الثلاثاء 2016/09/27

آخر تحديث: 19:41 (بيروت)

من نيكسون-كينيدي إلى كلينتون-ترامب.. هكذا تطوّرت المناظرات الرئاسية

الثلاثاء 2016/09/27
من نيكسون-كينيدي إلى كلينتون-ترامب.. هكذا تطوّرت المناظرات الرئاسية
increase حجم الخط decrease
المناظرة الرئاسية الاولى بين المرشحين، هيلاري كلينتون ومنافسها دونالد ترامب، بدت أشبه بجسّ نبض للناخب الأميركي أكثر منها محطة حاسمة ترسم صورة المسار الذي ستؤول إليه المنافسة بين الطرفين في المرحلة المقبلة، والتي عادة ما يكون لها التأثير الأقوى بوصول أحد المرشحين إلى الرئاسة. فيما الأنظار اتجهت عقب انتهاء المناظرة الأولى لمواقع التواصل التي من المنتظر أن تثبت قدرتها في التأثير أيضاً في قرارات الناخبين وقياس توجهاتهم وفهم كيفية رؤيتهم وتقييمهم لأداء المرشحين وما طرحاه في ظهورهما خلال المواجهة التلفزيونية.

وتفرّد مواقع التواصل، للمرة الأولى في تاريخ المناظرات الرئاسية، بدور خاص في مناظرات 2016، تمثّل في تعاون موقع "فايسبوك" مع شبكة "إي بي سي نيوز" الأميركية لتأمين نقلٍ مباشر للمناظرة، على غرار ما بادر إليه "تويتر" باتفاقه مع شبكة "بلومبرغ" للهدف عينه، حيث استطاع ملايين المستخدمين مشاهدة وقائع المناظرة التلفزيونية، التي قدمها وأدارها الإعلامي الأميركي ليستر هولت، مع إمكانية التعليق الفوري على إجابات المرشحين وآرائهم، ضمن هاشتاغ # Debates2016، الذي خُصص لكافة المناظرات الرئاسية التي ستعقد العام الجاري. ووفقاً لمتحدث باسم "تويتر" فإنّ المناظرة بين كلينتون وترامب حصدت أعلى نسبة تغريدات على الإطلاق، كما في "فايسبوك"، الذي صرّح متحدث باسمه أن الموقع ضجّ في الساعات الأخيرة بالحدث الأميركي، في حين أشارت الأرقام إلى أن ترامب باعتباره شخصية إشكالية، شكّل موضوع النقاش الأبرز، مسجلاً 79% في "فايسبوك" و62% في "تويتر".

وخلال 90 دقيقة، هي مدّة المناظرة التي غلب عليها الهدوء والأسلوب الديبلوماسي، بدت كلينتون أكثر ثقة وتماسكاً من ترامب الذي لم يصعب رصد محاولته الإيحاء بامتلاكه الثقة والقوة وبأنه صاحب شخصية حازمة وحاسمة، فيما لغة جسده لم تسعفه، خصوصاً حركات يديه التي نمّت عن شخصية موتورة، بعكس كلينتون التي أبرزت المناظرة أنها كانت أكثر منهجية ودقّة ومعرفة وخبرة في ما تكلمت عنه، حيث وقفت مبتسمة معظم الوقت متسلحة بالثقافة الواسعة والكفاءة والبلاغة الخطابية والتعبيرية، خلافاً لمنافسها الذي طرح عناوين وأفكاراً بلا أفق واضح لإمكانية وكيفية تطبيقها، فيما بدا هو نفسه غير واثق منها. وهذا ما بدا أن كلينتون تعمدّت التركيز عليه، بمحاولتها تسليط الضوء على هفواته، لإظهاره كرجل لا يتحكم في أعصابه، وذلك بقولها "من تحركه كلمة في تويتر، لا يمكن أن نثق فيه وأن نعطيه شيفرة القنبلة النووية الأميركية".


وبالرغم من أنّ المرشحَين لم يأتيا بأي جديد، إلا أن تكرارهما لما قيل خلال حملاتهما الانتخابية قد يكون مردّه إدراكهما العميق لأهمية المناظرات التلفزيونية في كسب الناخبين، إضافة إلى الدور المكمّل الذي تلعبه مواقع التواصل اليوم، خصوصاً أنها ليست المناظرة التي ستغيّر رأي الناخبين. إذ ستذهب سبع ولايات إلى التصويت، قبيل المناظرة الثانية والثالثة، فيما تكتسب المناظرة الأولى أهمية استقطاب الصوت المحايد، الذي تشير آخر استطلاعات الرأي إلى أن نسبته بلغت 9%. وهو ما يوجّه الأنظار أيضاً إلى مواقع التواصل، بعدما أكّدت تقارير عديدة لجوء ناخبين إلى ما ينشر في صفحاتها من تعليقات ومواقف، بغية تكوين صورة أوضح تساعدهم في حسم قرارهم بالتصويت لأي من المرشحين.

على أن ذلك يأتي بالتوازي مع ما تظهره المناظرات التلفزيونية التي تعتمد بشكل أساس على قوة الحضور، سرعة البديهة، لغة الجسد، المظهر العام، إظهار اللباقة والثقافة ومدى الإلمام بالأحداث والمستجدات المحلية العالمية وكيفية تلقي المرشح السؤال وإظهار اهتمامه بالإجابة، ومتى يبتسم ومتى يبدي جدية وكيف يواجه الإساءة من المرشّح الآخر. وهي معايير ثابتة، درج التقييم على أساسها منذ إطلاق المناظرة التلفزيونية الأولى، التي ابتكرتها الولايات المتحدة منذ أكثر من خمسة عقود، حين خرج السياسي المخضرم ريتشارد نيكسون، لمناظرة الوجه الجديد نسبياً في ذلك الوقت، جون كينيدي، في 26 أيلول/سبتمبر 1960. ويتفق المؤرخون على أن المناظرات الأربع التي جرت بين الرجلَين استطاعت أن ترسخ صورة كينيدي في أذهان الناخبين، فيما يقول محللون إن جزءاً من خسارة نيكسون يرجع إلى أنه بدا سيئاً للغاية أمام كاميرات التلفزيون.

فالمرشح الذي كان واثقاً من الفوز ومنهكاً من لقاءات مؤيديه، توجه إلى المناظرة بعدما تحدث إلى بعض الناخبين في كاليفورنيا، ولم يجد وقتاً لوضع الماكياج المناسب على وجهه، وعندما بدأ يتصبب عرقاً، بدأ الماكياج يسيل على وجهه، ما أظهره في شكل المرتبك والمرهق جداً، على عكس كينيدي الذي بدا هادئاً ومتماسكاً. وبالرغم من أن محتوى تلك المناظرة، بالنسبة للذين لم يشاهدوها، وإنما استمعوا إليها عبر جهاز الراديو، كان لصالح نيكسون، إلا أن استطلاعات الرأي كانت مفاجئة إذ جاءت لصالح كينيدي الذي حسمت الصورة التلفزيونية مصيره في السباق الرئاسي.


النتائج المفاجئة توالت في أكثر من مناظرة تلفزيونية، منها مثلاً تلك التي جرت في العام 2000 بين المرشحين جورج بوش الإبن، صاحب الخطاب الشعبوي، وآل غور المثقف صاحب الشخصية الرصينة. إلا أن فصاحة بوش والسلاسة الخطابية التي أظهرها خلال المناظرة حين ركّز، على سبيل المثال، على خفض الضرائب في مقابل حديث آل غور عن طرق برية الكترونية تغطي كل الولايات الأميركية، حسمت أصوات الناخبين لصالح بوش، بعدما أغضب آل غور الأميركيين بأسلوبه الاستعراضي ومواقفه المتعالية لإبراز معارفه وتنهده بصوت مسموع كلما تحدث بوش الذي قال وقتها: "إن كنا بلداً متغطرساً فسينظر إلينا كذلك، لكن إن أبدينا تواضعنا فإننا سنحظى بالاحترام".


والحال إن مناظرة كلينتون- ترامب الأولى، أظهرت قدرة المرشحة الديموقراطية على استغلال قدرتها للوصول إلى معلومات خاصة ودقيقة حول منافسها الجمهوري، تكشف وضعه الضريبي وإدانته أكثر من مرة في قضايا تتعلق بالتمييز العنصري وكذلك تهربه من دفع المستحقات لمقاولين أنجزوا أعمالاً في شركاته، مع تركيزها على تذكير الناخبين بأنه اكتسب شعبيته السياسية بناءً على كذبة التشكيك بأصول مواطنية الرئيس باراك أوباما لناحية اتهامه انه ولد خارج الولايات المتحدة، الأمر الذي تراجع عنه دونالد ترامب لاحقاً، ما جعلها تتهمه بأنه "بدأ مسيرته السياسة بالكذب على الأميركيين، ومحاولة النيل من رئيسهم"، مسجلة بذلك نقاطاً إضافية على ترامب، بطرحها شكوكاً كبرى حول تجاوزات توازي اتهاماته المتكررة لها بإخفاء محتوى 30 ألف رسالة الكترونية، والتي تعدّ من أهم المآخذ التي هزت صورة كلينتون لناحية كفائتها وتحملها المسؤولية، والمرتبطة بتعريضها معلومات حساسة لخرق أمني وسوء استخدام النفوذ بالحصول على أموال لصالح مؤسسة "كلينتون" الخيرية.

المناظرة لم ترجّح كفة أي من الطرفين وإن كانت تميل بشكل طفيف لصالح كلينتون، فيما بدت أنها جولة تمهيدية تحضيراً لمنازلة أقوى وأكثر شراسة، ستبرز من خلال المناظرتين المرتقبتين. إذ يكفي كلينتون استفزاز ترامب لإسقاط نفسه بنفسه، من خلال إيقاعه في هفوات مهما بدت بسيطة أو لحظية، إلا أنها لطالما كانت عاملاً حاسماً في انكفاء الناخبين الذين قد يغيرون أو يحسمون اختيارهم بناءً على استشعارهم بعدم أهلية أي مرشح يقع في أبسط الأخطاء، وذلك استناداً الى تاريخ المناظرات التي تحظى بنسب مشاهدة قياسية والتي حسمت نتيجة أهلية المرشح الذي يصل إلى البيت الابيض من خلال أدائه الذي تنقله شاشات التلفزيون.  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها