الثلاثاء 2016/09/20

آخر تحديث: 18:51 (بيروت)

"الخوذات البيضاء" في "نيتفليكس": فيلم متخفّف من الإسلاموفوبيا

الثلاثاء 2016/09/20
"الخوذات البيضاء" في "نيتفليكس": فيلم متخفّف من الإسلاموفوبيا
increase حجم الخط decrease
تتخطى شبكة "نيتفليكس" العالمية، حدود اللغة والإسلاموفوبيا وغيرها من النمطيات الفاصلة بين البشر، وتقدم لجمهورها تجربة ملحمية مؤثرة في إنتاجها الوثائقي الجديد "الخوذات البيضاء"، الذي يدور حول فريق الدفاع المدني الذي يحمل الاسم نفسه، والناشط لإنقاذ المدنيين من القصف والدمار في مناطق المعارضة السورية من غارات النظام السوري.


ولا يخفي أصحاب الفيلم حقيقة أبطال الدفاع المدني ومعتقداتهم الدينية الإسلامية، ولا يركزون على عناصر آخرين بانتماء ديني مختلف مثلاً، كعامل قد يساهم في كسب جمهور إضافي، ويبدو واضحاً من طريقة صناعة الفيلم أن أصحابه لا يعانون أزمة الإسلاموفوبيا أو تصنيف البشر وفق طبقات وصفات مصنعة سلفاً، ويعتمدون على قوة الجانب الإنساني في القصة فقط لإيصال الحقيقة عن الوضع المزري في سوريا، علماً أن الفيلم أنجز بالعربية كلغة أولى مع توفير ترجمات صوتية ومكتوبة له بعدة لغات.

في ضوء ذلك، نشاهد الكثير من صيحات التكبير والصلوات والأدعية وغيرها، كما يتحدث أحد المنقذين في مطلع الفيلم عن انضمامه لجماعة عسكرية لبضعة شهور قبل تحوله للعمل المدني، وهو ما انتقده بعض الناشطين والمعلقين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لكونه يطابق إلى حد ما اتهامات النظام السوري للفريق بالانتماء لجماعات إسلامية متشددة مثل "جبهة النصرة"، علماً أن سياق الفيلم يبدد تلك الاتهامات بشكل غير مباشر، عبر توثيق الحالات الأكثر إنسانية في عمل الفريق وعلاقاتهم المنفتحة مع محيطهم الاجتماعي المتنوع.

ويتتبع الفيلم حياة ثلاثة من أعضاء "الخوذات البيضاء" هم أبو عمر وخالد فرح ومحمد فرح، بداية من حياتهم اليومية في حلب، وانتقالاً إلى تركيا حيث يخضعون لدورة تدريبية حول مبادئ الدفاع المدني والإنقاذ الأساسية، لكونهم كمعظم فريق "الخوذات البيضاء" لا يمتلكون أي خبرة سابقة في هذا المجال، بل اندفعوا عليه وتركوا مهنهم الأصلية بدافع إنساني داخلي، مع كثير من المعلومات الجانبية حول الفريق والوضع الميداني والسياسي في سوريا.

في تركيا، يصبح الفيلم أكثر إنسانية وحميمية، ويصبح بإمكان المشاهد التعرف على أولئك الأبطال عن قرب، كيف يتدربون وكيف يتحدثون بين بعضهم، ويتعاطف معهم إلى حد البكاء وهو يراهم يتلقون الأخبار الميدانية عبر الهواتف المحمولة، بعضهم يفقد أخاً أو صديقاً في حلب، وبعضهم لا يدري مصير عائلته، وتصبح الروابط بين أعضاء الخوذات البيضاء مميزة ووطيدة، وهم يساندون بعضهم في تلك اللحظات الصعبة.

والحال أن الفيلم (40 دقيقة) يفسح مجالاً واسعاً منه أمام أبطاله الثلاثة للحديث مباشرة أمام الكاميرا عن تجربتهم وحياتهم ومثلهم العليا، ودوافعهم للإنقاذ وتعاملهم مع جميع المصابين مهما كانت انتماءاتهم أو هويتهم على قدم المساواة، وهذه المباشرة فعالة وصادقة وتقرب أبطال الفيلم من هالتهم الأسطورية إلى حقيقتهم كبشر ذوي أحلام وحياة سابقة حطمتها حرب النظام وحلفائه على الشعب السوري، ليصبح الفريق مجرد نتيجة إيجابية/مؤلمة لكل ما يجري في سوريا.

ويظهر الكثير من لقطات الفيلم، الضوء المتسرب نحو الغرف المظلمة أو بين الدمار والأنقاض، قبل الانتقال نحو لقطات تمثل عناصر الدفاع المدني وهم ينفذون مهماتهم اليومية، وهي رمزية تقدم رغم كلاسيكيتها، سياقاً بصرياً للفيلم المتمحور حول أبطال حقيقيين وسط بشاعة الحرب اليومية المستمرة منذ سنوات، بسبب طبيعة عملهم الإنسانية.

ورغم امتلاء الفيلم بالعواطف، إلا أنه لا يتحول نحو البروباغندا أو مخاطبة المشاعر السطحية لدى الجمهور، بل يتمحور حول قيم سامية مثل التضحية ومساعدة الآخرين مهما كانت ظروف المنقذ صعبة، فضلاً عن إعطاء لمحة ولو بسيطة عن الانشطار الداخلي الذي يعيشه أعضاء الفريق بين خوفهم الدائم على عائلاتهم المعرضين لخطر القصف وبين الالتزام بواجبهم في إنقاذ الغرباء، الذين لا تقل حياتهم أهمية بالنسبة للفريق.

في السياق، لا يصبح مشهد إنقاذ طفل لم يتعدى عمره أسبوعاً واحداً من تحت الأنقاض في مدينة حلب، الأكثر تأثيراً في الفيلم، بل مشاهدته في نهاية الفيلم وهو يلتقي بمنقذيه بعد عدة أشهر، ليلعب أماهم ويجري ويضحك ويرتدي خوذة بيضاء فوق رأسه الصغير تحت أشعة الشمس، بينما يردد أحد المنقذين شعاراً جميلاً: من أنقذ حياة واحدة كأنما أنقذ البشرية كلها.

مستوى الفيلم ليس مفاجئاً، فهو نتيجة تعاون آخر بين الثنائي البريطاني أورلاندو فون آنسيديل في الإخراج، وجوانا ناتاسيغارا في الإنتاج، بعد فيلمهما الوثائقي "فيرنوغا"، الذي ترشح لجائزة "أوسكار" أفضل فيلم وثائقي عام 2015، ودار حينها عن محمية الغوريلا "فيرونوغا" الشهيرة في الكونغو الديمقراطية، كما يشهد "تويتر" تفاعلاً مميزاً من الجمهور العالمي حول الفيلم، ويمكن تتبعه على هاشتاغ #TheWhiteHelmets، مع ارتفاع الأصوات التي تطالب بإعطاء جائزة نوبل للسلام بسبب جهوده الإنسانية في البلاد.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها