الجمعة 2016/02/05

آخر تحديث: 18:04 (بيروت)

كليب "القاهرة" وقد افتقر إلى "الكينغ" و"الهضبة".. والمدينة

الجمعة 2016/02/05
كليب "القاهرة" وقد افتقر إلى "الكينغ" و"الهضبة".. والمدينة
increase حجم الخط decrease
وجه القاهرة، لا يُرسم من بهو فندق شاهق الارتفاع. والتغنّي بملامحها، وما فيها من تفاصيل غنيّة، لا يليق أن يُفعل بتلك الركاكة والفقر الذي خرج به كليب "القاهرة" لفنانين هما، تقريباً، الأكثر شهرة وثقلاً في مصر، عمرو دياب ومحمد منير.

عمرو دياب الفنان الذي استطاع أن يحتفظ بشعبيته الكبيرة منذ الثمانينات حتى الآن، خرج بفيديو كليب معنون بـ"القاهرة" لتنشيط السياحة المصرية، على إثر ما عانته مصر من تدهور شديد بعد حادث سقوط الطائرة الروسية ووقف رحلات السياح إليها.

جرى التحضير للكليب وسط توقعات أسطورية من جمهور عمرو دياب لمشاهد غير تقليدية ولحن وكلمات قوية تمتزج لتصنع في النهاية أغنية تاريخية وساحرة و"قابلة للخلود" مثل أغنيات كثيرة انطلقت في تسعينيات القرن الماضي للفنان العجوز-الشاب الملقّب بالـ"الهضبة"، أغنيات ما زالت تحتفظ بحيويتها ومساحتها حتى الآن لدى الشباب الذين بات عمرو دياب في سن آبائهم.

وما زاد من "أسطورية" التوقعات الجامحة  لجمهوره، هو الإعلان منذ بدء التصوير في ديسمبر (كانون الاول) الماضي عن مشاركة الفنان الأسمر محمد منير الملقب بـ"الكينغ" في تصوير مشاهد الكليب كضيف شرف. وزاد الأمر حماسة لديهم أن الكليب سيمثل اللقاء الأوّل بين القامتين الغنائيتين، ومن ثم توقعوا أن يظهر في الأغنية مزيج غير تقليدي يمتزج فيه صوتان في الغناء، لكل منهما مذاق مختلف تماماً عن الآخر.

ومع وجود ميراث لكليهما من الأغنيات التي تتسم بطابع شعبي يمسّ الطبقات الاجتماعية البسيطة والمتوسطة، اتجهت التوقعات نحو قولبة الأغنية المنتظرة في تصوير الآثار والأماكن الجمالية مع تضمين مشاهد لوجوه مصرية عادية وملامح يومية متكررة للحياة الطبيعية لسكّان القاهرة. توقعات قد تبدو في ظاهرها نمطية، لكنها "عادية" إذا ما ارتبط الأمر بأغنيات تنشيط السياحة، خصوصاً أن أغلب نماذج تلك الأغنيات اعتمدت –مع اختلافات بسيطة - على توليف مشاهد من الحياة المصرية، وكان آخرها الأوبريت الغنائي "مصر قريبة" الذي استعان بعدد كبير من الفنانين، وهم يلعبون أدواراً منطقية في هيكل التفاصيل المصرية اليومية.

كل تلك التوقعات، تهاوت تماماً عند عرض الكليب لأوّل مرّة. بداية الاغنية من الناحية الموسيقية، تقليدية. يشعر المستمع كأنه سمعها مراراً في أغنيات عمرو دياب القديمة. وينتظر المستمع حتى ينتهي الكليب، فلا يجد نفسه قد فاز سوى بمشهد كليشيه عام وممل لنيل القاهرة وبعض الفنادق المطلة عليه. يليه مشهد آخر لبهو فاخر لأحد فنادق وسط القاهرة، يوحي تصميمه وزينته بالبذخ المتكلف والمبالغة التي أضرّت بالقضية أكثر من خدمتها.

كلمات الأغنية، وتقسيمها الموسيقي، متناسقة، لكنها خالية من الروح ولا ملمح للإبداع فيها. لا قفزات غنائية بإمكانها ان تحرك الروح أو تجذب السياح  إلى المدينة موضع التصوير.. إضافة إلى طريقة أداء متواضعة من الفنانين القديمين.

وحين تشاهد الكليب، تخطر في بالك بالضرورة مقارنة بين كليب قديم لعمرو دياب  باسم "رصيف نمرة 5" (من فيلم "آيس كريم في جليم")، ذو الانطباع الشعبي الخالص والصادق، وبين الكليب الأخير الذي تم تصويره في بهو فاخر لأحد فنادق القاهرة من دون ملامح صادقة ودون أي انعكاس لأي جماليات موجودة في القاهرة. في الواقع، لم تنصفها تلك الصورة المجوّفة المخزية التي لم يبذل لإخراجها أي مجهود واضح.

اختفى وجه القاهرة، كما اختفت جمالياتها وشوارعها الحقيقية. تفتقر في هذا الكليب إلى فنانين معجونين بتفاصيلها، واستطاعا بفضل عجينتهما تلك أن يتربعا على صدارة المشهد الموسيقي في مصر لسنوات غير قليلة بعدما لامست أغنياتهما السواد الأعظم من المهتمين بالغناء المصري.

وهنا، يصح التساؤل الأهم عن كيفية موافقة "الكينغ" و"الهضبة" على خروج الأغنية بهذا الفقر. هل توقعا أن يطغى اسماهما بما يحيط بهما من كاريزما وهالة شديد التأثير، على ركاكة المضمون وضعف الإخراج وفقر الإعداد؟ أم اعتقدا أن الأغنيات الوطنية يكفيها من الشرف أنّها تولد لأجل الوطن ولا تحتاج إلى ما تحتاج إليه بقية الأغنيات من إعداد حقيقي وجهد واضح وأداء مختلف لإبهار مستمعيها واستمرار التفافهم حولها كمعيار أساسي للنجاح الفني؟

وإذا كان الجميع يحتاجون للانتقاء الجيد والاعتناء بالخيارات، فإن الفنانين هم الأكثر حاجة لما تُثقل به أكتافهم من توقعات وجماهيرية وانتظار ما يليق بالثقة الموضوعة فيهم.


increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها