الأربعاء 2016/04/27

آخر تحديث: 12:59 (بيروت)

قُمْ للمنصِّفِ

الأربعاء 2016/04/27
قُمْ للمنصِّفِ
طرقات دمشق المزدحمة
increase حجم الخط decrease
بل ويمكنك أن تبدع أيضاً. هلأ بتجي بتقلي أنه وين الإبداع حبيب بهالجو العجيب. لا المدير عم يدير. ولا العام للعوام. ولا الشركة الخاصة خاصة. هي خاصة عندما تدفع لوحدك تكاليفها ومصاريفها وأفكارها. وعند الأرباح تجد معك عشرات الشركاء.

حتى جمعية المكفوفين نازلة معك شريك. وطبعاً، الجمعية الحرفية لصناعة البوظة والحلويات التي تقبع في قبو بنايتنا الحبيبة نازلة شريك. حتى رفيقي الذي وعدته قدام بنايتنا بنقطة علامها الشهيرة تلك الجمعية نازلة شريك. ذلك أنه ظل ينتظرني لساعة أمام جمعية إغاثة الملهوفين من مرضى السكري. ولما قلت له على الموبايل مصححاً أنه نحن ببناية حُماة صانعي الحلويات نظر إلى نفسه بإعجاب كيف أن لاوعيه قاده إلى جمعية ضحايا الحلويات.

وكانت فكرته أن لا أنق. وأن لا أتأفف. بل قال لي أن أتخيل نفسي نائماً نوم الهناء على هيئة سائح في هاييتي بعد برونزاجٍ أخا أخته على البلاج.

واستيقظتُ ووجدتُ نفسي أرقص وأرقص وأرقص على الأوتوستراد السريع المؤدي لمصافحة عزرائيل. فقلت له ودمع العين يسبقني أنني لن أغادر البلاد. لن أغادر. العداد المعطل والعلاَّمة الشوفير وحضرة المدير اللي ما بيدير غير خده الأيمن لتلقي القبلات. لن أغادر شرطي المرور المتحول من نمر شرس يؤنب شوفير التاكسي إلى صوص أليف في مواجهة سيارة فخمة عابرة للقارات.

ومن قارة فيكتوريا إلى قارة المزة اوتوستراد لن أغادركَ يا أيها المنصِّف. فهل أتاكَ حديث المنصِّف. وما أدراك ما المنصِّف. إنه جدار عنصري عال. يفصل بين الحبايب اللي على اليمين والحبايب اللي على اليسار.

وعلى الرغم من المحاولات البائسة لاختراع وسائل وصل بين اليسار واليمين من أنفاق وجسور وأقواس قزح، إلا أنني وبطبيعتي السورية البحته الخالصة قررت أن أمخر عباب الاوتستراد، وأمر بين السيارات المسرع منها غير آبه بكاميرات وغير لاوٍ على رادار. والملتزم منها بسرعة 60 كيلو متر وهم يشتمون الكاميرات ويلعنون سنسفيل أجداد الرادار.

ما حدا منهم رضيان. فإذا وصلت إلى هدفي الأول ألا وهو المنصف سأشعر بالفخر والاعتزاز كوني قطعت نصف الطريق الصعب وعيوني تنظر بأمل إلى النصف الثاني من الأوتستراد. لكن الآن علينا تسلق الجدار. وأتابع المشوار حتى ينصِّف المنصِّفُ جسمي. فتكون رجلي اليمين على اليسار. ورجلي اليسار على اليمين. لذلك سمُّوه المنصِّف.

فقم للمنصِّف وفِّهِ التبجيلا. واقفزْ على ثبات. لأنني لو فقدت توازني لتحولت إلى راكب في سيارة الإسعاف. وقدَّامَكْ ثلاثة طرق. هيك فتحت لي الفنجان. إما المجتهد وإما المواساة. وكلاهما يؤديان إلى الثالث المسمى الآخرة، حيث يمكنك الوصول إليها في هذا الاوتستراد.

ومع ذلك أتابع المسير وأعبرُ بقدرة القدير. وأصل إلى بر الأمان. وأصافح صديقي المتسابق الذي سينزل مكاني الآن. ليبدأ رحلة الألف ميل في احتقار الجسور والأنفاق.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب