الخميس 2017/11/23

آخر تحديث: 17:57 (بيروت)

قانون إهانة الرموز: مصر تحاصر التاريخ

الخميس 2017/11/23
قانون إهانة الرموز: مصر تحاصر التاريخ
هل فكر مقدم مشروع القانون في زميله الذي قال إن نجيب محفوظ لو كان حياً لحُبس على رواياته؟
increase حجم الخط decrease
في شهر اكتوبر الماضي، خرج الروائي والبحث يوسف زيدان في برنامج "كل يوم" مع عمرو أديب ليقول عن أحمد عرابي، قائد الثورة العرابية الشهيرة: "راكب على الحصان واقف زي الفار أمام الخديوي.. ويقول له لن نورث ولن نستعبد بعد اليوم.. شوشت على دماغنا.. عرابي لا يمتلك مخابرات عسكرية ولا عنده أي حاجة وعامللي غاغة وعايز يحكم".

بعده، خرجت الكاتبة الصحافية فريدة الشوباشي في برنامج "الشارع المصري" لتقول عن الشعراوي: "الذي يسجد لله شكراً على هزيمة مصر.. بالضرورة يسجد لله شكراً على نصر إسرائيل".

الواقعتان أثارتا جدلاً متوقعاً، على الشاشات وفي الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي. وكان التوقّع المنطقي أن تنتهي السجالات بنهاية "الترند" وبداية غيره. مثل كل تصريح إعلامي تتلقفه أصوات المجال العام المتوجهة طاقتها إلى مثل هذه المعارك.

لكن عضو مجلس النواب عمرو حمروش، عضو اللجنة الدينية في المجلس، لم يرغب في أن تمر هذه التصريحات، وهذا ما أصبح منطقياً في دولة تعاقب مطربة على جملة عابرة عمرها عام. فقرر أن "يتدول" أكثر من الدولة، لا بالمطالبة بمعاقبة زيدان والشوباشي، كما جرت العادة، لكن حماسته تجاوزت الحدود إلى تقديم مشروع قانون تحت عنوان مفزع "قانون تجريم إهانة الرموز".

أما نصه، فهو شديد الغرائبية، على المستوى القانوني دون أي انحياز أخلاقي أو حقوقي، بقوله: "يحظر التعرض بالإهانة لأي من الرموز والشخصيات التاريخية. يقصد بالرموز والشخصيات التاريخية الواردة في الكتب والتي تكون جزء من تاريخ الدولة وتشكل الوثائق الرسمية للدولة، وذلك وفقا لما اللائحة التنفيذية له". ويضيف النص: "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 3 سنوات ولا تزيد عن 5 سنوات وغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تزيد عن 500 ألف كل من أساء للرموز الشخصيات التاريخية، وفي حالة العودة يعاقب بالحبس بمدة لا تقل عن 5 سنوات ولا تزيد عن 7 وغرامة لا تقل عن 500 جنيه ولا تزيد عن مليون جنيه. ويعفى من العقاب كل من تعرض للرموز التاريخية بغرض تقييم التصرفات والقرارات، وذلك في الدراسات والأبحاث العلمية."

المحامي الحقوقي محمود عثمان، يفسر لـ"المدن" هذا القانون بالقول: "هل فكر مقدم مشروع القانون في زميله الذي صرح من أقل من عام أن نجيب محفوظ لو كان حياً لحُبس على رواياته؟ أليس نجيب محفوظ من الرموز التاريخية في مصر ورد اسمه في الكتب وجزء من تاريخ الدولة؟" ويستطرد محمود: "سرعة تحويل هذا القانون، رغم عواره القانوني، إلى اللجنة الدستورية والتشريعية، تعني أن هنالك نية في تمريره، وخبرتنا مع القوانين التي تُمرر رغم لامعقوليتها، وكيفية استخدامها لتكون باباً لقمع الحريات، خصوصاً للمبدعين، حيث لا تحديد لماهية الإهانة، وكيف يمكن تحجيم العمل الإبداعي من باب هذا القانون".

وقال أستاذ بكلية الإعلام بجامعة القاهرة، رفض الإفصاح عن اسمه: "يعني من الممكن أن يكون أحمد موسى رمزاً تاريخياً لمجرد أن يذكر في الوثائق الوطنية. توفيق عكاشة أيضاً، وحدث ولا حرج على القائمة التي سوف تصير من التابوهات بقوة القانون.. واذا كان القانون يسري على الموتى فقط، فكيف يمكن ألا نكتب عن صلاح نصر مؤسس المخابرات المصرية؟ عن محمد علي كديكتاتور وسفاح؟ وكيف يمكن حصرها في البحث العملي فقط، ما هي الجهة التي تحدد معيارها؟"

في برنامج "كلام تاني" لرشا نبيل ليلة أمس، اتفق معظم ضيوف المناقشة على أن القانون عبثي، وأن مجلس الشعب مشغول بما لا يهم القضايا اليومية للمواطن المصري. 

المؤسف أن القانون في طريقه لأن يكون فاعلا، كونه يناسب شعور الدولة بالخطر من كل ما هو مشهدي ويؤثر على صورتها ورموزها، وهو شيء اعتباري لن يحدده غيرها. الآن بعد أن حاصرت الحاضر، تريد أن تحاصر التاريخ.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها