الإثنين 2016/02/15

آخر تحديث: 19:14 (بيروت)

القطط التركية: نجومية إعلامية تثير غيرة سياسيين وأكاديميين

الإثنين 2016/02/15
increase حجم الخط decrease
"توقفوا عن جعل الناس الأغبياء مشهورين". قد تختصر هذه المقولة الرائجة في وسائل التواصل الاجتماعي، الكثير من الردود على ما يتم نشره في الفضاء الإلكتروني هذه الأيام. غير أن الأكيد هو أن هذا العالم الافتراضي يضم ما هبّ ودبّ، وهو، في جميع الأحوال، مرآة للعالم الواقعي بجماله وقباحته، بذكاء أفراده وسطحيتهم.

نظرة سريعة إلى "تويتر"، تُعطي فكرة عن مدى صحة هذه المقولة في العالم العربي. فأحدهم يكفّر آخر لأنّه من غير دينه، وذاك يروّج للقيام بمجزرة في قرية ما، وتلك تنشر صوراً لجمالها.. الاصطناعي. فيما العالم التركي، مقارنة مع جاره العربي، يهتم بأمور أخرى عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وقرّر، في الأيام الأخيرة، أن يجعل آخرين يحظون بنعمة الشهرة، وانتقى لتلك المهمّة القطط.

أخذ بعض الإعلام التركي مع ناشطين في السوشيال ميديا، المقولة الرائجة على محمل الجدّ. وأفردوا لموضوع القطط مساحة بين زحمة الأخبار التي يُكتب عنها، وبدأوا الاضاءة على أخبارها، فكانت أشهرها تلك التي تعيش في المساجد.

ففي مقابلة مع وكالة الأناضول للأنباء، اعتبر إمام مسجد في اسطنبول، مصطفى إيفي، أنّ "المسلم مجبر أن يُظهر رحمة تجاه البشر كما تجاه الحيوانات". وكان إيفي قد حصل على شُهرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بعد نشره لصورٍ في "تويتر" تظهر القطط التي "تتعايش مع المصلّين" في المسجد. كما اعترف بأن هذه الصور كانت محل ترحيب من الأتراك وانتشرت بشكل كبير، وتم النقر على إحداها أكثر من مليون مرة.

وأفرد موقع جريدة "حرييت" التركي مؤخراً أخباراً ومقالاتٍ عن القطط في المساجد، وذلك بشكل غير معتاد من موقع سياسي إخباري مقرّب من الحزب العلماني التركي الذي يتحاشى، عادة، التطرق إلى المواضيع المرتبطة بالدين والمساجد. إلا أن بعض هذه المقالات لاقى استحسان القرّاء، وتم تناقله بشكل كبير في مواقع التواصل، حتى فاق انتشاره مقالات أكاديمية وسياسية.

أما عالمياً، فقد حصدت القطط التركية وأخبارها شهرة تعدّت الإعلام التركي، فأفردت مواقع مثل "هافنغتون بوست" و"نيوزويك" و"تلغراف" مقالات عديدة حول الموضوع. فباتت لبعض القطط مواقعها الإلكترونية وصفحاتها الخاصة ومعجبيها، بشكل تفوّق، ربما، على شعبية بعض السياسيين الأتراك.

وأشار معظم هذه المقالات إلى حياة قطة مميزة تعيش في متحف "آيا صوفيا" الإسطنبولي وتدعى "غلي". ولطالما أثارت هذه القطة فضول زوار المتحف من الأتراك والأجانب الذين يعمدون إلى نشر صورها عبر وسائل التواصل الاجتماعي. فيما كانت "غلي" واحدة من المشاهير المحببين لدى الأتراك عندما التقطت للرئيس الأميركي باراك أوباما صورة معها خلال زيارته للمتحف عام 2013. ولـ"غلي" صفحة خاصة في موقع "تامبلر" المخصص للصور، وقاعدة عريضة من الجماهير والمعجبين من تركيا ومن خارجها. ويتم نشر تقارير عنها بين الحين والآخر، كما تؤخذ كمثال أول في الإعلام الموالي عند الرد على انتقادات الجمعيات غير الحكومية التي تهاجم أحياناً تصرفات الحكومة تجاه الطبيعة والحيوانات. ويُظهر الإعلام التركي هذه الأيام ميلاً للاهتمام بمواضيع غير تقليدية، وهو الذي كان قد بدأ منذ فترة ليست بطويلة الإضاءة على أخبار وأحداث لا تتخذ من السياسية "الجافة" والكلاسيكية مواضيع لها. ومنها مواضيع تتعلق باكتشافات علمية وأثرية جديدة، وتقارير عن أفراد مميزين، ونشاطات محلية مغمورة. فيما تشكّل قطط المساجد والمتاحف واحدة من المواضيع البديلة والحديثة التي أخذت حيزاً مهماً في الإعلام التركي مؤخراً، كما أنها تميّزت بأنها لاقت قبولاً جماهيرياً واسعاً بعدما تم الترويج لها في صفحات التواصل الاجتماعي. 

من ناحية أخرى، قد تشير التقارير والمقالات عن القطط، وغيرها، إلى افتقار الحياة السياسية الداخلية التركية إلى الأحداث المستجدة والدراماتيكية التي تبثّ حيوية في عروق الإعلام. إلا أن الأكيد أن هذه التقارير تكشف أيضاً كيف يمكن للإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي أن يصنعا المستحيل، ويجعلا من أي شيء، مهما كان بسيطاً، محطّ شهرة، حتى وإن كانت مجرّد.. قطة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها