الخميس 2017/01/12

آخر تحديث: 18:41 (بيروت)

عمرو سليم: الكاريكاتير منزوعاً من صفته

الخميس 2017/01/12
عمرو سليم: الكاريكاتير منزوعاً من صفته
بتهتكه من عاهة البرادعي الجسدية، لم يخالف سيرته المهنية
increase حجم الخط decrease
  
لم يتجاوز رسام الكاريكاتير في قطعته التي سخر فيها من إعاقة البرادعي.. بل إنه لم يفعل شيئاً مخالفاً لمسيرته المهنية خاصة في السنوات الثلاثة الأخيرة. كل ما في الأمر أنه يستمر في استخدام خطوطه وألوانه لخدمة "السطر" الذي يكتبه أعلى الكاريكاتير، موصلاً رسالة سياسية مباشرة، لا تمت للكاريكاتير بصلة، اللهم إلا محاولة رسم شخصيات كارتونية.

إذا جاز نقد ما يقدمه عمرو سليم "أخلاقياً"، فهو لا يخرج عن إطار إعلامي عام مصري وصل إلى مستويات من التردي، وبلغت حدّ إعلان العلاقة بالأجهزة الأمنية بفخر المخبرين، ثم إذاعة تسجيلات خاصة باعتبارها سبقاً إعلامياً وصحافياً، فلا غرابة فيما يقدمه عمرو من أفكار في سياق عام، ربما يكون هو أخف وطأة من غيره، على اعتبار أنه يعبر عن رأيه الخاص.

ما يهم فعلاً، هو نقد ما يقدمه فنياً، باعتبار أن الكاريكاتير واحد من الفنون شديدة الخصوصية في قدرتها على تكثيف معلومات أو آراء أو أخبار في لوحة، فيها من الطرافة والذكاء ما يجعل انتشارها أوسع من النص المكتوب، وأكثر قرة على النفاذ. الكاريكاتير مركزه الرسم لا العبارة الملحقة بها، و"التحريف" عبر التهويل والمبالغة في الأحجام الطبيعية للشخصيات والوقائع يأتي بغرض معنى غير محرف. 

غير أن عمرو سليم لا يقدم كاريكاتيراً بقدر ما يكتب "عبارة" لا تحمل حتى المفارقة أو السخرية أو النكتة كما هو متعارف عليه في الكاريكاتير المصري المعتمد على النكتة. مجرد جملة تقريرية خالية من أي نفس ساخر أو طريف، غالباً ما تكون تعليقاً على خبر آني. ثم تأتي خطوط الرسم لتخدم هذه الجملة، لا لتخدم الكاريكاتير، بل لتكون شارحة لها، أو تجسيداً لمعناها عبر الرسم. في كل الأحوال، هل يمكن اعتبار ما يقدمه عمرو سليم كاريكاتير؟ على الأرجع لا ينتمي إليه.

تنتشر رسومات عمرو سليم في مواقع التواصل كثيراً، بغرض الهجوم عليها، والسخرية من سذاجتها وفجاجة معناها، وسخافة رسومها الخالية من أي مجهود فني يذكر. لكن الرسمة التي سخر فيها من تهتهة البرادعي، أثارت غضباً كبيراً هذه المرة، ربما لأنها أتت تزامناً مع كلمة النجمة الهوليوودية ميريل ستريب في حفل الغولدن غلوب، وأتت على ذكر سخرية الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب من مراسل معوق وهاجمته بضراوة.

قارن المعلقون بين الموقفين، موقف فنانة رفضت هذا الموقف الشائن –بعيدا عن اعتبارات وتعقيدات سياسية أميركية تتعلق بموقف الفنانين من ترامب- وبين فنان هو الذي صدر منه هذا المنتج المعيب.

ربما لم يكن ليلتفت أحد إلى كاريكاتير سليم السخيف إذا كان يهاجم البرادعي أو موقفه السياسي، أو حتى يتبنى الموقف الرسمي للدولة الذي يتهمه بالعمالة والخيانة وما إلى ذلك من نعوت اعتادها الجميع في السنوات الأخيرة. لكنه ترك كل ذلك، وركز مجهوداته على ذكر إعاقته، واضعاً نفسه في موقف أخلاقي أدنى شأناً من أكثر المخلصين للدولة والتابعين لها.

عمرو سليم عُرف لقطاع كبير من الشباب بسبب تجربة لافتة قدمها في جريدة الدستور وقت إصدارها الثاني مع بلال فضل تحمل اسم "قلمين" في 2004. كانت رسومات عمرو سليم تخدم نصوص بلال فضل اللاذعة والحادة. هي تجربة لاقت انتشاراً وقبولاً جماهيرياً كبيراً وقتها، ورغم أن سليم يمارس الرسم قبل هذه التجربة بعقود، إلا أن ذيوع اسمه لم يأت إلا بهذه التجربة. 

وبدا بعد انفصال الثنائي أن سليم تائه في خلق "إفيهات" لتخدم خطوطه، كما كان يفعل نص بلال، وما زال مستمراً في تيهه الفني حتى هذه اللحظة. وليس أدل على ذلك من محاولة البحث عن اسم عمرو سليم على مؤشر البحث "غوغل" لتظهر صفحة ويكيبيديا معلومات قليلة عن سليم مع صورة بلال فضل.

ربما هو خطأ تقني، وربما هي مساهمة من أحد المشاركين في الكتابة على "ويكيبيديا"، لكنها في كل الأحوال تؤدي إلى نتيجة واحدة: عمرو سليم الذي يعرفه الجميع هو المصاحب لنص بلال فضل، أما ذلك الذي يرسم كاريكاتير المصري اليوم، فهو شخص آخر، دولتي، ناصري، متواضع فنياً.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها