الأحد 2016/09/11

آخر تحديث: 14:07 (بيروت)

فتاوى التحريم: من "ميكي ماوس" إلى "بوكيمون غو"

الأحد 2016/09/11
فتاوى التحريم: من "ميكي ماوس" إلى "بوكيمون غو"
يعتبر "بوكيمون" أشهر حالة تعرضت للرقابة الدينية في العالم العربي
increase حجم الخط decrease
لا تنطلق الفتاوى الدينية المتعددة التي تحرّم "بوكيمون غو" في العالم العربي، من اللعبة الجديدة نفسها، بل تعود بالزمن إلى مطلع الألفية لتسترجع خطاباً دينياً متحجراً، عندما انتشر مسلسل الأنمي "بوكيمون" على الشاشات العربية، ليتم تحريمه بشكل قاس حينها بناء على الفتوى الشهيرة للشيخ يوسف القرضاوي وفتوى مماثلة من قبل الأزهر، ما أدى إلى إيقاف عرض المسلسل ودبلجة مواسمه المتبقية.

ونصّت فتوى القرضاوي حينها على أن "بوكيمون" يتضمن خطراً على العقيدة الإسلامية "بتبنيه الفكرة الداروينية المعروفة بنظرية النشوء والارتقاء وتطور الأجناس والأنواع من مخلوقات دنيا إلى مخلوقات أرقى وأكثر قدرة، كما أنه يتضمن خطراً على عقلية الطفل وحسن تربيته فكرياً، لكونه يغرس في عقله خيالات لا أصل لها وأشياء خارقة للعادة وغير متماشية مع سنن الله الكونية". وهي الكلمات ذاتها تتكرر اليوم في الفتاوى المختلفة التي تحرّم "بوكيمون غو"، والصادرة عن هيئات دينية رسمية في كل من مصر وتونس والسعودية.

وليس مفاجئاً ان تتعرض اللعبة التي تجتاح العالم، إلى هذه الحملة الدينية العنيفة، فمن غير المتوقع أن تعترف الهيئات الدينية بخطئها عندما أفتت بتحريم "بوكيمون" العام 2001، لأن ذلك سيكون بداية لاسترجاع كل الفتاوى القديمة في مختلف مجالات الحياة وإعادة النظر فيها، إضافة إلى تاريخ السلطة الدينية الحافل بتحريم العديد من المنتجات التكنولوجية والأعمال الفكرية والفنية، بشكل يعكس قصوراً مخيفاً في نظرتها لكل ما هو جديد، ثم رفضه على أنه معاد للإسلام.

"بوكيمون غو" ليست الوحيدة في قائمة الألعاب الإلكترونية المحرّمة عربياً، فلعبة "كلاش أو كلانس" التي تُلعب عبر الهواتف الذكية محرّمة منذ مطلع العام 2016 بفتوى من المرجع الشيعي الأعلى، علي الحسيني السيستاني. أما لعبتا "هاف لايف" و"كاونتر سترايك" الكلاسيكيتان فتم تحريمهما من قبال رجال دين في الجزائر!

والحال أن مسلسلات الرسوم المتحركة تعاني رقابة شديدة، إلى حد تحريم بعض رجال الدين لها بشكل تام لقيامها على فنون الرسم والتصوير والموسيقى "الممنوعة إسلامياً"، فضلاً عن احتوائها "خيالات شريرة"، مثل الفتوى التي أطلقها موقع "إسلام ويب" بهذا الشأن، وهو أحد أكبر المواقع الإفتائية المعترف بها من قبل الهيئات الكلاسيكية الرسمية، فيما وصل الأمر إلى حد التهريج عندما يفتي الشيخ السعودي، محمد صالح المنجد، بتحريم وقتل شخصية "ديزني" العالمية ميكي ماوس، بسبب الرمزية السلبية التي يحملها الفأر في الديانة الإسلامية على حد وصفه.

والمنجد هو صاحب موقع الفتاوى الدينية "الإسلام سؤال وجواب" المعترف به أيضاً من قبل الهيئات الرسمية، وكان قد أطلق أيضاً فتوى بتحريم مسلسل الكارتون الشهير "عدنان ولينا" "لاحتوائه على إشارات ورموز لمعتقدات دينية ومخالفات شرعية"، إضافة لتحريمه بالمطلق مشاهدة قناة "سبايس تون" للأطفال في فتوى ثانية، لأنها "تحوي الضلال وتشمل المنكرات"!

وبالطريقة ذاتها، ذهب الداعية محمد العريفي إلى تحريم قناة "إم بي سي 3" الخاصة بالأطفال، بالكامل، ما استوجب رداً رسمياً حاسماً من شبكة "إم بي سي"، علماً أنه توجد فتاوى دينية بتحريم متابعة قنوات تلفزيونية أخرى، مثل شبكتي "إم بي سي" و"إل بي سي" بسبب "نشرها للفساد" على حد وصف الداعية السلفي عبد الرحمن البراك، الذي دعاه مفتي السعودية، عبد العزيز آل شيخ، أكثر من مرة، للانضمام إلى دار الإفتاء الرسمية، بسبب مكانته "العلمية" الرفيعة!

كذلك تعاني قناة "نسمة" التونسية من فتاوى بتحريمها، أبرزها من مفتي تونس، عثمان بطيخ، بسبب عرضها مسلسلات وأفلام عن حياة الأنبياء، كما تتمدد الفتاوى لتشمل برامج ترفهية مثل برامج الكاميرا الخفية التي يقدمها المصريان رامز جلال وهاني رمزي، التي حرمتها فتوى رسمية من دار الإفتاء المصرية، بسبب "ترويعها للآمنين".

ومن منطلق الحرية الفردية والصحافية، من غير المفهوم أن يتدخل الدين إلى هذا الحد في آلية عمل المؤسسات الإعلامية والرقابة عليها. لكن الأمر يختلف في المجتمعات العربية التي يشكل فيها رجال الدين بتدرجاتهم المختلفة، أوصياء على الحياة والمجتمع، ضمن ثنائية قمعية يتحالف فيها الدين مع السلطات الرسمية، فتجب الطاعة لولي الأمر ولا مجال للاعتراض وإلا كان العقاب.

في ضوء ذلك، يبدو مخيفاً أن الفتاوى الدينية تجد دائماً من ينفذها، سواء من قبل الجمهور المتعصب (اقتحام مقر قناة نسمة العام 2011)، أو حتى وسائل الإعلام التي تضطر للخضوع للقرارات الدينية، مثلما كان الحال مع قناة "إم بي سي 3" التي اضطرت إلى إيقاف مسلسل "الأبطال 99" بعد فتوى من "هيئة كبار العلماء" في السعودية التي اتهمت العمل بالإساءة للذات الإلهية، وكذلك قناة "النيل الأزرق" السودانية التي اضطرت العام 2011 إلى إيقاف برنامج محلي يحظى بمتابعة كبيرة بعنوان "أغاني أغاني" إثر مجموعة فتاوى محلية.

وغالباً ما تعاني المسلسلات التلفزيونية التي تناقش قضايا دينية، فتاوى تحريم من رجال دين يفترض أنهم "أكثر تسامحاً"، كالشيخ السوري محمد سعيد رمضان البوطي، الذي كان أعنف محرّمي مسلسل "ما ملكت أيمانكم" (نص وإخراج نجدة أنزور)، ما أدى إلى إحجام القنوات العربية عنه وعرضه فقط عبر قناة "المستقبل" اللبنانية" العام 2010. ويصبح الأمر أكثر تعقيداً عندما يعرض المسلسل إلى حياة رموز دينية (عمر، يوسف الصديق، ..) التي ترى فيها الهيئات الدينية السنية والشيعية، على حد سواء، محظورات لا ينبغي المساس بها.

الشرط السابق ليس ضرورياً للتحريم، فمسلسلات درامية عادية نالت نصيبها من فتاوى التحريم، كان آخرها في حزيران/يونيو الماضي مع تحريم المسلسل المصري "ساحرة الجنوب" من قبل مفتي السعودية، عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، ما أدى إلى إيقاف عرضه وإلغاء تصوير أجزائه المتبقية بقرار من مالك الشبكة وليد الابراهيمي، وهو أمر تكرر مع الفتوى التي طاولت المسلسل الكوميدي الشهير "طاش ما طاش" لصاحبه السعودي ناصر القصبي في مواسم عديدة، خلال عرضه على القناة السعودية الأولى، وذلك من قبل "هيئة كبار العلماء" في السعودية التي حرّمت مشاهدة العمل والترويج له، لينتقل العام 2005 إلى قناة "أم بي سي".

والحقيقة أن التكنولوجيا الحديثة ساهمت في تخفيف قدر كبير من أثر التسلط الديني على الحريات، عما كان عليه الحال قبل 15 عاماً، ويلاحظ ذلك بردود أفعال الناس عبر شبكات التواصل الاجتماعي، والساخرة من فتوى تحريم "بوكيمون غو" مقارنة بالخضوع للقرار الديني العام 2001 اتجاه المنتج نفسه. لكن ذلك لا يعني بأي حال انتهاء حقبة التسلط الديني التي طبعت الحياة في المنطقة العربية لقرون متتالية، كما لا تعني بداية نزاع بين أفكار تحررية والمرجعيات الدينية التي تستمد قوتها من خطاب ذي نزعة إلهية بحتة.

تجدر الإشارة هنا، أن معظم الفتاوى لا تناقش قواعد دينية بديهية مثل تحريم الموسيقى والاستماع إلى الأغاني، أو الأفلام الأجنبية وغيرها، وترفض بالمطلق متابعة الميديا العالمية لكونها غير صالحة للمجتمعات العربية، وترى فيها مؤامرة ضد الإسلام نفسه، وتخصص جهدها لتعقب الإعلام العربي وما ينتشر من ظواهر تكنولوجية من حين إلى آخر.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها