الأربعاء 2017/01/11

آخر تحديث: 18:25 (بيروت)

رفسنجاني في الإعلام الإيراني: وجود الضرورة

الأربعاء 2017/01/11
رفسنجاني في الإعلام الإيراني: وجود الضرورة
increase حجم الخط decrease
لم يكن علي أكبر هاشمي رفسنجاني، مضطراً لامتلاك وسائل إعلام خاصة به كي يكون حاضراً عبر الإعلام طوال سنوات نشاطه السياسي في البلاد، وخصوصاً في مرحلة عزله سياسياً خلال حقبة الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد. فوجوده كان متجذراً في وسائل الإعلام بشكل طبيعي، كسياسي ورجل أعمال، تعتبر وسائل الإعلام الإيرانية التقرب منه جزءاً من قضيتها ومشروعها الإصلاحي والمرتبط في جانب منه بتكريس الحريات.


وولادة الإعلام الإيراني بوجهه المتنوع، منتصف تسعينيات القرن الماضي، ترتبط حصراً بفكر رفسنجاني أو هويته التي عكست رغبة في الإصلاح ونشر مزيد من الحريات وتحقيق نهضة اقتصادية ما في البلاد بعد خسائر حرب الخليج الأولى.

بناء عليه اندفع كثير من الصحف المحلية (آرمان، ابتكار دايلي،..) خلال اليومين الماضيين لمقارنة تجربة رفسنجاني مع تجربة ميرزا محمد تقي خان فراهاني (1807-1852)، رئيس وزراء الحكومة الإيرانية في بداية عهد الملك ناصر الدين القاجاري، والمشهور بلقب "الأمير الكبير" والذي يعتبر المصلح الإيراني الأول ومؤسس أول صحيفة إيرانية في البلاد وأول أكاديمية فنية أيضاً.

غير أن هذه المقاربة لا تعني أن رفسنجاني كان بعيداً من الاستثمار في وسائل الإعلام بالنظر لكونه شخصية اقتصادية في المقام الأول، ويتحدر من طبقة "بازار" أو الطبقة الوسطى التي جذبها لتأييد الثورة الإسلامية في العام 1979، وبقيت تدين له بالولاء. وتتحدث تقارير غربية عن أن رفسنجاني، إضافة إلى استثماراته الأساسية في قطاع الجامعات الخاصة، كانت له استثمارات موازية في الإعلام، مع أن ارتباطه بتلك المؤسسات لم يكن مباشراً وإنما عن طريق مقربين سواء من عائلته أو محيطين به.

وبحسب تقارير بريطانية العام 2007، لا يمكن القول بأن رفسنجاني كان يمتلك صحفاً بحد ذاتها، بل كانت الصحف نفسها مقربة منه. فصحيفة "أرمان" مثلاً يعتبرها كثيرون ناطقة باسم عائلة رفسنجاني، وهي الصحيفة التي يترأس تحريرها حسين عبدالله، المستشار الإعلامي الشخصي لرفسنجاني، وكذلك صحيفتا "كارغوزاران" و"اطلاعات" وموقع "أفتاب نيوز" التابع لمركز دراسات مجلس تشخيص مصلحة النظام الذي يترأسه رفسنجاني.

وما كانت تلك المنصات لتؤمن لرفسنجاني وجوده السياسي في البلاد في حقبة ما بعد رحيل الخميني. فهو منذ لحظة صعوده من رئيس للبرلمان إلى رئيس للجمهورية ثم إلى موقعه كشخصية إصلاحية، "كان هو الإعلام والخبر الأول"، كما يقول الباحث الخبير في الشأن الإيراني مصطفى فحص لـ"المدن"، مضيفاً: "منذ انتصار الثورة كان رفسنجاني الرجل الثاني بعد آية الله الخميني، وبوفاة الخميني، تحول إلى الرجل الأول في وسائل الإعلام الرسمية".

ويشير فحص إلى أن وصول رفسنجاني إلى الرئاسة ساهم في بلورة النظام وظهور التيارات الإصلاحية التغييرية التي أثمرت في ما بعد وصول الرئيس الأسبق محمد خاتمي إلى الرئاسة. موضحاً أنه في عهد رفسنجاني، بدأت تتكاثر الصحف ووسائل الإعلام، ما خلق بيئة إعلامية مختلفة عن الإعلام الرسمي، وتعزز هامش الحريات والإعلام، لافتاً أن وسائل الإعلام تلك كانت تعتبر التقرب من رفسنجاني جزءاً من قضيتها وتمنحها حيوية، وبينها جريدة "ألفتح" وغيرها، والتي أقفلت في زمن خاتمي.

في مرحلة خاتمي، كانت وسائل الإعلام تلك، تمثل صعود التيار الإصلاحي، وهو ما دفع الحرس الثوري الإيراني للبدء بإجراءات إقفال بعض الصحف "وخصوصاً تلك التي كانت تمتلك قدرة أكبر على الحركة وكان يعتبرها رفسنجاني جزءاً من مشروعه الإصلاحي، بالنظر إلى أنه كان يلعب على تناقضات النظام".

على أن الإجراءات القاسية بحق وسائل الإعلام برزت في زمن نجاد، وهي مرحلة هجوم العسكريتاريا التي رأت أن وجودها يتعزز بوضع اليد على الإعلام وتجيير أخرى لمهاجمة رفسنجاني. لكن في هذه المرحلة لم تتخلّ وسائل الإعلام بأكملها عن رفسنجاني، ولم تشارك جميعها في الحرب ضده.

يقول فحص: "كانت وسائل الإعلام تتعاطى معه بحسب ميولها، ورغم إغلاق أكبر عدد ممكن من المنصات المرئية والمكتوبة وملاحقة الإلكترونية، بقي لرفسنجاني موقع حقيقي في الإعلام وحتى الرسمي منه، بالنظر إلى أن شخصيات سياسية كثيرة، بينها شخصيات محافظة أقل تشدداً، كانت تعتبره صمام أمان".

وعلى الرغم من تفاوت الرؤى السياسية تجاه رفسنجاني، إلا أنه ظل جزءاً لا يتجزأ من النظام بالنظر إلى أنه "ابن النظام" و"الرجل الأقوى بعد خامنئي حتى لحظة رحيله". ومع ذلك، لم يستطع إعادة إصدار صحيفة "زان" التي كانت تديرها ابنته، فائزة، والصحيفة أغلقت العام 2009 نظراً لمطالبتها بإصلاحات وحريات أكبر تخص المرأة الإيرانية.

الإثبات على ذلك يتمثل في تغطية وسائل الإعلام الإيرانية، بمختلف تنوعاتها، لخبر رحيل رفسنجاني. فصحيفة "إيران" الناطقة باسم الحكومة الإيرانية، وضعت صورة كبيرة لرفسنجاني وهو يلوح بيديه الاثنتين لحشد من أنصاره مع عبارة "إيران في فاجعة". فيما كتب وزير الثقافة الإيراني، رضا صالحي، واصفاً وفاة رفسنجاني بـ"خسارة غير قابلة للتعويض".

الصحف المؤيدة للتيار الإصلاحي بالغت في إظهار عواطفها على الصفحة الأولى. صحيفة "شارغ دايلي" مثلاً وضعت صورة كبيرة لرفسنجاني مع خلفية سوداء وعنونت "وداعاً يا رجل تشخيص مصلحة النظام". أما صحيفة "أعتماد" فخصصت بدورها الصفحة الأولى لصورة رفسنجاني مبتسماً واصفة إياه بـ"رفيق روح الله" أي الخميني، الذي خصصت الصحيفة العنوان الفرعي لاقتباس منه عن "صديقه الراحل".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها