الإثنين 2017/10/16

آخر تحديث: 17:12 (بيروت)

خفّة الوزير التي لا تُحتمل!

الإثنين 2017/10/16
خفّة الوزير التي لا تُحتمل!
increase حجم الخط decrease
حين تكون ذهنية الطبقة الحاكمة، منفصلة عن هموم الشعب وبعيدة من هواجسه وقضاياه، لا يعود من المستغرب أن يخرج وزير في الحكومة بتصريح أقلّ ما يُقال فيه بأنه بدا أشبه ما يكون تبريراً للفوضى وإيعازاً بالنهب، ما يعكس مدى الاستهتار بالقانون مقابل الرضوخ لحكم قلة من أصحاب المصالح على حساب غالبية المواطنين.


فما كاد القرار حول اعتماد التعرفة الرسمية للفاليه باركينغ والمقررة بـ5 آلاف ليرة يصدر في مستهل الشهر الجاري، حتى أبرق وزير السياحة، أفيديس كيدانيان، إلى وزير الداخلية ومنها إلى محافظ بيروت مقترحاً مضاعفة التعرفة ورفعها إلى 10 آلاف ليرة، أي 100% دفعة واحدة، مبرراً ذلك بأن الشركات تستأجر عقارات بمبالغ طائلة وعليها موجبات لتسجيل العاملين لديها في صندوق الضمان، متناسياً مدى الأعباء والنفقات المترتبة على المواطنين خصوصاً بعد إقرار قانون الضرائب الجديد.

وإمعاناً في استفزازه واستخفافه بأوجاع الناس وخواء جيوبهم، قال كيدانيان "من عنده القدرة على تناول الطعام في مطاعم بيروت لن يغصّ بعشرة آلاف ليرة"، ما يعبّر عن عدم إدراكه بأنّ هذا المبلغ قد يخنق بعض الناس من كثرة ما في حلقهم من غصّات جرّاء عشوائية القرارات الاقتصادية والمالية والأسلوب الذي يتعامل به المسؤول مع المواطن، والذي يبدو أنه يشجّع التجار والمحتكرين وأصحاب الأعمال على المضي قدماً والغلّو في نهب أموال الناس.

وللمفارقة فإن وزير السياحة نفسه كان قد شدد في حديث سابق لـ"المدن" على ضرورة ضبط كل التجاوزات التي تؤثر سلباً على مجمل القطاع الخدماتي في لبنان، مؤكداً أنه من غير المقبول أن تتجاوز تعرفة الفاليه باركينغ 5 آلاف ليرة بشكل عشوائي، كاشفاً عن أن وزارته قد خصصت خطاً ساخناً لتلقي شكاوى المواطنين في هذا الصدد.

التناقض الصارخ في كلام معاليه حول الموضوع نفسه، وفي فارق زمني لا يتعدى بضعة أسابيع، يُبرز هشاشة قناعاته بالتزامه بشكاوى المواطنين ومطالبهم. كما أنّ كلامه الصادر من موقعه المسؤول سيقود إلى الفوضى بتسعير الكثير من الخدمات السياحية الأخرى، الأمر الذي أدّى إلى اعتراض واستهجان الكثيرين، منهم رئيس الاتحاد العمالي العام في لبنان، بشارة الأسمر، الذي تساءل "هل بات أصحاب شركات الفاليه باركينيغ أقوى من الدولة؟ وما هو السبب المقنع لتغيير قرار صدر في الجريدة الرسمية بعد أسبوع فقط من صدوره، وما هي الدراسات التي أملت هذا التغيير؟".

يبدو أن وزير السياحة قد أغلق خط الشكاوى الذي يخصّ المواطنين، لأن صراخهم قد علا بالشكوى منه ومن قراره، واستبدله بخطٍ ساخن استمع فيه لأصحاب المصالح الذين جاءوا يشتكون من أن تسعيرة الـ5 آلاف لا تملأ جيوبهم وتشبع أطماعهم. إذ إن حضرة الوزير غضّ الطرف عن التعليقات الغاضبة والشاجبة، التي انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي عقب تصريحه، حيث اتهمه كثيرون بـ"التواطؤ مع أصحاب شركات الفاليه باركينيغ ضد المواطن"، في حين علّق البعض على منظومة الفساد التي تحكم البلد والتي فاقت وقاحتها كل الاعتبارات.

عشوائية اتخاذ القرار بالشكل الذي طالعنا فيه وزير السياحة، يدل على الكيفية ومدى الخفّة التي تتعلق بإقرار الضرائب وفرض التسعيرات عند المسؤولين وصنّاع القرار، لناحية الميل الى اللامبالاة والارتجال في ما يتعلّق بالأمور المالية وجيوب المواطنين، ما يدعو للسؤال عن أي سياسة وتخطيط وخطط يتحدث وزير السياحة وغيره من الوزراء، طالما أن القرارات تؤخذ بهذا الشكل الذي لم يراعِ مدى معاناة اللبنانيين الذين يفتقرون لمواقف لسياراتهم، وكوابيسهم اليومية ووقتهم الذي يضيع في زحمة السير، حيث لا نقل مشترك ولا تنظيم مدني. ألم يكن من الأجدى تأمين احتياجات المواطنين والانكباب على التخفيف عنهم بدل الانصياع لمطالب القلة المستفيدة من رفع كلفة الفاليه على حساب الكثرة المتضررة من المبتلين بمسؤوليهم وقرارتهم المفجعة؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها