الإثنين 2016/08/15

آخر تحديث: 15:30 (بيروت)

"مستر روبوت" في موسمه الثاني: القيامة الإلكترونية

الإثنين 2016/08/15
"مستر روبوت" في موسمه الثاني: القيامة الإلكترونية
بطل المسلسل من أصول مصرية رامي مالك
increase حجم الخط decrease
لم يبلغ الصراع الدائر بين شركات التكنولوجيا وسلطات العالم التقليدي حول زعامة العالم ذروته بعد، لكن المسلسل الأميركي الجدلي "مستر روبوت"، ينحاز سلفاً للعالم التقليدي بتقديمه نظرة شديدة السوداوية لدور التكنولوجيا في حياة الإنسان المعاصر، إلى حد الترويج لمفهوم "القيامة الإلكترونية" التي تنهي وجود الإنسان على الأرض، كأقصى درجات العدمية الفلسفية.

والمسلسل الذي عاد في 10 آب/أغسطس الجاري إلى الشاشات العالمية، في موسمه الثاني، يركز على مجموعة من قراصنة الإنترنت "هاكرز" الذين ينشطون تحت اسم "تباً للمجتمع"، وينجحون في الجزء الأول (2015) في تنفيذ أكبر عملية قرصنة في التاريخ، ليعيش العالم مأساة الفوضى الثورية في الجزء الثاني، مع حضور مكثف لنظرية المؤامرة التي تفترض أن شركات التكنولوجيا تعمد إلى زعزعة الاستقرار وتوجيه القراصنة من بُعد، لغايات شريرة. 
الشر نفسه يتجسد رمزياً في اسم أكبر شركة تقنية في العمل "إيفل كوربوريشن"، والتي تستمد اللوغو الخاص بها من شركة الألعاب الشهيرة "EA Games"، حيث يدمج العمل الواقع بالخيال على مستويات عديدة، لتحقيق أثر أكبر، بما في ذلك الزمن المعاصر واستخدام الشبكات الاجتماعية التقليدية وأقنعة جماعة القرصنة الشهيرة "أنونيموس"، وتضمين خطابات لرؤساء العالم (أوباما، ميركل، ..) ضمن سياق العمل على الشاشات الكبرى، لتقديم الصراع بين عالمين شديدي البطش: قديم تقوده السياسة والاقتصاد التقليدي، وحديث تتزعمه شركات التكنولوجيا. 

بصرياً، يجسد المسلسل الصراع من طريق اختيارات الممثلين للأدوار المختلفة. فجماعة "الهاكرز" تجمع أصولاً عرقية مختلفة من عرب ومسلمين ولاتينيين وهنود وأوروبيين شرقيين وأفارقة، في مقابل العالم التقني الذي يديره أميركيون وآسيويون بسُلطة مطلقة، وهو التقسيم الرمزي للعالم وفق صراع الحضارات، وطريقة ناجحة لجذب جمهور عالمي باتت تتبعها شركات الإنتاج والتوزيع الكبرى مثل "نيتفليكس" أخيراً. 

المثير للاهتمام أن كاتب ومخرج العمل، سام اسماعيل (من أصول مصرية)، قرر خلق المشروع من تأثره بأحداث الربيع العربي، الذي كانت وسائل التواصل الاجتماعي من أبرز الأدوات الداعمة له ضد الدكتاتوريات المحلية، ويتحول المشروع ببراعة لطرح تساؤلات فلسفية حول جدوى العلم والتقنية ووسائل التواصل الاجتماعي، ومدى التزييف الذي تتعرض له المشاعر البشرية مع مر السنين. ولا يهم هنا إن كان المشاهد موافقاً على تلك الأفكار أو معارضاً لها، لكونها تشكل دافعاً للتفكير يتخطى المشاهدة لغرض المتعة والتسلية فحسب.

وعلى طريقة فيلم "Her" (بطولة خواكين فينيكس وإخراج سبايك جونز) يتم تصوير معظم العمل ضمن ألوان رمادية حادة، لا محايدة، تعطي إيحاء عاماً بالبؤس والسوداوية والبرودة، مقابل الإعلانات التقنية اليومية التي تبثها الشركات والتي تظهر في سياق المسلسل بألوان فاقعة جذابة وسريعة، كأي إعلان حقيقي تطرحه "فايسوك" أو "آبل" اليوم تماماً، وهو التناقض البصري الذي يقول أن السعادة التكنولوجية مجرد وهم.

والحال أن كلمة الوهم تتكرر طوال المسلسل: فالسعادة وَهم حيث لا وجود للحرية التي هي وَهم أيضاً، وفي غيابهما تصبح الإرادة والقدرة على التحكم بالذات أوهاماً.. فالكل مجرد دمى صغيرة يحركها أثرياء العالم الذين يديرون أكبر شركات التكنولوجيا في علاقات خفية مع اقتصاد العالم القديم (يظهر ذلك في نهاية الجزء الأول). أما مصير العالم فيتجه لتحويل الكوكب إلى مجموعة من الروبوتات التي يتم التحكم بها آلياً، بالمعني المجازي، وحتى بطل العمل نفسه "إليوت"، بازدواجية شخصيته، لا يستطيع النجاة من ذلك المصير بتزعمه جماعة "تباً للمجتمع".

لكسر الوَهْم، يطرح العمل حلاً وحيداً وقبيحاً هو المخدرات! فلا يمكن الوصول للسعادة والتحرر من التكنولوجيا إلا بالانفصال عن العالم بتعاطي المخدرات. و"إليوت"، بخلطه العقاقير ينتقل دائماً إلى فضاء تكنولوجي مواز يذكر بسلسلة أفلام "ماتريكس" من جهة، وبرواية "نهاية السيد واي" للكاتبة البريطانية سكارلت توماس من جهة ثانية. أما السعادة فيتم تصويرها في الماضي، حينما كان العالم مستقراً تحت سلطة تقليدية واحدة، وكانت التكنولوجيا طفولية مسالمة، ويتجلى ذلك عندما تتخذ جماعة القرصنة من مركز ألعاب "آركيد" من الثمانينات مقراً روحياً لها.

شخصية "إليوت" مركّبة إلى حد كبير. فهو يعاني اضطراباً في الهوية وإدماناً على المخدرات، ويتحدث مع والده الميت الذي يشكل امتداداً لشخصيته المضطربة. وإن كان لا يريد إنقاذ العالم كبطل خارق، فإنه بكل تأكيد يسعى لإنقاذ نفسه، وتأرجحه بين الخير والشر لا يجعل منه إنساناً بقدر ما يحوله إلى شخصية تعاني اضطراباً اجتماعياً نفسياً حاداً (psychopath) على طريقة القاتل المتسلسل الشهير ديكستر مورغان في مسلسل "ديكستر". 

وبتجسيده شخصية "إليوت" تحول الممثل الأميركي من أصول مصرية، رامي مالك، إلى نجم معروف، مع ترشحه لجائزة "إيمي" العالمية، وتشكل ملامحه الغريبة، وأداؤه الجسدي للاضرابات الناتجة عن التعافي من المخدرات، أبرز ملامح القوة في تجسيده للشخصية، فضلاً عن تحكمه الشديد في طريقة الكلام الروبوتية التي لا تتغير مهما تغيرت حالته النفسية أو الشخصية الداخلية التي تتحكم فيه. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها