الثلاثاء 2016/09/27

آخر تحديث: 19:53 (بيروت)

التلفزيونات الأميركية.. ناخبة أيضاً

الثلاثاء 2016/09/27
التلفزيونات الأميركية.. ناخبة أيضاً
increase حجم الخط decrease
مع المناظرة الرئاسية الأولى بين المرشحَين الأميركيين للبيت الأبيض، دونالد ترامب عن الحزب الجمهوري وهيلاري كلينتون عن الحزب الديموقراطي، كانت القنوات التلفزيونية الإخبارية الأبرز في توجيه الناخبين الأميركيين نحو آراء محددة، متفوقة على الصحف والإنترنت كمصادر للمعلومات بسبب طبيعة تغطيها المصورة واللحظية.

وفيما لم تصدر أرقام رسمية بعد حول أرقام المتابعين للمناظرة على المستوى القومي، تشير التقديرات إلى كسر الرقم القياسي لمناظرة رونالد ريغن-جيمي كارتر، بـ80 مليون متابع، وقد يصل الرقم إلى 100 مليون، مدفوعاً برغبة المشاهدين في الحصول على كمية من الترفيه، بسبب وجود ترامب الذي يميل لتطبيق أساليب مشاهير البوب في حملته الانتخابية، كما عبّر أميركيون في مواقع التواصل الاجتماعي.

وعلى صعيد القنوات القومية تصدرت قناة "NBC" لوائح المشاهدة أمس تليها "ABC" ثم "CBS" مع تدهور واضح لـ"FOX NEWS"، وهذا ليس غريباً فالقناة تفقد كثيراً من جمهورها الإخباري منذ العام 2015 بسبب انحيازها الواضح للحزب الجمهوري وتقديمها تغطيات غير متوازنة، كما تصف صحف أميركية ومدونون مستقلون. وكانت شبكة "CNN" الأكثر متابعة بين المحطات التي تبث عبر الكايبل.

والحال أن المناظرة كانت شديدة الجدية مع قليل من الترفيه، على عكس ما كان متوقعاً، خصوصاً أن ترامب ظهر وكأنه وقع في الفخ مع تبادل المرشحين الأدوار، كما تقول "CBS" في تحليلها للمناظرة، والتي رأت فيها أن ترامب فشل بسبب تناقض جوهر المناظرة مع طريقة ترامب في الترويج لنفسه ضمن حملته الانتخابية: "إنه يسعى دائماً لأن يكون مركز الانتباه فيما تفرض المناظرة أن تكون الأفكار والبرامج السياسية هي مركز الانتباه الأول". وأشار محللو القناة أن هيلاري كانت جيدة فقط ولم تكن عظيمة رغم استطلاعات الرأي التي مالت بشدة لصالحها، حيث استفادت من عثرات ترامب بذكاء عبر استراتيجيات مختلفة بسبب خبرتها السياسية ليبدو ترامب باستراتيجيته الواحدة عاجزاً.

واستضافت القناة البروفيسور المشهور آلان ليتشمان من الجامعة الأميركية في واشنطن، والذي يتنبأ بنتائج الانتخابات الأميركية بدقة شديدة منذ العام 1984، ويرى أن الانتخابات لا تتعلق بالمرشحين أنفسهم بل بالحزب الحاكم للبيت الأبيض، وطريقة أدائه في 13 ملفاً، ومع خسارة الحزب الديموقراطي، ملفات كبرى أمام الشعب الأميركي، فإنه يتوقع التبديل نحو مرشح الحزب الجمهوري مهما كان، مشيراً أنه رغم فرادة ترامب إلا أنه ليس الأمثل بسبب خروقاته المستمرة للدستور متمنياً ان تكون توقعاته هذه المرة خاطئة.

من جهتها كانت قناة "ABC" الأكثر توازناً وحيادية، لدرجة جعلت تغطيتها بلا أي نكهة مقارنة بالمحطات المنافسة، لكن ذلك السبب بالتحديد كان حاسماً في زيادة عدد متابعيها لأنها تمثل نسبة كبيرة من الأميركيين الذين ما زالوا في المنطقة الرمادية بالنسبة لاختيار مرشحهم للبيت الأبيض، وترى القناة أن كلاً من ترامب وكلينتون أثبتوا في المناظرة الأولى أنهما ليسا قادرين على تقديم رسالة نصر حاسمة للناخبين وأنهما يتأرجحان ويستفيدان فقط من عثرات بعضهما البعض بدلاً من تقديم برامج انتخابية قوية ومحددة، مع أفضلية طفيفة لكلينتون في هذا الإطار عطفاً على أدائها أمس.

ورأت "CNN" أن المناظرة لم تحمل أسئلة ضخمة ومع ذلك ظهر ترامب ضعيفاً: "كان بإمكانه طرح الكثير من الأسئلة والملفات لكنه لم يفعل شيئاً"، مشيرة إلى أدائه الدفاعي والذرائع التي حاول التشبث بها لنيل تعاطف الناس، مقابل شجاعة كلينتون في مهاجمته وتقديم نفسها كرئيسة بدل أن تكون مجرد مرشحة إلى جوار خصمها، مع الإشادة بأنها اعترفت بكافة أخطائها علناً وتوجيهها الخطاب دائماً للشعب الأميركي وبالنيابة عنه مقابل حديث ترامب عن نفسه فقط.

وتفردت قناة "CNN" عن الجميع باستطلاع رأي تم بموازاة المناظرة، اقتبسته بقيه القنوات، وأشار إلى أن 66.6% الذين شملهم الاستطلاع كعينة تمثل الشعب الأميركي يرون أن كلينتون انتصرت في المناظرة، ويبرز هنا أن 54% من المستقلين ضمن العينة يرون أن كلينتون انتصرت أيضاً، بينما عبّر 47% أن المناظرة لم تغير وجهة نظرهم الأصلية بتاتاً، علماً أن 48% ممن استطلعت آراؤهم يميلون لدعم كلينتون في صندوق الاقتراع، مقابل 18% فقط يميلون لترامب، والبقية ما زالوا في الفئة الرمادية.

في المقابل، اتجهت "NBC" لسد النقص لديها عبر عرض مؤشرات مختلفة عن الاستطلاعات التقليدية، بالتعاون مع شركة التكنولوجية العالمية "غوغل"، التي قاست ردود أفعال الأميركيين عبر الإنترنت، وتشير تلك البيانات إلى تقدم كلينتون في الولايات الأميركية الخمسين جميعها بعد المناظرة، في سابقة من نوعها حسب تعبير القناة، فيما قدمت "CBS" نقاشاً مع مجموعة مركزة في فيلادلفيا من الأشخاص الذين لم يقرروا بعد من سينتخبون لعكس وجهات نظرهم حول المناظرة، والتي رأى أغلبية المشاركين فيها أن كلينتون كانت الأفضل بفارق كبير عن ترامب.

وتعكس الإحصاءات إلى حد كبير طبيعة المناظرة نفسها التي تشبه الألعاب النارية كما تصفها "FOX"، والتي اعتمدت أساليب الهجوم على الآخر، وتحديداً من طرف كلينتون بسبب عثرات ترامب، وعرفت بخبرتها كيف تضعه في مواقف محرجة (CBS, CNN)، وكان واضحاً أن كلينتون درست خصمها جيداً وكانت قادرة على التنبؤ بكل كلمة سيقولها لتعرف تماماً الرد الساخر الذي ستوجهه في حال الضرورة، وهو نفس أسلوب ترامب طوال حملته الانتخابية والذي توقف عند المناظرة بعجز (CBS).

وفيما كانت النقطة المشتركة بين جميع القنوات الخمس، هي تقديمها لـ "Points check" لقياس صحة وكذب المرشحين، كان مخصصاً للأخطاء التي أوردها ترامب في المجمل مثل ادعائه أنه لم يدعم حرب العراق العام 2003، غردت "فوكس" وحدها خارج السرب بتبريرها أخطاء ترامب مع التركيز على أخطاء كلينتون فقط في مقياسها للحقيقة والكذب خلال المناظرة!

"FOX" كانت غير موضوعية بتاتاً، وقدمت قراءات لا تمثل سير المناظرة من الأساس، وفي تحليلها للمناظرة حاولت القناة أن تبدو متشائمة من المرشحين معاً لاتجاه المناظرة نحو الهجوم الشخصي بدل الاهتمام بقضايا مصيرية مثل اقتصاد الطبقة الوسطى، قبل أن تعرض القناة مجموعة من استطلاعات الرأي من جهات غير محددة، تشير لوقوع المرشحين معاً في مأزق، وتذكر أن ترامب رغم كل عثراته نجح في الوصول إلى هذه المرحلة المتقدمة من سباق الوصول للبيت الأبيض متفوقاً على عشرات من منافسيه الجمهوريين والديمقراطيين معاً.

والواضح أن القناة حاولت دعم ترامب في محنته عن طريق التركيز على نقطة واحدة فقط من المناظرة وهي ملف الأمن القومي الأميركي، الذي يشدد عليه ترامب، حتى أن القناة استضافت عائلات لجنود أميركيين قتلوا في أفغانستان خلال فترتي رئاسة باراك أوباما، للحديث عن الحاجة للتغيير نحو الجمهوريين الأكثر حزماً في الملف الخارجي، خصوصاً أن كلينتون، بحسب وصف القناة، لن تغير شيئاً في السياسات الخارجية الحالية لأنها كانت في الأساس الصانع الأول لها عندما كانت وزيرة للخارجية الأميركية، ما يجعل ترامب الصوت المختلف الذي يحتاجه أمن البلاد بعكس فترة أوباما.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها