الإثنين 2016/02/29

آخر تحديث: 20:27 (بيروت)

الروبوت يدجّن البشر.. قريباً؟

الإثنين 2016/02/29
الروبوت يدجّن البشر.. قريباً؟
ثمة رسالة موجّهة إلى البنتاغون تحذّر من الذهاب بعيداً في صنع أسلحة تتمتع بذكاء اصطناعي مستقل
increase حجم الخط decrease
أنت تمتطي حصاناً تستطيع رفسة منه أن تذهبك إلى العالم الآخر؟ أنت تلاعب كلباً ذئبيّاً هجيناً ("شيان لو") فتقذف العصا ويحضره إليك كعبد مطيع بفكيه القادرين على تمزيقك إرباً؟ هل فكّرت في الثيران القوية التي تجر المحراث مطيعة السيد- الإنسان الذي تقدر على إفنائه بنطحاتها؟

كيف تقرأ مشهد السيرك، وهو ملخص كثيف عن وضع الإنسان على الأرض، حيث البشر بلا أنياب ولا مخالب ولا عضلات ضخمة، يتلاعبون بحيوانات تفوقهم في كافة مناحي القوة البيولوجيّة، وهم طائعون كعبيد في قرون غابرة؟

لا شيء يجعل تلك المشاهد مألوفة إلى حدّ نسيان التفكير فيها، سوى الذكاء المتقد في عقل البشر. تملك معظم الحيوانات أدمغة، لكنها لا تملك قدرة الإنسان على التفكير الذكي المتطوّر. هل ارتكب الإنسان "غلطة الشاطر"، وهي هذه المرّة ربما تكون بتريليون تريليون (وليس ألف) غلطة؟ لقد صنع الروبوت، وأعطاه كل ما يملك من ذكاء... بالأحرى أنّه يحاول أن يفعل ذلك جاهداً وربما... "جاهلاً" أيضاً. ويحدث أن تلك الآلات أصبحت خلاصة مكثّفة لأذكى العقول وللتجارب الأكثر ذكاءً على الأرض.

في المقابل، ما زال دماغ الإنسان على حاله منذ آلاف السنوات. ووفق ما لاحظه ذلك الكسيح الجسد والمتقد الذهن، عالم الفيزياء الكونيّة ستيفن هوكينغ، فإن عقل الإنسان محكوم بتطوّر بيولوجي بطيء تماماً، فيما تتضاعف قدرات الذكاء الاصطناعي لدى الروبوت باطّراد مذهل.

انقلاب في علاقة السيد والعبد

هناك فجوة تفتح فكّيها باتساع متزايد، بين ذكائين يتمددان على الكرة الأرضيّة: الذكاء البيولوجي للإنسان والذكاء الاصطناعي للروبوت. يزيد في اتساع تلك الفجوة أن الإنسان يبذل جهوداً لا تتوقف لينقل سمات الذكاء البيولوجي (حسناً، بالأحرى ما يستطيع معرفته عن ذلك الذكاء)، إلى الذكاء الاصطناعي. ويزيد في قسوة الفجوة أن الذكاء الاصطناعي لديه إمكانات مضافة لا يملكها الذكاء البيولوجي، بل أنه يجمع ذكاء عقول كثيرة (من أزمان متعددة وبأعداد كثيرة)، فيما لا يملك كل إنسان سوى ذكاء عقل واحد. ويتنقل الذكاء المتراكم في تلك الآلات، بطريقة تجعل كل آلة تملك كل الذكاء الموجود في الآلات كلها. 

إلى أين توصل تلك الفجوة المتزايدة الاتساع بين ذكائي البشر والروبوت؟ هل مبالغة القول بأن الزمن لم يعد بعيداً على ظهور روبوت يمتلك كل قوى الذكاء الاصطناعي المتطوّر، مضافاً إليها ميزات الذكاء البشري؟ (مرّة أخرى، يجدر الانتباه إلى أن البشر ينقلون إلى الروبوت كل ما استطاع الكائن الإنساني معرفته عن ذكائه وعقله عبر تاريخه كله، وهذا يوجب التشديد على وجود مناحٍ كثيرة يجهلها الإنسان عن ذكائه وعقله).

هل لم يعد الزمن بعيداً عن ظهور روبوت تكون نسبة ذكائه بالمقارنة مع البشر، هي مثل نسبة ذكاء البشر بالمقارنة مع الحصان والحمار والثور و... كل ما استطاع البشر تدجينه من حيوانات؟ هل يصبح الإنسان هو "المُدَجّن" لدى الروبوت؟ ربما يصلح مشهداً للسينما تخيّل روبوت يقذف بعصا لـ"المُدجّن" لديه (الإنسان، بصريح العبارة)، فيحضرها الأخير له بيديه ضاحكاً كعبد لم يتطوّر وعيه ليفهم عبوديته! مشهد سينمائي آخر؟ يدخل جمهور الروبوتات السيرك، حيث الروبوت بذكائه الاصطناعي المتطوّر يدير ويتلاعب بمجموعة من الكائنات البيولوجيّة المدجّنة التي لا تملك سوى ذكائها البيولوجي البطيء، بما فيها الإنسان؟

البطالة كمجرد بداية

في المؤتمر السنوي لـ"الجمعية الأميركيّة لتقدّم العلوم"، طرح موشيه فاردي، وهو مدير "معهد تقنيّات المعلوماتيّة" في "جامعة رايس" بولاية تكساس، سؤالاً مقلقاً: "قريباً ستتمكن الروبوتات من القيام بكل الأعمال البشرية. وحينها، ماذا يكون متروكاً للبشر كي يعملوا به"؟ وتداول المؤتمر أرقاماً تفيد بأن شخصاً من أثنين على وجه الأرض، سيكون عاطلاً عن العمل بسبب حلول روبوت مكانه، وتختفي خلال سنوات قليلة عُشر الوظائف التي تتطلب قيادة آلية للمركبات بأنواعها كافة، بسبب تطوّر الروبوت- السائق. "هل يحتمل الاقتصاد العالمي ذلك الوضع"؟ سأل فاردي بمرارة، مشيراً إلى الزيادة المتسارعة في الروبوتات العاملة في الصناعة في أميركا كنموذج عن ذلك الخطر.

ففي "بلاد العم سام"، هناك 200 ألف روبوت صناعي، وتتزايد باستمرار، لكنها تترافق مع تراجع مستمر منذ ثمانينات القرن الماضي، في فرص العمل في الصناعة، إضافة إلى ركود اقتصادي ضخم يجتاح الطبقات الوسطى.

ليس بعيداً من ذلك، أن عدد كانون الثاني- شباط من مجلة "فورين آفيرز" (الناطقة بلسان "مجلس العلاقات الخارجية" الأميركي)، خُصّص لمسألة "اللامساواة" Inequality اجتماعيّاً واقتصاديّاً في أميركا ومعظم الاقتصاديات الكبرى، وتضمن مقالاً موسّعاً عن الروبوتات ودورها في تلك اللامساواة.

في المقابل، لم تكتف مجموعة من العقول البشرية الذكيّة، خصوصاً تلك التي تتعامل بكثافة مع الروبوت والذكاء الاصطناعي، بأن يقتصر النقاش على مسألة الأيدي العاملة والبطالة، على رغم الأهمية الفائقة لذلك الأمر. وأشار البروفسور بارت سلمان، وهو اختصاصي في المعلوماتية من "جامعة كورنيل"، إلى أن البشر يعملون على نقل قوى كالسمع والبصر إلى الروبوت، ما يزيد قدرتها في الحلول بديلاً للبشر، كما يرفع أضعافاً مضاعفة قدرات الروبوت على... التفكير. وبكلمات لا تخل من المخاوف، سأل سلمان عن اقتراب اللحظة التي يفقد فيها البشر القدرة على التحكّم بالروبوت الذي ربما وصل إلى التفكير الذاتي المستقل. وتقاطع سؤاله مع ما أثاره هوكينغ عن بطء التطوّر في ذكاء البشر، مقابل تسارعه باطراد في الروبوت.

ويذكر ذلك أيضاً بأن الملياردير أيلون ماسك الذي يستثمر في مشاريع تقنية متقدمة كالسيارات الكهربائيّة وصواريخ الفضاء القابلة لإعادة الاستعمال، أطلق قبل سنتين مبادرة لإبقاء الذكاء الاصطناعي تحت سيطرة البشر، مشيراً إلى أن ذلك الذكاء ربما كان بخطورة السلاح النووي.

وقبل سنة تشارك ماسك وهوكينغ مع ستيف فوزينياك (وهو أحد مؤسّسي شركة "آبل" الشهيرة)، في التوقيع على رسالة موجّهة إلى البنتاغون تحذّر من الذهاب بعيداً في صنع أسلحة تتمتع بذكاء اصطناعي مستقل.

"حيث يكون الخطر، تكون النجاة أيضاً". تلك العبارة للشاعر الألماني هولدرلن، لم تفارق أبداً ذهن الفيلسوف الألماني مارتن هيدغر، الذي وضع أفكاراً كثيرة عن علاقة الإنسان بما يبتكره من أدوات ووسائل ومناهج وعلوم، يكثّفها الاستخدام الفلسفي لمصطلح "التقنية". لا يتسع المجال لتتوسع في شرح تفكير هيدغر بشأن التقنية، في ذلك المعنى، بما في ذلك نقضه التفكير التبسيطي لأرسطو، بل معظم التفكير الفلسفي آنذاك، بشأن التقنية.

الأرجح أن شيئاً كثيراً من تفكير هيدغر عن التقنية، حضر في أقوال من نظروا إلى أبعد من مشكلة البطالة المتصلة بالروبوت. وأبعد من ذلك، هناك من يرى أن قصور الإنسان عن فهم الأبعاد المتشابكة لظاهرة العقل الإنساني وذكاءه، ربما يكون باباً للنجاة. ويعني ذلك أن القصور يؤشّر إلى بقاء التفرد في ظاهرة العقل الإنساني وذكائه البشري. هل تصح تلك المراهنة؟ هل هناك أبعاد أخرى في عقل الإنسان (وربما دماغه أيضاً)، ربما تكون خشبة الخلاص من معضلة علاقته مع الذكاء المستمر التطوّر للروبوت؟ الأرجح أنها أمور تحتاج نقاشات مستفيضة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها