الإثنين 2017/10/16

آخر تحديث: 17:10 (بيروت)

الاختلال العقلي في الراهن الطائفي

الإثنين 2017/10/16
الاختلال العقلي في الراهن الطائفي
حادثة ذبح الراهب سمعان شحاتة عولجت بالطريقة التعموية نفسها المستخدمة منذ عقود
increase حجم الخط decrease
لا تنجو تبعات الجرائم الطائفية في مصر من الكليشيهات الأمنية المعتادة، التي تنفذ بحذافيرها كما لو كان أصحابها يتبعون كتيب تعليمات لم يتغير منذ ثمانينيات القرن الماضي، أي منذ أن صارت الحوادث الطائفية خبراً يتصدر الصحف المصرية، أشهرها تلك التي حدثت في فترة حكم الرئيس الأسبق محمد أنور السادات العام 1981، والمعروفة باسم أحداث الزاوية الحمراء.


في المسار نفسه، كان التعامل مع حادثة ذبح الراهب سمعان شحاتة، منذ أيام. ويبدأ التعامل الرسمي عادة بإلقاء حمولة الجريمة كلها على الحالة العقلية والنفسية لمرتكبها، وهو ما حدث بالفعل بعد ساعات من الحادثة بالقول أن "مهتزاً نفسياً ومعروفاً بين أهالي المنطقة بذلك.. نفذ الجريمة بالمصادفة من دون تخطيط منه أو تعمد تنفيذها، لعدم وجود سابق معرفة بينه وبين المجني عليه أو وجود أي تعاملات تجارية بينهما"، كما في خبر صحيفة "الوطن".

تأتي بعد ذلك مرحلة نفي الطائفية عن الحدث مهما بلغت درجة بشاعته، باستدعاء كل مقولات الوطنية المصرية، التي تدعي أن الجريمة لا تعبّر عن الروح المصرية وأن الحادث "فردي"، وهو بالضبط ما قاله النائب أحمد حلمي الشريف في بيان: "الشعب المصرى العظيم يعي جيداً أن الأهداف من وراء تلك الأمور والعمليات الإرهابية الخسيسة تكمن في النيل من الوطن ووحدته الوطنية والنيل من سمعة استقراره وهي محاولة فاشلة من القائمين على تلك العمليات الإرهابية من إثبات أن هناك ظروفاً أمنية غير مستقرة بالبلاد على الرغم من أن العالم كله يشهد ويقر أن مصر تعتبر واحدة من أنجح الدول على مستوى العالم والتي أكدت من خلال قواتنا المسلحة الباسلة وأجهزة الشرطة الوطنية قدرتها ونجاحها فى مواجهة ظاهرة الإرهاب الأسود نيابة عن العالم كله، والعالم كله يعى أن مصر قيادة وحكومة وبرلماناً وشعباً ضد الإرهاب".

لكن أحد أعضاء مجلس الشعب، وهو خالد عبد العزيز فهمي في مداخلته عبر برنامج "بتوقيت مصر"، تمادى في رؤيته للحدث واعتبره "حدثاً عادياً" في ظل الموجات الإرهابية التي تضرب مصر. وهو هنا يحاول أن يستخدم الأسلوب التقليدي المتبع بأكثر الطرق رعونة وفجاجة، ما جلب له ردود أفعال غاضبة عديدة كان أشهرها تغريدة التي رجل الأعمال نجيب ساويرس غاضباً: "صحيح اللي اختشوا ماتوا"، خصوصاً أن الواقعة التي سجلت في شريط فيديو متداول بكثافة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر كمية الوحشية والعنف المتبع في الجريمة.


وبعد الارتماء في حضن الشعارات الوطنية، يأتي دور الأزهر في التبرير لينفي بدوره عن الإسلام تهمة التورط في مثل هذه الحوادث، وهو ما كان في مداخلة الدكتور محمد الشحات الجندي، عضو مجمع البحوث الإسلامية، في برنامج "صح النوم" للإعلامي محمد الغيطي، حيث قال أن التنظيمات الإرهابية تزيف وتسيء للدين الإسلامي إساءة بالغة، مضيفاً "أن هذه الحوادث التى تُدمي القلوب، الإسلام منها برئ" وأن مرتكبي مثل هذه الحوادث "معمول لهم غسيل مخ" ملقياً بالسبب على "الفكر القطبي الذي يكفر المسيحي".

والحال أن شهوراً قليلة تفصل بين الحادث الفردي الحالي في قتل راهب، وتفجير في طنطا، سبقهما بشهور أيضاً حادث طائفي آخر، والقائمة تطول، والمسيحيون لا ينسون قتلاهم، حسبما تظهر قوائم التوثيق لضحايا الأقباط المصريين خلال السنوات الأربعين الأخيرة، بشكل يظهر عمق المشكلة الطائفية المستمرة في البلاد عاماً بعد عام، تتكرر فيها السردية الرسمية وفق المحاور السابقة من دون أي تغيير.

وفي كل مرة تتعامل الأنظمة المصرية المتعاقبة بالطريقة نفسها، مستخدمة آلتها الإعلامية الهائلة في التعمية والتهوين، من دون وعي حقيقي بالمشكلة وأسبابها، ومن دون أن يُترك المجال لتسمية ما يحدث باسمه الفعلي، كأن المشكلة الطائفية تختفي بمجرد تغيير اسمها. وإذا كان الاختلال العقلي من نصيب أحد في هذه الوقائع، فهو من نصيب الدولة وحدها، التي تكتفي بإجراءات اعتباطية حتى تهدأ المشكلة وتُنسى تماماً، تختمها صورة بابا الفاتيكان وشيخ الأزهر وهما يتبادلان الأحضان أمام الكاميرات، لتتصدر الصفحات الأولى في الصحف والمواقع الموالية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها