الإثنين 2017/01/16

آخر تحديث: 18:37 (بيروت)

"الإخبارية السورية"-تقييم ذاتي: مشكلتنا أننا لا نمارس التضليل باحترافية

الإثنين 2017/01/16
"الإخبارية السورية"-تقييم ذاتي: مشكلتنا أننا لا نمارس التضليل باحترافية
رفعت "الإخبارية" شعارات حول الحقيقة من مقرها المدمر في دروشا
increase حجم الخط decrease
لم تخرج قناة "الإخبارية" الرسمية في توصيفها للإعلام السوري عن لغة النظام الكلاسيكية كثيراً، فوصفها للإعلام عموماً بأنه مجرد أداة للتضليل، وعقدها مقارنات مضحكة بين الإعلام السوري ونظيره الأميركي، ففي ذلك ما يعبّر عن العقلية المتخشبة التي ينطلق منها النظام في رؤيته للمجتمع والسلطة في البلاد، والتي تنبع من مدارس فكرية شمولية وقمعية بالدرجة الأولى، يكون فيها الإعلام إما بوقاً للسلطة أو مجرد أداة لتحقيق أجندات ومؤامرات خارجية.


الحديث جاء خلال استضافة القناة لوزير الإعلام السابق مهدي دخل الله، والمتخصص في علم النفس الإعلامي مجدي الفارس، للحديث عن تقييم تجربة "الإخبارية" بعد سنوات من البث و"المقاومة" و"النهوض مثل طائر الفينيق" بعد التفجير الذي استهدف مبناها العام 2012، وهو نوع من الجردة السنوية التي تقوم بها القناة لتقييم أدائها، والإعلام السوري الموالي للنظام عامة.

وطوال يوم الأحد توجهت كاميرات "الإخبارية" وكامل كادرها إلى مقر القناة القديم في منطقة دروشا بريف دمشق الجنوبي، والذي تعرّض للتفجير في 27حزيران2012، حيث ذرفت الدموع وأشعلت الشموع ونثرت الزهور من أجل الحديث عن استمرارية القناة والنصر الذي حققته على قوى الشر والظلام وماكينات الدعاية المغرضة وغيرها من المصطلحات التي يكررها الإعلام السوري منذ العام 2011، مع التركيز على فكرة مزعومة بمصداقية القناة كناقل وحيد للحقيقة على الأرض السورية عبر شعارها المعروف "عين على الواقع".

والحال أن التوجه إلى دروشا بعد كل هذه السنوات على التفجير، لم يكن نوعاً من النوستالجيا أو الحنين للماضي والعواطف والذكريات، كما كان يقول فريق "الإخبارية" في المقابلات الصحافية، بل كان له هدف آخر هو إظهار النصر الإعلامي الذي حققته القناة، وفق منطق أصحابها، بموازاة النصر العسكري لقوات النظام في عدة مناطق، حيث استذكر الجيش والعسكر وأنواع الأسلحة بشكل مبالغ فيه، وكانت استعادة الذكريات الشخصية في المكان المدمر نتيجة "لتضحيات جيش الوطن" الذي فرض تسوية مع المعارضين هناك منذ أشهر، قبل الحديث عن عسكرة الإعلام ضمن الإعلام الحربي وثنائية الجيش والإعلام ضد قوى الشر، وكلها عبارات كانت رائجة خلال البث.

وهنا يقول فريق "الإخبارية" أن القناة هوجمت وتهاجم من الإرهابيين بسبب رأيها السياسي، ويتم تعميم هذا القول كذريعة مسبقة عند أي محاولة لنقد القناة التي ترفض اتهامها بالفشل أو خرق بديهيات العمل الإعلامي القائمة على فصل الخبر عن الرأي، على اعتبار أن القناة وشقيقاتها الرسميات، ينطلقن من رأي محدد تتم صياغة الأنباء والمعلومات وفقه لغايات محددة سلفاً، وهو الأسلوب القديم المتبع في حقبة الحرب الباردة التي نشأ إعلام البعث فيها ولم يتجاوزها بعد!

كل ذلك تغير بعد يوم كامل من البث الخارجي والعودة للاستوديوهات في دمشق، وبدا لوهلة أن القناة لا تدري فجأة هويتها أو ماهيتها وما الذي يجب عليها أن تفعله، هل يجب عليها نقل الحقيقة وكشف زيف الإعلام المعادي كما كانت تقول في شعاراتها من دروشا، أم عليها ممارسة التضليل حسب الفلسفة الفذة التي قدمها الحوار المسائي مع دخل الله والفارس، والتي رأت أن الغاية الأساسية من الإعلام هي بناء التضليل الناجح باحترافية! فيما وصف الإعلام السوري بأنه "فاشل" وعتيق الطراز لأنه لا يستطيع صناعة التضليل الإعلامي باحترافية كما يفعل "إعلام القوى الرجعية العربية" أو الإعلام الغربي وتحديداً الأميركي.


وفق هذا المنطق، يكشف إعلام النظام عن الفوقية القبيحة في نظرته للجمهور الذي يوصف بأنه قطيع وجاهل وأحمق ومتسرع وبأنه يحتاج للوعي، هذا الوعي يجب أن ينقل له عبر "الإعلام الوطني" قبل أن يحصل عليه من "الإعلام المغرض"، وأن السرعة هي الفاصل في هذه المسألة، وكل هذه الأفكار مستمدة من نظريات إعلامية شمولية وسلطوية لا تمت بصلة للإعلام الحر في الدول الديموقراطية.

وعليه، لن ترى القناة وضيوفها بالطبع مشاكل الإعلام السوري الحقيقية التي يعاني منها لعقود، مثل اللغة الخشبية والتوجيه المسبق وتحوله إلى إعلام يحاكي نفسه ويجتر خطابه لعدم وجود جمهور يتابعه أصلاً، إضافة للطبيعة المافياوية التي تسيطر عليه من الداخل والتي جعلته يحافظ على نوعية سيئة من الخطاب الرديء دون مواكبة الزمن أو محاولة كسر الجمود، حيث تحل العلاقات الشخصية مكان الكفاءات المهنية في تحصيل الوظائف والحفاظ عليها، فضلاً عن مشاكل التأخير في نشر المعلومات والتعتيم الإعلامي والشخصانية التي يتم بها التحرير والتوصيف، واستغباء الجمهور ومعاملته كمتلق يجب عليه تقبل ما يملى عليه كـ "واجب وطني".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها