الجمعة 2017/10/20

آخر تحديث: 14:53 (بيروت)

"أديان" و"سكايز": الإعلام اللبناني تعميمي.. و"الآخر" تهديد

الجمعة 2017/10/20
"أديان" و"سكايز": الإعلام اللبناني تعميمي.. و"الآخر" تهديد
في القضايا النزاعية والمثيرة للجدل برز الميل لإظهار وجهة النظر الواحدة (خليل حسن)
increase حجم الخط decrease
إلى أي مدى يعكس الإعلام صورة عن المجتمعات، على ما هي عليه حقيقة أم أنه يعكس فقط التيارات والمسارات الأكثر انتشاراً؟ وكيف يمكن إبراز الاختلافات والخصوصيات دون التشجيع على التقوقع ضمن مجموعات هوياتية والمساهمة في الانقسامات؟ وهل دور الإعلام نقل الأحداث أم المساهمة الفاعلة في بناء رؤية معينة للمجتمع؟ وهل المعايير الصحافية المهنية كافية لمواجهة خطاب الكراهية والرسائل المؤججة للتوترات الطائفية؟


من هذه الأسئلة انطلقت دراسة رصدية تحليلية أجرتها مؤسسة "أديان" ومؤسسة "سمير قصير" (سكايز)، حول التغطية الإعلامية لقضايا التنوّع في الإعلام اللبناني والسوري والعراقي، حيث تم رصد ما نُشر وبثّ في الفترة المحددة للدراسة ما بين 16 آذار/مارس و31 منه، ودراسة اللغة المستخدمة والمفاهيم الواردة والمجموعات الممثلة وتلك الغائبة عن الحيّز الإعلامي، وذلك بهدف الإضاءة على مكامن الخلل والتشجيع على أداء صحافي دامج وحاضن للتنوّع.

وفي هذا الإطار، اختار مركز الدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية "سكايز" التابع لمؤسسة سمير قصير، عيّنة من أبرز وسائل الإعلام الناطقة باللغة العربية في كل من الدول الثلاث، منوّعاً بين القنوات التلفزيونية والصحف والمواقع الإخبارية.

وفي لبنان شملت الدراسة القنوات التلفزيونية: "إل بي سي"، "إم تي في"، "أو تي في"، "الجديد"، و"المنار". والصحف: "النهار"، "الأخبار"، "اللواء"، و"المستقبل"، إضافة إلى الموقعين الإلكترونيين "النشرة" و"ليبنانون فايلز". وشمل التحليل والاستخلاص أحداثاً سياسية واجتماعية وثقافية وقانونية وأمنية، وأخرى ذات علاقة بالرياضة متى كان ذلك ملائماً. ومن خلال رصد النشرات الإخبارية الرئيسية والتقارير والمقالات والمقابلات، أظهرت النتائج أن ثمّة مجموعات قليلة لم تُذكر بتاتاً أو قلما ذكرت، منها الطوائف المسيحية، الإنجيلية والكلدانية والسريان والأقباط والآشوريون والطائفة العلوية المسلمة، وهذه دلالة إما على غياب أو تهميش تلك المجموعات في الوسائل الإعلامية اللبنانية أو مجرّد غياب الأخبار التي تتعلق بتلك المجموعات. كما أن 49% من المواد الخاضعة للتحليل حملت رسالة مفادها أن التنوّع/الآخر هو مصدر غنى للمتلقي، في حين أن 51% أعطت الانطباع المعاكس، أي أن التنوع/الآخر هو مصدر تهديد، بينها مثلاً تقرير لقناة "أو تي في" يصوّر المنطقة المختلطة بكونها منطقة مثيرة للتحدّي والتعقيد لوضع قانون انتخابي جديد، ما يعني أن التنوّع مصدر تهديد لمصالح الطوائف من وجهة نظر القناة.

وبرز الميل إلى إظهار وجهة نظر واحدة لقضية نزاعية أو مثيرة للجدل، ما يبعد الجمهور عن تعرّضه لوجهة نظر أخرى، ومثال على ذلك مقال في صحيفة "المستقبل" بعنوان "دعا إلى اعتماد الضريبة التصاعدية وحماية المال العام. الضاهر: المطلوب قانون انتخاب عادل يلتزم بروحية الطائف"، يسلّط الضوء فقط على وجهة نظر طرف واحد من دون أي وجهة نظر لموقف مختلف. كما أظهرت النتائج أن 9% من المواد المقيّمة كانت ناجحة في عرض التنوّع ضمن المجموعة ذاتها، فيما تميل 33% منها إلى استخدام التعميم، الأمر الذي يدفع الجمهور إلى اعتبار المجموعات الدينية أو الثقافية أو الإثنية أو الطوائف كتلة واحدة، خصوصاً في الأزمات والصراعات.

وخلصت دراسة مواد الإعلام اللبناني إلى ضرورة تشجيع وسائل الاعلام في لبنان على عدم حصر المجموعات الثقافية والدينية المختلفة بالبعد السياسي كما هي الحال، بل حثها على محاولة تغطية نواحٍ أخرى تتعلق بتلك المجموعات المتنوعة، محذرة من أنه بقدر ما تنتهج وسائل الإعلام لغة التهديد بقدر ما يعتمد الإعلاميون على معايير وخطوط إرشادية أقل مهنية لإيصال رسالتهم، ما يضع مصداقية تلك الوسائل كسلطة رابعة على المحك. وبناءً على ذلك يجب توفير وسائل الإعلام التدريبات على المنهجية في تغطية الأمور المتعلقة بالتنوع من أجل الحد من الأخطاء المنهجية والأحكام المسبقة والانحيازات الشخصية او النشر غير المباشر لخطاب الكراهية.

المشهد في الإعلام السوري يحكمه انقسام وسائل الإعلام إلى حكومية وخاصة ومجتمعية، أي ما بين وسائل موالية لنظام الرئيس بشار الأسد، وأخرى ولدت بعد الثورة السورية، وتطورت وانتشرت حسب الفئة المستهدفة والقدرات التمويلية التي نالتها، فمنها المحلي ومنها الوطني، والعديد منها ينشط وفقاً لخريطة القوى العسكرية المسيطرة على الأرض السورية.

وفي الدراسة وقع الاختيار بشكل أساسي على وسائل إعلامية أنشئت بعد العام 2011، وغالبيتها معارضة لنظام الأسد، باستثناء وسيلة إعلامية واحدة، نظراً لارتباط هذه الدراسة ببرامج لقاءات وتواصل مع الإعلاميين العاملين في الوسائل موضع الدرس، وهو أمر متعذر مع وسائل إعلامية موالية للأسد. بناءً على ذلك، شملت الدراسة الوسائل الإعلامية التالية: مجلة "طلعنا عالحرية"، جريدة "عنب بلدي"، جريدة "زمان الوصل"، جريدة "الوطن"، "شبكة شام"، وكالة "قاسيون"، موقع إذاعة "وطن أف أم"، موقع "راديو الكل"، موقع "راديو ألوان"، وموقع تلفزيون "أورينت".

وتظهر نتائج تحليل رسالة المواد الإعلامية المرصودة وصول رسالة "الآخر/التنوع مصدر تهديد" إلى نسبة مرتفعة هي 85%، الأمر الذي يشير إلى مدى سوء الأوضاع في سوريا بين مكونات المجتمع هناك و/أو سوء تعامل وسائل الإعلام مع عرض ونقل الأخبار والتقارير، منها مثلاً تغطية موقع "زمان الوصل" وتلفزيون "أورينت" التي حملت رسالة كانت ترى في كل من المكون الكردي والشيعي والعلوي مصدراً للتهديد.

إلى ذلك كانت الغلبة في المواد المرصودة بنسبة 57% لوجهة نظر واحدة، بينها ما أورده موقع "زمان الوصل" عن أسباب توقف عمليات "درع الفرات" نقلاً عن قائد مجموعة مسلّحة معارضة تدعى "فرقة السلطان مراد"، والذي قال إن سبب التوقف يعود لخلافات تركية أميركية روسية، معتبراً أن أميركا وروسيا تريدان تحييد الدور التركي وإشراك ميلشيات كردية في العملية، ولا يورد الموقع أي معلومات أخرى عن الأمر من مصادر أخرى تؤكّد أو تنفي حقيقة ما قاله قائد المجموعة. كما تبيّن من خلال تحليل المواد أن 30% منها نحت منحى التعميم في مقابل 26% منها أظهرت التنوّع الداخلي للمجموعات.

وفي ما يتعلّق برصد التغطية في الإعلام العراقي، خلص التقرير إلى ضرورة تشجيع وسائل الإعلام العامة أو الممولة من المال العام على تخصيص مساحة من برامجها لقضايا التنوّع. فشبكة الإعلام العراقي مثلاً، ممولة من المال العام، وقد تحوّلت إلى صوت محتكر من قبل الحكومة، وفي أحيان كثيرة حزب رئيس الوزراء فحسب، ما يستدعي العمل لرفع وعي الإعلاميين العراقيين بشؤون التنوع وقضاياه وتحدياته.

وشملت الدراسة الوسائل الإعلامية العراقية التالية: فضائيات "العراقية"، "السومرية"، "إن آر تي"، "الشرقية"، "دجلة"، و"العهد". إضافة إلى وكالة "الغد برس"، وجريدتي "الصباح" و"المدى"، ومواقع "العالم الجديد"، "رووداو"، و"كردستان 24".

وبيّن الرصد الكمّي للمكونات العراقية في فترة التحليل، التركيز على شؤون الجماعات الدينية والقومية الكبرى وصراعاتها (الأكراد، السنة، الشيعة)، وهي الجماعات ذات الوزن الديموغرافي الأكبر والتي تحظى نخبها السياسية بالسلطة، سواء تعلّق الأمر بالصراع الشيعي- السنّي أو العربي- الكردي. ولحظت الدراسة غياب التعريف بالتنوع الديني والإثني واللغوي وحقوق المكونات المتنوعة عبر وسائل الإعلام العراقية، في مقابل التركيز على الاختلافات في وجهات النظر وملفات النزاع بينها. كما بدا لافتاً أن نسبة رسالة "الآخر/التنوع مصدراً للتهديد" مرتفعة بالمقارنة مع نسب الرسائل الأخرى، وكذلك الأمر بالنسبة لغلبة وجهة النظر الواحدة.

وأدرج التقرير أمثلة عديدة في هذا السياق، منها ما يعبّر عن وجهة النظر الواحدة من خلال خبر وارد في صحيفة "المدى" بعنوان "الحكومة تحجب مخصصات الأدوية عن إقليم كردستان بموافقة العبادي"، وفيه نرى أنّ  الخبر ركّز على موافقة العبادي من خلال رأي وزير كردي بالموضوع، دون الأخذ برأي وزارة الصحة الاتحادية. ومثال على التعميم، مقال منشور في موقع "العالم الجديد" تحت عنوان "من بوكا للموصل.. قراءة في تركة داعش الإجرامية على العراق"، يناقش فيه الكاتب أن "داعش" ليس سوى صنيعة أميركية على الأرض العراقية وبقيادة عراقية، وكانت اللبنات الأولى له في سجن بوكا الذي أداره الأميركيون، وكانت عملية صناعة طائفية شديدة المراس تجري داخل السجن، في حين، بحسب المقال، لم تكن الطائفية موجودة آنذاك في أوساط المجتمع العراقي، أو أنها كانت في بداية تأجيجها. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها