الإثنين 2016/03/14

آخر تحديث: 18:19 (بيروت)

قضية الزند: دولة تُدار في "فايسبوك"

الإثنين 2016/03/14
قضية الزند: دولة تُدار في "فايسبوك"
الزند يواجه هذه المرة ما يقوض شرعيته باسم شرعيته نفسها
increase حجم الخط decrease

لم يستغرق تراجع وزير العدل المصري السابق أحمد الزند أكثر من ثوانٍ، بعد دقائق من التهديد والوعيد. كان استعلاؤه متجاوزاً فكرة منصبه كوزير للعدل ورئيس لنادي القضاة. تخطاها إلى ما بدا انه مالك هذه القيمة "العدل" وهو يكيل الاتهامات والتحذيرات يمينا وشمالاً، تعليقا على الصحافيين والإعلاميين الذين يهاجمونه. انتفخت ذاته بموقعه وسلطته وقال "لو النبي نفسه غلط فيا هاحبسه"، ليتدارك سريعا بالاستغفار.

اللقاء العاصف عبر برنامج نزرة الذي يقدمه الإعلامي حمدي رزق على شاشة "صدى البلد"، اختزل في العبارة المغرورة دون التراجع عنها. واجه الزند مرمى نيرانه فأصيب بها. صار في موقع الاتهام حيث كان يتهم غيره، فأصابته هذه المرة دون رجعة.

دقائق قليلة فصلت بين تصريحه وانفجار مواقع التواصل الاجتماعي من جميع التيارات. الملتزمون تصدروا بوسم #إلا_رسول_الله، معتبرين الخطأ لا يمكن التغاضي عنه، خصوصاً أنه صادر عمن لا يتغاضى. المعترضون على وجود تهمة مثل "ازدراء الأديان" وجدوا في الانقلاب الشعبي على الزند فرصة مواتية تحت أي اعتبار.

لم يستطع الأزهر هذه المرة أن يلتمس العذر، بل إنه أصدر بياناً رسمياً على بوابته الإلكترونية، جاء فيه رفضه الواضح التعرض لاسم النبي في الأحاديث الإعلامية العامة، حتى ولو كان بطريق الخطأ. الزند هذه المرة يواجه ما يقوض شرعيته باسم شرعيته نفسها، ولذلك جاءت نهايته سريعة.

رئيس الوزراء المهندس شريف إسماعيل طلب من الزند أمس أن يتقدم باستقالته، وهو ما رفضه الزند، فلم يكن من إسماعيل إلا أن أصدر قراراً بإعفائه من منصب. هذه المرة الكارثة أكبر من التغاضي عنها. هذه المرة ليس غضباً نخبوياً، بل غضب شعبي على نطاق واسع يتحسس نتيجة الزج باسم النبي فيما ينتقص منه.

اللغة خانت الزند خيانتها الأخيرة في ما لا تراجع فيه، وهو ما أدركه جيداً في تصريحاته: "بالطبع غير مقصودة، استغفرت الله العظيم في التو واللحظة، وأقول لمن يفهم في اللغة العربية، إن هذا أمر افتراضي، ولا أحد يتاجر بمشاعري تجاه ديني وسيد الخلق عليه الصلاة والسلام".

السعادة الجماهيرية غير مسبوقة بإعفاء الزند على الرغم من تراجعه مرات ومرات. الوزير المثير للجدل بـتصريحاته الغريبة استطاع أن يستعدي المجتمع كله عليه، باستثناء بعض المقربين إليه. فخالد الجندي الداعية الأزهري المعروف طالب بعدم المزايدة على زلة لسان، والإعلامي أحمد موسى هاجم الدولة للمرة الأولى في تاريخ برنامجه ضارباً على وتر سيادتها قائلاً: "أول مرة أرى دولة تدار من فايسبوك".

يعتبر الآن أحمد الزند وزير العدل الثاني على التوالي الذي يقال من منصبه بسبب تصريح إعلامي تتبعه غضبة كبيرة على مواقع التواصل، بعد الوزير الأسبق محفوظ صابر الذي صرح قائلاً: "لا يمكن لقاض أن يكون ابن زبال". ما يدفع للتساؤل حول قوة مواقع التواصل الاجتماعي بما فرضته من مجال عام مواز.. وابعد منذ لك، يثير التساؤل حول أهلية الوزراء في مناصبهم، ومدى الفساد الذي استشرى في وزارة من المفترض أنها ميزان العدالة القانونية في مصر.

على أن الحادثة وتوابعها تنطوي على معايير شديدة الخطورة إذا تم النظر إليها بعين الاعتبار، بداية فإن عقوبة ازدراء الأديان وهذه الحساسية الشديدة تجاه التعرض لاسم النبي، لا يمكن أن تكون مسوغاً لأي عقوبة جنائية أو إجرائية. مثل هذه الإقالة تكرس لسلطوية دينية ترفضها النخبة الثقافية والسياسية. هنا الدولة تؤكد على أولوية التأويل الديني المؤسسي الرسمي.

وبعد هذه الإقالة، لا يمكن للفرحين بالتخلص من الزند أن يجدوا مبرراً لعدم حبس إسلام البحيري وفاطمة ناعوت اللذين يواجهان الحبس بسبب ازدراء الأديان.

الدكتور محمد سالم أحد علماء الأزهر، قال لـ"المدن" إن خطأ الزند لا يمكن التغاضي عنه حتى وإن كان زلة لسان، كي لا يفتح الباب للمغرضين والذين في قلوبهم مرض.

ما يقوله سالم هو الخطورة الأكبر. مما لم ينتبه إليه قطاع عريض ممن يكرهون الزند، أن مواقع التواصل الاجتماعي، ربما، استطاعت أن تتخلص من أحد أعداء الثورة الكبار، لكنها بتخلصها منه خلقت عدواً لا يمكن مجابهته وهو السلطوية الدينية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها