الأحد 2017/11/19

آخر تحديث: 17:15 (بيروت)

قراءة في تقرير "فريديوم هاوس": لبنان الإلكتروني بخير، ولكن..

الأحد 2017/11/19
قراءة في تقرير "فريديوم هاوس": لبنان الإلكتروني بخير، ولكن..
يفتح التقرير مجالاً أوسع لنقاش مسألة حرمان أهل عرسال اللبنانيّة من الانترنت عبر شبكات الخليوي
increase حجم الخط decrease
الأرجح أن قراءة تقرير "فريدوم هاوس" في ضوء متغيّرات الانترنت حاضراً، تعني أن لبنان بخير إلكترونيّاً، على عكس ظواهر الكلمات والأرقام!

وكالعادة، يعتني تقرير مؤسّسة "فريدوم هاوس" بالحريّات الإلكترونيّة، خصوصاً علاقتها مع ممارسات السلطات الحاكمة والنُظُم المسيطرة حيال الشبكات الرقمي للاتصالات. وفي العام الجاري، رصدت المؤسّسة تدهوراً لأوضاع الديمقراطية على الانترنت، بل شدّدت على ارتفاع عدد الحكومات التي تتدخّل في تلك الشبكات (خصوصاً الـ"سوشال ميديا")، بهدف التأثير على الرأي العام لمصلحتها. وفي 2017، بلغ عدد تلك الدول التي وصفها التقرير بأنّها تسير على نهج بدأته روسيا والصين، إلى 30 مقابل 23 في السنة المنصرمة. (أنظر "المدن" في 14 تشرين ثاني 2017). 

وفي الموقع الإلكتروني لتلك المؤسّسة freedomhouse.org، يسهل الوصول إلى رأيها وأرقامها في الحريات الرقميّة للبلدان المختلفة، في تقرير حمل عنوان "الحرية على الانترنت". ويصف حرية الانترنت في لبنان بأنّها "جزئيّة" وهي أميل إلى الحريّة، إذ يعطيها 46/100 كتقدير الاجمالي. ووفق التقرير، هناك إعاقة شبه واضحة من الحكومة للوصول إلى الانترنت (14/25)، ولا يجري استهداف المحتوى إلا قليلاً (12/35)، فيما تتساوى كفّتي الميزان بالنسبة لاعتداء على حريّة المستخدمين في التعبير عن أنفسهم (20/40). وتجدر الإشارة إلى أن تلك الأرقام تُعطَى على عكس درجات الامتحانات المدرسيّة، فيكون الصفر مؤشّراً على حريّة مطلقة، أما 100 فهي غياب مطلق لها.

ويعطي التقرير رقماً مدهشاً عن عدد سكان لبنان (6 ملايين)، وربما لا يتفّق كثيرون معه، حتى لو احتسب كل اللاجئين ضمنه. ويقدّر نسبه انتشار الانترنت بين السكان بقرابة 76%، ما يضعه في موقع جيّد مع ملاحظة أن المعدل العالمي هو بلغ 51% في حزيران  2017. وينفي التقرير حدوث أي منع لتطبيقات رقمية للاتصالات والـ"سوشال ميديا"، لكنه يرصد "حدوث" منع لمحتوى سياسي أو اجتماعي، إضافة إلى رصد حالات توقيف لمدوّنين إلكترونيّين ومستخدمين لوسائل التواصل، كما يصف الصحافة بأنها "حرّة جزئيّاً".   

تلاعب، لكن ما معنى.."تلاعب"؟
تعني قراءة نص ما في ضوء المتغيّرات زمان كتابته، تقديم قراءة تفكيكيّة له. بقول أبسط، إنها قراءة الكلمات ليس وفق القاموس والكتب، بل وفق الزمن السيّال الذي كتُبَت فيه، بهدف إظهار المعنى الذي تكتسبه في التاريخ الذي تسير فيه. 
ومثلاً، يبدي تقرير "فريدوم هاوس" توجّساً خاصاً مما يصفه بأنّه تلاعب الحكومات بالانترنت، مع إشارة خاصة إلى روسيا والصين، لكنه لا يقدّم قراءته لذلك التلاعب. والأرجح أنه أمر يكتسب أهمية خاصة، لعوامل أقلها أهمية هي الرضى الذي يبديه التقرير عن حال الديمقراطية الالكترونيّة في الولايات المتحدة حاضراً. كيف يكون ذلك وهو تحديداً البلد الذي أطلق إلى النقاش مسألة التلاعب الإلكتروني، خصوصاً بالـ"سوشال ميديا". لننح جانباً أن الرئيس الشعبوي دونالد ترامب الذي يفترض أن التلاعب الروسي بالسوشال ميديا صبّ لمصلحته، يرد على الأمر بطريقة مضحكة، متّهماً وسائل الاعلام الأميركيّة بأنّها هي التي تتلاعب بالناس، فلا يقيم ترامب فارقاً بين حرية الرأي والتلاعب من دولة أجنبيّة في رئاسة بلد آخر!

وكذلك مهم تذكّر أن الـ"سوشال ميديا" جزء من الديمقراطية المعاصرة بمعانٍ منها أن حق الجمهور بالمعرفة الصحيحة هي ركن أساسي فيها. وفي أميركا وصل الأمر بشبكة الـ"سي آن آن" إلى حدّ أنها تتناول التلاعب الروسي بالميديا الرقمية باعتباره جزءاً من محاولة ضرب الوحدة الوطنية الأميركيّة. ورد ذلك تكراراً في برنامج مايكل سميركونش في برنامج يحمل إسمه. وفي غير ظهور له على تلك الشاشة، وافق خبير الـ"سوشال ميديا" في "سي آن آن" مايغن كيلي على ذلك الرأي. ويستند موقف "سي آن آن" إلى أنّ التدقيق في التدخّل الروسي، تضمّن نشر آراء متطرّفة من خطابي الحزبين الديمقراطي والجمهوري.

وهناك أمر آخر يدفع إلى الإلحاح في مسألة تعريف التلاعب، هو ما ظهر عند استقصاء الشركات الكبرى المعلوماتية والاتصالات (خصوصاً في الـ"سوشال ميديا") عن الأمر. إذ راج إعلاميّاً أنها سلّمت وثائق عن شراء الروس أو مرتبطين بهم، "إعلانات سياسيّة" موجّهة على الانترنت.

قبل كل شيء، ولو أنّه أمر لا يتسع المجال لنقاشه، لا يثير المدافعين عن الحريات الإلكترونيّة أمر أكثر من الاعلانات الموجهة، بل أنها هي المسار الرئيسي للتجارة بالبيانات الغزيرة التي تملكها شركات المعلوماتية عن الجمهور الالكتروني، وذلك تهديد للحرية والخصوصيّة على الانترنت. 

لنفكر قليلاً في تسليم شركات الـ"سوشال ميديا" بممارساتها في تجارة الإعلانات سياسيّة. ألا يعني ذلك أن نشر الاعلانات السياسية على الـ"سوشال ميديا" ومحرك البحث "غوغل"، كان جزءاً مستمراً في ممارساتها اليوميّة؟ لماذا صمت تقرير "فريدوم هاوس" عن الإشارة إلى النقاش المتشعب عن علاقة شركات المعلوماتية والـ"سوشال ميديا" بالاعلانات السياسيّة، بل أنه لم يقدّم قراءة موسعة لتلك الظاهرة المعقّدة؟

وفي أميركا أيضاً، ظهرت صعوبة في نقاش مسألة الاعلانات السياسية الموجهة لأنها ممارسة شائعة، وهي جزء من حريّة الرأي أيضاً، أقله ضمن الموازين الأميركيّة. ولذلك السبب، سعى المشرّعون الأميركيّون إلى العثور على أدلة مباشرة عنها، قبل أن يصل تصرف المؤسّسسة السياسيّة إلى حثّ شركات الانترنت والتواصل الاجتماعي على تجّنب أنواع منها، كالتحريض على العنف والكراهية والعرقية والتمييز والإرهاب وغيرها. وبديهي القول أن الحدود الفاصلة بين ممارسة واسعة لحرية الرأي، وبين تلك الشروط هو أمر ليس هيّناً ولا سهلاً. مجدداً، لماذا صمتت "فريدوم هاوس" عن إعطاء تعريف مجدٍّ، بل خصوصاً أن يكون قابلاً للاستخدام في بلدان وسياقات متنوّعة؟

عرسال وتوقيفات و"هاكرز"
يسجّل لتقرير "فريدوم هاوس" عن لبنان أنّه لم يغفل ممارسات ربما يهزّ البعض كتفيه استهانة بها، من دون تبصّر كافٍ. أليس أول الغيث قطرة؟ أليس رائجة منذ زمن "ألف ليلة وليلة" مقولة "أُكِلْتُ يوم أُكِلَ الثور الأبيض"؟ 

في ذلك المعنى، يفتح التقرير مجالاً أوسع لنقاش مسألة حرمان أهل عرسال اللبنانيّة (160 ألف نسمة)، من الانترنت عبر شبكات الخليوي. وتالياً، لم يحرم أولئك من الاتصال بتلك الشبكة عبر قنوات اخرى، كخطوط التلفون العادية عبر تقنية "دي آس آل" الشائعة لبنانيّاً أو غيرها. وكذلك لم يقبل أن تكون دعوى مكافحة الإرهاب عذراً مقبولاً، على رغم رواج تلك النغمة عربيّاً وعالميّاً وصولاً إلى الولايات المتحدة. ولعل المنع العرسالي هو قلب ما سجّله التقرير من تقييد للوصول إلى الشبكة الدوليّة.

ورصد التقرير 3 توقيفات لنشطاء إلكترونيّين، أبرزها لأحمد أمهز (9 ليال). وتدعو التوقيفات إلى الحذر بشأن الحرية في بلد لا يراهن على شيء قدر الحريّات فيه، على رغم أنها تبدو هيّنة قياساً بممارسات في دول عربيّة وإقليميّة مختلفة. 

ولم يمتنع التقرير عن رصد اختراق إلكتروني لموقع حاول مناصرة حقوق مثليي الجنس ومختلطيه، وهو أمر مهم في بلد لا يعاني قيوداً كبرى على الحريّات الجنسيّة، على رغم انطفاء النقاش عنها في ظل سيول الدم في لبنان وجواره. وربما ظهر من رأى أنّ الأمر يتصل أيضاً بصعود الظاهرة الدينيّة في شرق أوسط يتميّز عن العالم كلّه بكونه مهداً غير منازعاً للأديان السماويّة الثلاثة بتفرّعاتها كلّها! في ظل تلك الظاهرة التي يبدو أنها غير مقتصرة على العرب والشرق الأوسط، يصبح النقاش عن حقوق الجنس والمثليّة أمراً يصعب عدم وصفه بأنه شائك ومعقّد.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها