الخميس 2017/01/26

آخر تحديث: 16:25 (بيروت)

"نقشت": الترفيه لمَن؟.. فؤاد يمين وهشام حداد يجيبان

الخميس 2017/01/26
"نقشت": الترفيه لمَن؟.. فؤاد يمين وهشام حداد يجيبان
increase حجم الخط decrease
الجدل الذي أثاره برنامج "نقشت" ما زال آخذاً في التصاعد منذ بث حلقته الأولى، مطلقاً عبر مسارت متعددة آراء وتعبيرات متشعّبة تعكس مختلف "الثقافات" التي يتشكّل منها المجتمع اللبناني، ضمن معايير تصل حد التضارب بين الفئات التي تختلف في تقييمها لمضامين الترفيه وتحديد الفوارق بين معايير النقد الساخر البنّاء، وبين مَن يعتبر أن الحرية هي هدف أسمى تخولنا أن نقول ما نريد وننتقد من نشاء.

تفاقم الجدل هذا وصلت ذروته عند البعض لحدّ إقامة دعاوى قضائية وتوجيه شكاوى بحق البرنامج والقناة التي تبثّه، مطالبين المعنيين في السلطة باتخاذ إجراءات رادعة بحقهما، ضمن ما بدا أنه حملة رافقها تحرك من وزارة الإعلام بإحالة مضمون الشكاوى إلى المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع لاقتراح الإجراءات المناسبة التي يستند عليها قانون المرئي والمسموع في مادته السابعة التي تنص على "وجوب احترام الشخصية الانسانية وحرية الغير وحقوقهم والمحافظة على النظام ومقتضيات المصلحة العامة".

الضجة التي أثيرت حول برنامج "نقشت" عرّجت في طريقها على مجموع البرامج الترفيهية الأخرى ذات الطبيعة "الجريئة" والتي يحتوي مضمونها على إيحاءات يعتبرها البعض "مبتذلة"، والتي تحصد بمعظمها نسب مشاهدة عالية وتحظى بجماهيرية واسعة، نتيجة لعزوف الجمهور عن وطأة أخبار السياسة وأهلها بعض الأحيان واتجاههم نحو الكوميديا الممزوجة بالايحاءات، والتي باتت تشكّل جزءاً من الثقافة اللبنانية أثناء وبعد الحرب، ظهرت بدايتها في المسرح أيام وسيم طبارة وكريم أبو شقرا مروراً بمسرح "الشانسونيه" و"مسرح الساعة العاشرة" وصولاً لمسرح "الكوميدي شو" و"الكوميدي نايت" وبرامج شربل خليل التي أدخلها إلى التلفزيون اللبناني من خلال "اس ال شي" و"بس مات وطن" والتي كرّت سبحة البرامج التلفزيونية المشابهة من بعدها واحتوت حوارات تخطّت سقوف العروض التلفزيونية التي كانت السائدة بجرأتها وإيحاءاتها.

وفيما يعتبر منتقدو هذه البرامج أن الكوميديا والضحك يُفترض أن تتحدد مستلزماتها ومتوجباتها بترابط نظام الأخلاق والقيم بعيداً من "البذاءة" و"الابتذال" الذي يؤدي إلى تحلل القيم وإفساد سلوك المجتمع، والتي تصل إلى كيّ وتلطيخ الوعي لدى الجمهور، يعتبر آخرون أن مفهوم الكوميديا والترفيه قد تغيّر ومن المفترض أن يحاكي لغة العصر بحداثته وحريته وانفتاحه، وإن نوعية البرامج هذه ليست بالضرورة مرتبطة برسالة الإعلام، مدافعين عن فكرة أن يكون مقدمي البرامج الكوميدية والترفيهية ذوي خلفية فنية تُوائم شخصيتهم برامج النكات والنقد والكوميديا الساخرة. بالتالي لا يمكن افتكاك تقييم أدائهم ومحتوى برامجهم من دون أخذ هذا الأمر بالاعتبار، إذ إن هؤلاء الاشخاص سوف تنعكس بالضرورة خلفيتهم أثناء تقديمهم لبرامجهم التي تندرج ضمن إطار الـ"شو"، بعيداً من البرامج التي تنطبق عليها الشروط الإعلامية المهنية.

وفي حين كانت معظم البرامج وما تحتويه تمرّ مع مخففات تساعد على استساغتها في ذهن معظم المشاهدين، بدا أن "نقشت" في كل مفاصله كان عصياً على الهضم عند البعض ممن اعتبروه ثقيلاً وفظاً وغريباً على المجتمع اللبناني، ما جعل الصوت يعلو ضده وضد البرامج الأخرى ذات المحتوى المشابه، ضمن ما بدا أنه حملة ممنهجة لها دوافع ترتبط بطبيعته والجماهيرية والنجاح الذي حققه، توجسّاً من تبعاته التي تطبّع وتكرّس فكرة المواعدة على وجه الخصوص وتجعلها من البديهيات الجذابة، والتي تؤرق الكثيرين إذ يعتبرونها ضرباً لقيمٍ محافظة يتمسكون بها.

الحلّ الذي اقترحته "ال بي سي" للإشكالية التي أثارها البرنامج من خلال إطلاقها هاشتاغ "اذا زعجك غيّر"، لا يبدو بهذه البساطة لدى شريحة من اللبنانيين، إذ بات المشهد اليوم يعكس تقلّص المساحة الرمادية وانحسار الوسطيين، كنتاج للفوارق الدينية والاجتماعية المتداخلة المتعلقة بهوية الطوائف وعاداتها واختلافها وأسلوب تعاطيها مع كل ما هو غير مألوف بالنسبة لها. وهذا ما يدركه فؤاد يمين مقدم برنامج "نقشت"، إذ يوضح لـ"المدن" إدراكه أن هذا النوع من البرامج خارج عن الوتيرة المعتادة لما دأب اللبنانيون على مشاهدته في التلفزيون، معتبراً أن البرنامج غير موجّه للمجتمع اللبناني ككل، إنما هو يخاطب شريحة معينة تجد فيه ترفيهاً وتسلية كبيرين، وأن أحقيته بمخاطبة هذه الشريحة تنطلق من كون لبنان ذا هويات وثقافات متعددة، وهذا ما لا يمكن التغاضي عنه، ما يعكس وفقاً لقناعة يمين "عدم اللزوم لإيجاد قوانين ورقابة على مثل هذه البرامج".

وكان مقدم برنامج "لهون وبس" هشام حداد، قد علّق في حلقة هذا الأسبوع بأن برنامجه ينطلق من الأرضية عينها، قائلاً "من قال إني صاحب رسالة أو قضية، هدف البرنامج هو المزاح والتهكم، ويشاهده كل الناس، حتى العائلات والأولاد"، منتقداً في حديث لـ"المدن" حصر النظرة إلى البرامج بالتجاوزات الأخلاقية، ومعتبراً أن "الريموت كونترول" هو أداة في يد المشاهد تعطيه الخيار لمشاهدة أي برنامج يعجبه. أما في حال تم اتخاذ أي اجراءات بحق برنامجه أو برامج أخرى مماثلة فإن هذا الأمر، برأيه، ينذر بأمور خطرة قد تسمح لجهات دينية أو سياسية بأن تفرض أجندتها من خلال فرصة كهذه، تسمح لها بالمساهمة بفرض رقابتها على الاعلام تحت ذرائع الآداب والأخلاق.

الوزير ملحم الرياشي والذي بدا أنه يُمسك العصا من الوسط، من حيث إبراز تعاطيه الجدّي بالنسبة للشكاوى وطريقة تعامله مع الأمور المخلّة بعد النظر في طبيعتها ومكوناتها، لم يبد أي رغبة في الوقت ذاته بقمع أو حظر أي وسيلة إعلامية أو برنامج، وذلك في معرض كلامه خلال ترؤسه اليوم اجتماع المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع مع رؤساء مجالس إدارة التلفزيونات، لمناقشة الشكاوى الآتية على برامج "الترفيه واللهو" وتحديداً برنامج "نقشت"، حيث قال: "في حال رفع المجلس الوطني للاعلام لي رأياً بالاقفال فسأحوله الى تنبيه، واذا رفع لي رأياً بالتنبيه فسأحوله الى فنجان قهوة. لم آت الى هنا لكي اقمع الاعلام ولا حتى لافكر باقامة حضور سلطوي على وسائل الاعلام والحريات، هذا الامر ليس وارداً، لا في الشكل ولا في المضمون ولا يشبهني ولا يشبهكم...وسنعالج الشكاوى على بعض البرامج مع أصحاب العلاقة مباشرة، وأي برنامج يسيء الى الرأي العام والاخلاق والآداب العامة، ولو كان مسجلا، فيمكن اعادة "منتجته" بما يتناسب مع المشاهد وذوقه".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها