الأربعاء 2017/10/04

آخر تحديث: 10:57 (بيروت)

الدولة المصرية إن أرعبها "الرينبو"..

الأربعاء 2017/10/04
الدولة المصرية إن أرعبها "الرينبو"..
المشكلة في "الإعلان" لا في الفعل، وهو قطعاً موقف الدولة
increase حجم الخط decrease
بالقرار الصادر عن المجلس الأعلى للإعلام قبل أيام، يكون إحكام القبضة على كل ما له علاقة بالمثليين في المجال العام في مصر، قد صار تاماً. إذ يقوم المجلس، المخترع من قبل الرئاسة المصرية - برئاسة مكرم محمد أحمد، بالدور المتوقع منه، وهو بسط سطوته على المنتج الإعلامي في مصر، مكتوباً ومسموعاً ومرئياً. 
هذه المرة كان قراره عبارة عن مانيفستو لما تريده الدولة وما تراه في القضية، وهو منع كل ما له علاقة بالمثلية والمثليين من الظهور في الشاشة أو الصحف "لأن المثلية مرض وعار، يحسن التستر عليه لا الترويج لإشاعته، إلى أن يتم علاجه والتخلص من عاره، حفاظاً على السير والأخلاق العامة واحتراماً لقيم المجتمع وعقائده الصحيحة"، بحسب ما ورد في القرار، ذلك ان "الترويج لهذه الشعارات هو إفساد للمجتمع ينبغي أن يلقى القائم به جزاءه".

لم يكتف القرار بتكرار ما يُقال منذ أكثر من أسبوع، ولم يكتفِ بانتحال اللغة الموضوعية الذي أراد للبيان أن يخرج بها، بل زاد عليه دور الواعظ الاجتماعي المنظم لأخلاقه، مستعيناً بالكثير من "الأقاويل الرائجة" في المثلية: "هنا يأتي دور الإعلام ورسالته التي من واجبها التبصير بخطورة الداء وأسباب انتشاره والتحذير من مخاطره، وليس الترويج له بأن ترفع من أجله الشعارات وأن تكون له أَعلام وطقوس ومؤيدون يروجون في العلن منكراً شديد الخطورة، محاولين أن يسبغوا عليه لوناً من الشرعية غير الصحيحة ويروجون لوجوده باعتباره حقاً من حقوق الإنسان، وهو إثم فاضح ينبغي رفضه ومقاومته لأنه يناقض طبائع الأمور ويمثل خروجاً على سنن الحياة وفعلاً من أفعال الشذوذ لا ينبغي ترويجه لخروجه عن سنن الكون والطبيعة..."

غير أن العبارة الأهم والأكثر دلالة في القرار، هي النصيحة الأخيرة فيه: "إننا ندعو هؤلاء المِثليين إلى ستر عيوبهم وأفعالهم المؤثمة وليس المباهاة بها لأنها شر خالص عظيم ينبغي الخلاص منه".

هذه الجملة تعيد القضية إلى جذرها الأساس، وهو أن المشكلة في "الإعلان" لا في الفعل، وهو قطعاً موقف الدولة. فكل بياناتها وخطواتها العنيفة، الأسبوع الماضي، كانت رد فعل على خروج المتواطَأ على ستره، إلى العلن.

ينظم المجلس الأعلى للإعلام ما يخرج على الشاشات، وإن بخطاب أخلاقي اجتماعي، بغية أن يعود المتستَّر عليه إلى مكانه، في السر، وأن يظل حبيس النمائم والنكات الشعبية، كما في عشرات النكات عن وزراء سابقين، يعرفها المصريون الثائرون الغاضبون على الوضع الحالي. بل إن اللغة الشعبية كانت واسعة –رغم أخلاقيتها- لدرجة خلق المفردات التي تصف المثلي، ليس أولُها "خَوَل" ولا آخرها "بسكلتة".. والحكايات الشعبية مليئة بمثل تلك العبارات.

ثم اللقطة الأهم في قرار المجلس، تأتي بعد حملة إلكترونية شديدة الذكاء استطاعت أن تلتقط "الرينبو" من كل تفاصيل الحياة اليومية، من كتاب مدرسي إلى لوغوهات القنوات المحلية المصرية. القرار إذن يعي أن الدولة رفعت أهمية "الرمز" حتى اتسعت سلطته ودخلت في التفاصيل اليومية التي يريد الجميع الآن أن ينفيها عن نفسه.

ورغم هدوء النقاش حول القضية، وتواري الجميع وراء الغضب أو الخوف من جراء التبعات الأمنية العنيفة، خصوصاً حبس أحمد علاء وسارة حجازي، اللذين كتبا في حساباتهما في فايسبوك عن إقدامهما على الفعل ودعمهما له، أتى بيان مشروع ليلى ليكون أذكى وأكثر التعليقات عقلانية وشمولاً في القضية.

البيان، ومن ورائه الفرقة، على وعي تام بأن صمتهم لم يخفف من حالة التصعيد الأمنية ضد المثليين، على أن أهم ما في بيانهم وما يعنينا هنا هو وعيهم بالدور التحريضي الذي ضخمه الإعلام. قالت الفرقة: "نؤكّد على ضرورة أن تعي الصحافة المصرية، المأساة التي ولدتها وأن تتحمل المسؤولية وتتراجع عن الأكاذيب التحريضية التي نشرتها على مدى الأيام العشرة الأخيرة.. ندين بشدّة خطاب الكراهية والأكاذيب الصادرة عن الحكومة والإعلام على حدّ سواء".

بيان "مشروع ليلى"، كان أعلى صوتاً وأكثر تأثيراً. ليس مصرياً وعربياً فحسب، بل عالمياً. ربما يكون باكورة ضغط على النظام المصري ليخفف من قبضته، ومن المتوقع أن يبدأ الإعلام حملة أكثر شراسة بعد البيان. 

ورغم عدم التفاؤل، ليس أمامنا إلا المشاركة بالكتابة تلبية لدعوة الفرقة: ندعو كل منتجي الثقافة، والنشطاء، والموسيقيين/ات، خارج مصر وداخلها، إلى التعبير والتصريح عن تضامنهم مع المجتمع المصري في ظل هذه المرحلة الصعبة. المسألة أشد خطورة من أن نتجاهلها... نحن بحاجة إلى إنتاج حركة تضامن دولية عازمة على الضغط على النظام المصري لوقف مطارداته وملاحقاته، ومطالبته بالإفراج الفوري عن كل الموقوفين والموقوفات.
ال
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها