السبت 2017/01/21

آخر تحديث: 12:28 (بيروت)

المخفيّ في التفاهة التلفزيونية اللبنانية

السبت 2017/01/21
المخفيّ في التفاهة التلفزيونية اللبنانية
increase حجم الخط decrease
تبرأ الاعلامي طوني خليفة أيضاً من حروب الإعلاميين. موجة الانكفاء، تمتد من عادل كرم في "أم تي في" الى "الجديد". فالأزمة باتت أكبر من قدرة أي محطة على استيعابها، على ضوء "الاسفاف والابتذال والتراجع والتقهقر"، بحسب ما قالت الاعلامية سعاد قاروط العشي خلال حلقة أعدها خليفة ضمن برنامجه "العين بالعين"، تحت عنوان "كرمال الراينتنغ"، لجَلد السلوك الإعلامي الحالي، واعداد جبهة ضده. 
الخطوة التي مضى بها خليفة، تستحق التقدير. لم يتحدث، في مقدمته، عن الآخرين. شمل نفسه. وأكد أن الاعلاميين يتحملون المسؤولية، كما "أجندات المحطات".. وأضاء على فكرة أساسية بأن المشاهد يتحمل أيضاً جزءاً من المسؤولية لتشجيعه الابتذال، كونه يحقق أرقام مشاهدة عالية لتلك البرامج. 

الاعتراف هنا بالمسؤولية، سبيل لتحسين الصورة الاعلامية.. وسينسحب جَلد الذات على آخرين، بهدف التوصل الى هدنة، كردٍّ على الموجة السابقة بتعميم الابتذال والحروب العبثية.

لكن المؤكد أنها لن تكون أكثر من هدنة مؤقتة، قد تنهار في المواسم التالية، طالما أن المشكلة الاساسية ما زالت قائمة، وهي "الكعكة الاعلانية" المحدودة، التي يمكن أن تكبر بصندوق "جمعية المصارف" الذي تعمل عليه الحكومة منذ عهد وزير الإعلام السابق رمزي جريج.

المشكلة الاساسية التي لم تتناولها مناقشات الحلقة، أن الشاشات اللبنانية انكفأت، تحت ضغط الأزمة المالية، الى المستوى المحليّ. برامجها، لا تخاطب المشاهد العربي. تلك حقيقة لم يضئ عليها أحد حتى الآن. نشرة الأخبار، تُستهل بقضية محلية، أفقدت النشرات اللبنانية ريادتها العربية، فانحسرت قدرتها على الجذب أمام القنوات الإخبارية العربية المفتوحة على أزمات عربية ودولية. خصوصاً أن الموضوع اللبناني، وعلى عكس مرحلة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وما تلاها من اغتيالات وتفجيرات وانقسامات لبنانية هي مرآة الصراعات الاقليمية والدولية، صار شديد المحلية (ومضجراً مكرراً أيضاً)، وما عاد يهم المشاهد العربي إلا في ما ندر. أما البرامج الترفيهية، التي كانت بوابة لبنان الى المشاهد الخليجي، وهي البرامج المكلفة مادياً لناحية الانتاج، مثل المنافسات الغنائية وغيرها، فقد هاجرت الى قنوات مصرية أو خليجية. 

وبعد... البرامج الساخرة، القادرة على حشد مشاهدين، غرقت في المحلية أكثر، فلم تقارب، على سبيل المثال لا الحصر، البرامج العربية الساخرة التي قدمت في موسم رمضان الماضي على قنوات خليجية، والني طرقت أزمات عربية عامة مثل الإرهاب والانقسام المذهبي، ومنها برنامج "سيلفي 2" الذي قدمه ناصر القصبي. وقد كان لبرنامج "بسمات وطن" تجربة ناجحة في هذا المجال، حين أعدّ اسكتش عن "داعش"، حقق نجاحا كبيراً في "يوتيوب". 

على النقيض، ازداد تقوقع القنوات اللبنانية، بعد استسلامها أمام الامتداد الواسع للقنوات الخليجية والمصرية التي تتمتع بتمويل كبير. فانشغلت القنوات المحلية ببعضها، على أمل حيازة أرقام مشاهدة مرتفعة. وبدلاً من الذهاب الى القضايا الانسانية، على غرار مالك مكتبي في حلقة رأس السنة الماضية، أو برامج قادرة على إفادة المشاهد معرفياً أو ثقافياً، توجهت الى التفاهة والاثارة العبثية، فغرقت في مستنقع الإسفاف الذي بدأت المحاولات للنفاذ منه. 

ربما كانت حلقة طوني خليفة، مساء الخميس، باكورة مراجعة الذاتية. وهو أمر عظيم، لكن المهم أن تستمر تلك القناعة، وتتمدد، في انتظار البحث عن النوعية، كي لا يُجلَد المُشاهد مرتين: أولاً لتطبيع متابعته لتلك البرامج بوصفها خياراً مسلياً، وثانياً للَومِه على تشجيعها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها