الثلاثاء 2016/09/13

آخر تحديث: 11:39 (بيروت)

فيديوهات ردّ الفعل.. محكمة الحضارات في "يوتيوب"!

الثلاثاء 2016/09/13
فيديوهات ردّ الفعل.. محكمة الحضارات في "يوتيوب"!
تستند إلى عناصر التشابه ولا تشجع على الاختلاف
increase حجم الخط decrease
لا أحد في العالم العربي يعتقد أن مايا دياب امرأة ذات جمال طبيعي وصوت ساحر، لكن الأمر قد يختلف بالنسبة لمشاهد غربي يرى مقطع فيديو للمغنية اللبنانية للمرة الأولى، ولا يعرف شيئاً عن تاريخ تبدل شكلها و"التطوّر" التقني لصوتها الغنائي. وهذا مثال واحد فقط على السطحية التي تطبع الظاهرة العالمية الجديدة المعروفة بفيديوهات رد الفعل (Reaction Videos).

ورغم أنها بدأت بشكل محدود العام 2006، إلا أن هذا النوع من مقاطع الفيديو اكتسب شعبية واسعة منذ مطلع العام الجاري، حتى بات واحداً من أكثر المواد انتشاراً عبر منصات مشاركة الفيديو مثل "يوتيوب"، وحتى في مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى (إنستغرام، فايسبوك، ..)، إذ لا يتطلب إعدادها مهارات خاصة أو مستوى معيناً من المعرفة للنقد وإطلاق الأحكام. فيما تبدو فكرتها بسيطة جداً، إذ يصوّر الفرد نفسه وهو يتابع مقطع فيديو للمرة الأولى، ويعلق عليه بشكل متزامن مع عرضه في إحدى زوايا الشاشة مع الجمهور، ثم الحكم عليه بشكل نهائي في نهاية الفيديو.

وتثير الظاهرة جدلاً واسعاً في الغرب، من ناحية حقوق الملكية الفكرية تحديداً، إذ تتم مشاركة الفيديو الذي يقع الحكم عليه، مع المشاهدين، كنوع من المشاركة في التجربة الجديدة، خصوصاً مقاطع الأغاني المصورة والأجزاء من أفلام سينمائية طويلة أو قصيرة، فضلاً عن مواضيع البورنوغرافيا، وهي خاصية أخرى تجذب الجمهور العام لهذا النوع من المقاطع الترفيهية.. إذ لا يعتبر "يوتيوب" مثلاً هذا النوع من المشاركة العرضية نوعاً من قرصنة.

ويمكن القول أن فيديوهات رد الفعل، تقتل ما قامت عليه السوشيال ميديا من عناصر مهمة، كالنقد والتعليق والنقاش، إلى مجرد إبداء ردود أفعال/آراء سطحية، في انتصار آخر للفيديو السريع على الكلمة المكتوبة. كما أن سذاجة الانطباع الأول، وإطلاق الأحكام عشوائياً في هذه المقاطع، يفقدانها الكثير من جاذبية العناصر الإيجابية فيها، كالصدق والمشاركة. والمشكلة في مدى الأخذ بمثل هذه المقاطع بجدية بدلاً من اعتبارها مواد للتسلية فقط.

والحال أن انتشار هذا النوع من مقاطع الفيديو لا يأتي عن عبث، كما أنه ليس سلبياً بالمطلق، إذ ينتقل بالإنترنت، من التواصل الجماعي التقليدي عبر السوشيال ميديا، إلى التواصل الإنساني الأكثر طبيعية وعفوية. ومع عامل المفاجأة الآتي من الفيديو قيد المشاهدة، يكون عامل الصدق عالياً، وهي نقطة قد لا تكون موجودة في السوشيال ميديا في العموم، والتي تتجه في حالات كثيرة إلى تنميق الصور وافتعال الكلمات.

ومنذ حزيران/يونيو الماضي، باتت الثقافة العربية واحدة من أكثر المواضيع تداولاً في القنوات والمواقع التي تقدم هذه الفيديوهات (فومو دايلي، وغيره..). فهي، من جهة، تقدم كمّاً كبيراً من المواد الطازجة القابلة للتعليق، كما أن لها جمهوراً واسعاً من العرب أنفسهم، ما يضمن حجم مشاهدات كبيراً بكل تأكيد.

واستفادت المواقع العالمية، مثل "باز فيد"، من انتشار الظاهرة، وطورتها بشكل مختلف يعتمد على تكثيف الفيديو، حيث يصبح إبداء رد الفعل جماعياً وليس فردياً، بتصوير مجموعة من الأفراد وهم يختبرون تجربة جديدة للمرة الأولى، كمشاهدة أميركيين لأغنية هيفاء وهبي "breathing you in" أو فيديو كليب "يا قاطفين العنب" لمايا دياب، أو مشاهدتهم حسابات "إنستغرام" لمغنيات لبنانيات وممثلين مصريين ومشاهير رجال عرب، أو تناولهم أطعمة عربية غير مألوفة.


ظاهرياً، تبدو فيديوهات رد الفعل، تشجيعاً على الاختلاف، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالتعليق على مقاطع فيديو آتية من ثقافات مختلفة. لكن الحقيقة أن تلك الفيديوهات تستند إلى عنصر التشابه لتحقيق الانتشار، إذ يبحث الجمهور عن مقاطع ردود أفعال لأغان أو ألعاب إلكترونية أو أطعمة يحبها شخصياً، كي يشعر بأنه ليس وحيداً في حبه لهيفاء وهبي، أو سعد لمجرّد، أو الأغاني الكورية مثلاً، وكي لا يشعر بالدونية أمام عالمية الثقافة الغربية. وبالتالي، فإن هذا يولّد شعوراً بالاندماج والرضى.


على المستوى الجمعي، يبدو الأفراد من الثقافات غير الغربية، يائسين بشكل مثير للشفقة، لأخذ ردود أفعال إيجابية على مقاطع فيديو تخص ثقافتهم، ولا يأتي ذلك من مجرد الرغبة في المرح والتسلية، بل من رغبة في الخضوع لحكم وتقييم، ليصبح فيديو "يوتيوب" أشبه بمحكمة حضارات افتراضية، قد تسبب الغضب والإحباط في حال السخرية أو عدم اقتناع مُشاهد الفيديو بما يراه. وبالعكس، قد تولد حباً كبيراً، في حال الإعجاب، حتى لو كان ما يشاهده يصنف في خانة "مختلفة" ثقافياً ومجتمعياً بالنسبة إلى عموم الجمهور.

ويبدو ذلك بوضوح في التعليقات العربية على مقطع يظهر رد فعل على موضوع "هل تقبل مواعدة مسلم(ة)". ورغم أن صاحب الفيديو مثلي الجنس، إلا أنه بات المفضل للمسلمين الذين عبروا عن اشمئزازهم منه في التعليقات، وتقديرهم له في الوقت نفسه، على موقفه من عظمة الإسلام ومكانته إلى جانب الحضارة الغربية!

يأتي ذلك من سيكولوجية فريدة لدى الجمهور العربي كمثال. فبعد قرون من سيطرة الحضارة الغربية على العالم كقوة عظمى، تشكل لدى الثقافات المحلية ما يشبه إحساساً جَمعياً بالدونية والنقص أمام التفوق الغربي. وقد لا يؤدي ذلك الإحساس إلى رغبة في إبراز الثقافة المحلية لكونها فريدة أو مميزة، بل ربما يبرز رغبة قوية في الاندماج مع ثقافة البوب الغربية... أو ربما أدى إلى التقوقع في لعنها والعناد في التمسك بـ"السّلَف".. الذي لا يكون دوماً صالحاً... وعبر فيديو رد الفعل أيضاً.



increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها