الأربعاء 2016/06/08

آخر تحديث: 14:33 (بيروت)

نجدت أنزور.. صوت الأسد وصورة الأبد

الأربعاء 2016/06/08
نجدت أنزور.. صوت الأسد وصورة الأبد
أربع تجارب فنية منذ 1993 أهلته للحصول على مكافأة انتخابه كنائب لرئيسة مجلس الشعب السوري
increase حجم الخط decrease
حين اتخذ الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد قراراً في الثمانينيات بتشكيل رأي عام "ممانع"، عبر التلفزيون، يظهر سوريا كدولة "مقاوِمة منذ الأزل"، كان المخرج نجدت اسماعيل أنزور فاراً من خدمته العسكرية. لكن المخرج الحذق، تلقّف الإتجاه الفني الجديد في البلاد، فعاد الى "بيت الطاعة" البعثي، وانطلق بمشوار جديد، بدأ بالإنصياع، وتطور الى المهادنة، ثم ركوب أمواج السلطة الفنية، وذلك عبر أربع محطات أساسية، أفضت به جميعها، الاثنين الماضي، الى موقع نائب رئيس مجلس الشعب السوري.

منذ بدايته، أدرك أنزور، ومعه عدد من المخرجين وكتّاب الدراما السوريين، أن استرضاء السلطة، لا يمكن تحقيقه إلا بالإنصياع لرغباتها. سار، وعدد من المخرجين، في الخط الدعائي. غير أنه، عرف أن الإسترضاء، كفعل محقّق، يستجلب الرضا، ولا يؤمن استدامته. فمضى لتحقيق الأول، وإجتهد لتكريس نفسه رأس حربة فنية لمواكبة حركة تأبيده الشخصية، بما يتواءم مع طبيعة نظام الأبد.

هكذا، تدرّج أنزور من ملحمة المقاومة الأولى، في "نهاية رجل شجاع"، الى فانتازيا الحياد واللالون الفني في ثلاثية "الجوارح" و"الكواسر" و"البواسل".. ومنها عَبَر الى صياغة رؤية النظام تجاه التطرف في "الحور العين" و"ما ملكت أيمانكم"، مستفيداً من مدّ عربي لمكافحته عقب غزو العراق، وليفترق بعدها عن العرب، الى "مملكة الرمال"، في العام 2012، حيث برز كناطق رسمي باسم انعزال النظام ومعاركه السياسية.

في كل محطة، كان أنزور يعول على دهائه الفني لرفع مرتبته في أوساط السلطة، وذلك لإدراكه "من أي تؤكل الكتف". الإنعطافة الأولى، لا تمثل أكثر من محاكاة لاتجاه النظام في زحمة مساعيه لتشكيل وعي جمعيّ يستند الى التاريخ كمحطة إنطلاق تكسبه الشرعية الممانِعة.

ومع تقسيم الادوار بين المخرجين، وتوزيع حصص جبنة الدعم الرسمي، لم يجد أنزور الا الحياد ملاذاً. كان يدرك أن الفانتازيا، هي بمثابة استراحة للمشاهد السوري أولاً في زحمة الضخّ الحربي التاريخي، وفرصة للخروج الى عالم رحب بين القنوات العربية المولودة حديثاً، يدرّ الاموال، ويسوق له خارج كادر السلطة. لكنه في الفعل نفسه، كان يرضيها، عبر حيادية مزعومة اعتمدها كوصفة سحرية للتمايز وتكريس الذات كرجل دعائي يخطط، ولا يشاكس، ويتمايز...

أنزور، بهذا الدور، أخرج العمل الدرامي الى مرتبة التعميم. وبه، خط اسمه كمخرج ناجح، يُعول عليه في أي تجربة فنية تريدها السلطة مدخلاً لكسب ودّ العرب، أو خصامهم. في تجربته الثالثة، قدّم النظام بصورة إجتهد كثيراً لتكريسها، وخذله تعاطيه السياسي والأمني بتسويقها في الأوساط العربية، بوصفه "أول ضحايا الارهاب، والنظام الأول في محاربته". وعليه، قفز أنزور فوق نظامه، الى ميدان أكثر رحابة، بوصف الإرهاب معاناة عربية جامعة، وذلك في مسلسل "ما ملكت ايمانكم".

غير أن الأزمة السورية، فرضت عليه كشف وجهه. لم يعد بوسعه التعميم. وصل الى مرحلة حسم خياراته في زحمة قوائم "الشرف" وقوائم "العار". صارت تجاربه عبئاً على خياراته. وعليه، اختار الانعزال في كنف النظام، صوته، وصورته. أخضع نفسه للاختبار الرابع في فيلم "مملكة الرمال"، ليقطف ثمراته. وتعد التجربة الاخيرة، أهم ما أدناه الى المكافأة التي أعلن عنها الاثنين الماضي، انتخابه نائباً لرئيسة مجلس الشعب السوري.

في انتخابه، رسالتان داخلية وخارجية. الأولى تقول إن النظام لا يترك أصدقاءه.. والخارجية، تفيد بأن النظام يكرس التنوع، من جهة بوصف أنزور "فناناً"، ومن جهة أخرى بوصفه يتحدر من أصول شركسية. لكن المكافأة هنا، هي نهاية تجارب انزور. تقاضى المكافأة، بعد رحلة انخراط بين تجاويف النظام وتركيبته المعقدة.

أما وقد وصل النظام الى مرحلة التفاوض على كل شيء، فإن أنزور بات جزءاً من الرزمة الأخيرة. وبينما كسب اللقب، فإنه خسر أي فرصة للتجريب، وبات محل نقد لتجربة أهلكته كمخرج مبدع، ولن تتوّجه كفنان عَبَر في التناقضات السورية وموروثها التاريخي، كمن سبقوه من رجالات الفن السوري الجامع.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها