمكانية "فصل قواعد الدين عن الحياة اليومية، ما يضع سلوك السعودية لطريق أتاتورك بيوم واحد في خانة المستحيل"!

ويجب القول هنا إن الإرث الكمالي يشكّل المسطرة التي يقيس عليها الأتراك تجارب غيرهم، حتى وإن كان هذا الإرث يمثل محور صراع تركي داخلي سابق وحالي ومستقبلي، ينطوي على محاولات لمحوه واستبداله. 

وأمام مصاعب عمليّة مختلفة تعترض تصدير هذا الفكر، يعود بارداكتش إلى أرض الواقع مشبّهاً مفهوم الإسلام المعتدل بطلب الطعام في المطعم. "فعندما تريد ان تأكل شرائح اللحم تطلبها أحياناً نصف مطهية أو عادية، حسبما ترغب. وبالطريقة نفسها يتعامل الناس مع قوانين الإسلام رغم أنها واحدة وليست متغيرة، متأثرين بالسياسة وضرورات الاقتصاد والانفتاح على العالم وعوامل أخرى، فتجد بينهم من يريد هذه القوانين متشددة أومتوسطة أو خفيفة مثلما يحدث في الطعام، ويبدو أن السعوديين أعجبوا بهذه التصنيفات" يختم الكاتب.

وبالمنطق نفسه يقرأ أستاذ العلوم الاسلامية بجامعة اسطنبول شهير، محمد علي بويوك كاري، التحولات الجارية في المملكة، إذ يعتبر أن "مشروع الإسلام المعتدل القائم بالأصل على علمنة الدولة يهدف في الحالة السعودية إلى خلق علمانيّة معتدلة بدلاً من العلمانيّة المتطرفة (الكمالية)" بالنظر إلى ما هو متاح تنفيذه ضمن الظروف المتوفرة.

لكن لماذا يستجلبون الإسلام المعتدل إلى بلدهم؟ يجيب كاري بأن الدوائر والاستخبارات الأميركية صمّمت المشروع في مطلع القرن الحادي والعشرين بهدف إضعاف التهديد الإرهابي المتوقع من المسلمين بعد اعتداءات 11 أيلول، وخلق بديل لهذا التوجه الديني، وأن يكون المفهوم الجديد مراعياً لحقوق الإنسان ومؤمناً بالتسامح". 

هذه الغايات تُحجّم التجربة السعوديّة أكثر فأكثر ليصبح السير في طريق "الوهابيّة المعتدلة" سبيلاً لزيادة الضغط على المؤسسة الدينيّة إلى أن يتمّ إنتاج صيغة يتعايش الحكم معها. وبالمحصلة يرى الأتراك أن الأمر لن يتعدّى على الصعيد الاجتماعي مجموعة من المظاهر، وسيبقى الأفق محدوداً بقيادة المرأة للسيارة وافتتاح صالات السينما والمزيد من القنوات التلفزيونيّة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها