الخميس 2017/01/12

آخر تحديث: 18:47 (بيروت)

ترامب يرفع صوته.. وجبهة الاعلام تتفكك

الخميس 2017/01/12
ترامب يرفع صوته.. وجبهة الاعلام تتفكك
increase حجم الخط decrease
بعلاقته العدائية مع الصحافيين ووسائل الإعلام، بدا الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، في مؤتمره الصحافي الأول منذ 167 يوماً، وكأنه رئيس لواحد من الأنظمة العسكرية التوليتارية الدكتاتورية، وليس رئيساً لأكبر الدول الديموقراطية الغربية. فهجومه العلني والحاد على الصحافة المعارضة له طوال المؤتمر، يناقض اعراف الديموقراطية في واشنطن، كونه يمسّ بمهنية ومصداقية معارضيه وتشويه سمعة وسائل الإعلام، في محاولة لوضع حدود على الصحافيين وتقويض مقدرتهم على لعب دورهم الجوهري في محاسبة المسؤولين الحكوميين.

المؤتمر الذي عقده ترامب في برجه في مانهاتن بمدينة نيويورك الأربعاء، بدأ بلعب ترامب دور المحلل الإعلامي أو الأستاذ الجامعي، وكانت كلماته الأولى متمحورة حول فرز وسائل الإعلام بين جيدة ومحترمة وأخرى سيئة وشريرة من وجهة نظره، فيما وصفته وسائل إعلام أميركية ومغردون أميركيون في "تويتر" بأن تصريحاته بداية لصناعة لائحة سوداء من وسائل إعلام ينوي ترامب "محاسبتها وملاحقتها"، مثل موقع "باز فيد" الشهير وقناة "سي إن إن"، اللذين كانا أبرز من نشر في اليومين الماضيين معلومات حول وثائق سرية مسربة تفيد بوجود علاقات مشبوهة لترامب مع روسيا التي تمتلك أفلاماً جنسية وفضائحية تبتز بها الرئيس المنتخب.

الحديث عن عداء ترامب للإعلام قديم منذ بداية حملته الانتخابية التي شهدت كثيراً من الأحداث الدرامية مع اصطفاف كبرى وسائل الإعلام إلى جانب المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون، وهدد ترامب صحيفة "نيويورك تايمز" مثلاً بالتوجه إلى القضاء بعد نشرها تحقيقاً صحافياً اتهمت فيه مجموعة نساء ترامب بالتحرش والاغتصاب، كما اتسمت علاقته مع "واشنطن بوست" و"سي إن إن" وقناة "إن بي سي" وغيرها بالتوتر والعداء. وبقي ترامب حتى اليوم يتهمها بالتحيز الذي عاد وأشار اليه خلال المؤتمر عدة مرات. الخطورة تكمن اليوم في أنها تأتي من رئيس البلاد وليس من مجرد مرشح "غريب الأطوار" للرئاسة.

وخلال المؤتمر، رفض ترامب تلقي أسئلة من مراسل "سي إن إن" جيم أكوستا، مطالباً إياه بالتزام الأدب والصمت واصفاً "سي إن إن" بأنها قناة مريعة تبث "الأخبار الكاذبة"، وهو المصطلح الذي استخدمه ترامب وفريقه الرئاسي ومناصروه على نطاق واسع منذ انتشار الأنباء عن مستند سري كتبه عميل الاستخبارات البريطانية الأسبق كريستوفر ستيل بعد تقاعده العام 2009 وافتتاحه وكالة استخبارات خاصة، حول علاقة ترامب بالكرملين، والذي نفته روسيا بدورها أيضاً.

وبدلاً من أن يتضامن الإعلاميون والمراسلون الصحافيون مع الإهانة التي تعرض لها أكوستا، على اعتبارها قمعاً لحرية الصحافة والتعبير ومسألة سوف تتكرر مستقبلاً مع كل من ينشر معلومة أو رأياً معارضاً لترامب وإدارته، انقلبت وسائل الإعلام على بعضها البعض في حرب مفتوحة نسيت معها أنها يجب أن تقف في صف واحد ضد السلطة، وكان هناك لوم كبير وجهته وسائل إعلام مثل "نيويورك تايمز" لـ "باز فيد" على نشره معلومات غير مؤكدة، حتى أن "سي إن إن" نفسها قالت بعد المؤتمر الصحافي أن "باز فيد" أوقع الإعلام الأميركي ككل في ورطة بسبب ما نشره.

وأوضح أكوستا في تصريحات صحافية لاحقة أن مسؤولين في فريق ترامب هددوه بالطرد من المؤتمرات اللاحقة إن كرر سلوكه، أي إلحاحه ورفع صوته بالاحتجاج خلال المؤتمر، وهو تصرف قام به ترامب عدة مرات في السابق، مثل طرده مذيع قناة "يونيفيجن" جورج راموس في آب/أغسطس 2015 بعد احتجاجه على وصف ترامب المهاجرين المكسيكيين بالمغتصبين.




والحال أن "باز فيد" نشر المستند المكون من 35 صفحة والذي يحتوى على مزاعم بوجود علاقة طويلة الأمد بين ترامب وروسيا، بعد ساعات من نشر "سي إن إن" معلومات عن صفحتين من المستند بناء على تسريبات من الاستخبارات الأميركية نفسها، لكن كلا الوسيلتين أشارتا أكثر من مرة وبوضوح إلى أن المعلومات الواردة في المستند قد تكون غير دقيقة ولا يمكن التحقق منها، وأن تحقيقاً استخباراتياً أميركياً يدور منذ شهور للتأكد من صحتها.

وهذه ليست المرة الأولى التي تظهر فيها نفس المعلومات إلى العلن، بل تحدث عنها الصحافي دافيد كورن في مقال له بموقع "موذر جونز" بتاريخ 31 تشرين الأول/أكتوبر، حينها كان هذا المستند أشبه بأسطورة يحاول أي صحافي اقتناصها لصناعة سبق صحافي ضخم.

من جهتها تساءلت خبيرة أخلاقيات الإعلام كيلي ماكبرايد في مقال لها حول مشروعية القرار الذي اتخذه محررو "باز فيد" بنشر معلومات غير مؤكدة، واصفة التسريب بأنه في مستوى مواقع مثل "ويكيليكس" وليس بمستوى الإعلام الجاد والرصين، مضيفة أنه رغم محاولة "باز فيد" الإيضاح بأن المستند مشكوك بصحته، إلا أنه خلا من أي جهد للتأكد من المعلومات، وبرر الموقع نشره المستند بحق العامة في رؤية مستند يتداوله السياسيون منذ شهور بشكل سري حتى لو كانت المعلومات فيه غير مؤكدة بعد. 

الجدل نفسه كان حاضراً في وسائل الإعلام المرموقة، فصحيفة "نيويورك تايمز" تحدثت عن المستند من دون نشره، لافتة الى أنها اتخذت قراراً مهنياً بذلك، أما مدونة "لوفاير" المعروفة فقالت أنها امتلكت المستند مسبقاً ورفضت نشره قبل التأكد منه.

وشرح رئيس تحرير "باز فيد" قراره في مذكرة لغرفة أخبار الموقع نشرها لاحقاً عبر حسابه في "تويتر" مؤكداً أن إدارة التحرير وقفت مع جهود مراسليها الذين تمكنوا من الحصول على المستند إضافة لحق الأميركيين في المعرفة والاطلاع على ما يدور في كواليس السياسة في واشنطن، مع الإشارة أن الموقع أشار بوضوح إلى كامل النقاط التي لا يمكن التأكد منها وأن الموقع نفسه يشكك في مصداقية المستند، وأن قرار النشر لم يكن سهلاً وأنه يظهر كيف ستكون طبيعة العمل الصحافي في العام 2017 مع بداية حقبة ترامب.

ولا تنتهي القضية عند علاقة ترامب بالإعلام فقط، بل تتعداها إلى أزمة حقيقية بين ترامب وأجهزة الاستخبارات الأميركية المختلفة والمسؤولة عن تسريب المستند المزعوم إلى عدة شخصيات ديموقراطية وجمهورية معارضة لترامب، ما وصفه ترامب في تغريدة له بأنه "فعل من أفعال المخابرات النازية"، متوعداً بأنه سوف يقوم بعملية تغيير شاملة في أجهزة الأمن والاستخبارات بمجرد توليه الرئاسة رسمياً في 20 الشهر الجاري.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها