السبت 2017/10/14

آخر تحديث: 12:16 (بيروت)

مغردون لترامب: لا الخليج العربي ولا الفارسي..بل خليج البصرة!

السبت 2017/10/14
مغردون لترامب: لا الخليج العربي ولا الفارسي..بل خليج البصرة!
ترامب يعلن استراتيجيته الإيرانية (غيتي)
increase حجم الخط decrease
لا يمكن الحكم تماماً إن كان الجدل الدائر في السوشيال ميديا العربية حول التسمية الأدق تاريخياً لمنطقة الخليج، تكثيفاً للصراع السني - الشيعي (العربي - الإيراني) أم تسطيحاً له، لأن توقيت هذا الجدل المفاجئ الذي يناقش مسألة تاريخية عمرها مئات السنين، أتى كرد فعل متسرع عصبي وقبلي على استعمال الرئيس الأميركي دونالد ترامب تسمية "الخليج العربي" بدلاً من "الخليج الفارسي"، وهي التسمية الأكثر رسمية وشيوعاً في اللغة الانجليزية، خلال خطابه، الجمعة، الذي أعلن فيه استراتيجية البيت الأبيض الشاملة تجاه إيران بما في ذلك موقفه من الاتفاق النووي الإيراني.


ورغم أن الخلاف حول دقة التسمية تواجد بشكل محدود في نقاشات مستخدمين إيرانيين وأميركيين أيضاً، إلا أنه تصدر النقاشات العربية حول خطاب ترامب بلا منازع، فانتشرت هاشتاغات مثل #الخليج_العربي و#الخليج_الفارسي باللغتين العربية والانجليزية على نطاق واسع في "تويتر" بين المستخدمين العرب، مع نشر عشرات الخرائط التي تثبت وجهة نظر أصحابها على صحة تسميتهم، من بينها خرائط قديمة عمرها مئات السنين، مع انقسام المعلقين بطبيعة الحال وفق خطوط الممانعة واللاممانعة التقليدية.


أكثر التعليقات المسلية هنا وسط هذا الجو المشحون بالعصبيات الطائفية والقبلية والعرقية فهي تغريدات لعراقيين قالوا فيها أن التسمية الصحيحة هي #خليج_البصرة، وفيما كان تداول التسمية أقرب إلى نكتة إلا أنها تتسند إلى وقائع علمية لأن تسمية خليج البصرة كانت شائعة في الوثائق العائدة للحقبة العثمانية، ومازالت موجودة على اللسان الشعبي في العراق عموماً.


في ضوء ذلك تناسى المغردون الحديث عن ذكاء ترامب في اختياره المقصود للكلمات، حيث سعى الرئيس الأميركي من خطابه عموماً واعتماده تسمية الخليج العربي، إرضاء حلفائه السعوديين الذين شعروا بخيبة أمل عامة من أداء ترامب خلال الأشهر القليلة الماضية بعد الأمل الكبير تجاهه في شهر أيار/مايو الماضي عند اختياره الرياض كأول محطة خارجية له كرئيس للولايات المتحدة وتوقيعه لاتفاقيات تاريخية، تأمل فيها السعوديون أن يقوم ترامب بإعادة توجيه السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، لكنه فشل حتى الآن في وقف قوة إيران المتزايدة في العراق أو سوريا أو اليمن.


وكان استرضاء الرياض ضرورياً لترامب لأن الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز فاجأ العالم الأسبوع الماضي بتوجهه إلى العاصمة الروسية موسكو، في أول زيارة لملك سعودي إلى روسيا في التاريخ والتي كانت بمثابة جرس إنذار بأن لدى السعودية خيارات بديلة، في وقت لا تستطيع فيه واشنطن التخلي عن حليفتها البارزة في المنطقة والتي تمتد علاقتها معها إلى العام 1945 منذ الاجتماع الشهير بين الرئيس فرانكلين روزفلت والملك عبد العزيز مؤسس المملكة. علماً أن عملية الاسترضاء بدأت قبل أيام بالموافقة على بيع أسلحة أميركية للرياض تم تجميدها في وقت سابق.

إلى ذلك، تجاهل المغردون حقيقة أن ترامب لم ينسحب من الاتفاق النووي بعد، فأتت الآراء بين معجبي ترامب اللاممانعين وكارهيه الممانعين تعليقاً على تخريب الاتفاق النووي وليس إمكانية حدوث ذلك بعد شهادة ترامب الرسمية أمام الكونغرس، الأحد. علماً أن استراتيجية البيت الأبيض الجديدة تجاه إيران تشكل مقامرة دبلوماسية وفق سياسة "القارب المهتز".

ويعني ذلك أن الإدارة الأميركية تشير إلى مؤيدي الاتفاق النووي بأن ترامب مستعد لإنهاء الصفقة لأنه يرى أنها غير ملائمة للولايات المتحدة في حين تشير أيضاً إلى أن الرئيس على استعداد لعدم تخريب الاتفاق، شريطة أن تضاف إليه عناصر أخرى من استراتيجية مضادة لإيران. وفي الوقت نفسه، تحاول الإدارة الإشارة إلى معارضي الاتفاق النووي بأن هناك طريقة لمعالجة نقاط الضعف في الصفقة من دون التخلي عنها، شريطة أن يمنح هؤلاء المعارضون الرئيس بعض الراحة من خلال مراجعة قانون مراجعة الاتفاق النووي الإيراني (إينارا) وإزالة شرط تقديم الرئيس لشهادته بشأن امتثال إيران للاتفاق كل 90 يوماً.

والتقط المغردون الأميركيون النقاط السابقة المستمدة من وسائل إعلامهم التي واكبت الخطاب الذي يعكس صناعة دبلوماسية ذكية من طرف ترامب الذي يستخف الكثيرون بذكائه، لأن الاستراتيجية الجديدة تظهر أن ترامب يدرك تماماً ما يقوم به، لكونه يريد شيئاً لا يريده معظم الناس بما في ذلك كبار المستشارين المحيطين به، أي الانسحاب من الاتفاق النووي، بموازاة إدراكه للمأزق الذي يشكله الاتفاق بالنسبة لرئاسته وإحباطه الخاص من الشهور الماضية، لتعكس الاستراتيجية ذلك الجانب داخل عقل الرئيس حيث يوجد سلفه باراك أوباما كمحفز داخلي دائم.

وفي حين كان أوباما متردداً في تحدي إيران على صعيد أنشطتها غير النووية خشية أن يؤدي ذلك إلى تعطيل المكاسب الدبلوماسية لبرنامج العمل المشترك، يشعر ترامب أنه لم يحصل إلا على دعم قليل من الحلفاء الأوروبيين عندما أبدى استعداداً أكبر لمواجهة إيران، وعندما يقترن ذلك بعدم رغبة الحلفاء في بذل المزيد من الجهد للضغط على إيران في القضايا غير النووية، فإن شرط شهادة الرئيس كل 90 يوماً حول التزام إيران بالاتفاق كان أمراً صعباً على ترامب اضطر للقيام به مرتين من قبل بشكل عبثي، ولهذا يريد التخلي عنه وتقديم سياسة ضغط جديدة لا على إيران بل على الموالين للاتفاق النووي والمعارضين له من أجل الاصطفاف إلى جانبه لتحدي إيران في المستقبل.


والحال أن السوشيال ميديا العربية تقدم عند كل حدث كبير نفس النمط من الجدال القائم على العصبية والتوتر الذي يتطور لاحقأً إلى مشاجرات إلكترونية، بدلاً من تقديم نقاش هادئ يناقش لب المسألة، وهي هنا الاستراتيجية الأميركية التصعيدية ضد إيران بعد سنوات من التهدئة مع طهران التي وسعت نفوذها الإقليمي إلى حده الأقصى. وربما تعكس هذه النقطة خاصية جوهرية في الشخصية العربية، ليس من منطلق الجهل بالأمور أو قلة القراءة وغيرها من الصفات النمطية، بل أيضاً سهولة انقياد المعلقين عموماً للنمطيات السردية "stereotypes" التي تنقل أي جدل إلى مستوى عقيم، وهو اتجاه لحشد الرأي العام غرائزياً تغذيه السلطات عبر تحكمها بوسائل الإعلام التقليدية ونشاطها عبر الجيوش الإلكترونية في مواقع التواصل، مع إشارة العديد من المعلقين إلى أنهم يعلقون على تسمية الخليج العربي/الفارسي بناء على نشرات إخبارية بثتها قنوات إخبارية كبرى مثل "ألعربية" على سبيل المثال.

يتقاطع ذلك مع حقيقة الشرخ القائم بين صانعي السياسات العربية والناس العاديين، فباستثناء هاشتاغ #السعودية_تؤيد_بيان_ترمب  الذي انتشر بشكل محدود لم تظهر أي نقاشات حول ردود الفعل الرسمية تجاه الخطاب، بعكس إيران التي كانت السوشيال ميديا الإيرانية تركز على تكرار الخطاب الرسمي إلى حد ما، حيث تصدر النقاش وسمان مستمدان من خطاب الرئيس الإيراني حسن روحاني الذي رد فيه على ترامب، الأول هو #NeverTrustUS (لا تثقوا بأميركا) والثاني #Irankeepspromise (إيران تحافظ على وعودها)، واللذين يكرران الخطاب الرسمي الإيراني بأن طهران ستلتزم ببنود الاتفاق مع الشركاء الأوروبيين من أجل عزل واشنطن التي لا يمكن الثقة بها في أي اتفاق دولي.


وتعطي السوشيال ميديا الإيرانية هنا لمحة على أن استراتيجية ترامب الهادفة للضغط على إيران قد تأتي بنتائج عكسية تماماً، لأنها قد تساهم في توحيد الصفوف الداخلية في إيران ضد "التهديدات الخارجية" في وقت تشهد فيه البلاد مستوى غير مسبوق من الاستقطاب بين الإصلاحيين والمتشددين حول عدة ملفات، وتجلت في سعي الرئيس الحالي حسن روحاني لتقليل نفوذ الحرس الثوري الإيرني  من الناحية الاقتصادية حيث كان حضور الحرس تحديداً عائقاً أمام انفتاح البلاد أمام الاستثمارات الأجنبية بسبب الخوف من تلقي عقوبات أميركية، وهو زاد بعد خطاب ترامب الذي أوصى فيها إلى وزارة الخرانة الأميركية بفرض عقوبات على الحرس الثوري والكيانات المرتبطة به بصفتها داعمة للإرهاب.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها