الأربعاء 2016/12/14

آخر تحديث: 19:34 (بيروت)

حلب في الإعلام الممانع: الأسد رئيس "الصليب الأحمر"

الأربعاء 2016/12/14
حلب في الإعلام الممانع: الأسد رئيس "الصليب الأحمر"
فجأة صار هناك مدنيون "أنقذهم" النظام في حلب.. وتدمر الداعشية هي الردّ الأميركي-التركي على "النصر" (غيتي)
increase حجم الخط decrease
رسالة موحّدة حملها خطاب إعلام المحور الحليف لنظام بشار الأسد، ضمن تغطيته الأخيرة لما أسماه بحدث "تحرير حلب" في عملية عسكرية وصفها بـ"النظيفة" و"لم تطاول المدنيين"، بحسب الشاشات والصحف والمواقع الإخبارية المنهمكة منذ يومين باحتفالات "النصر" وطقوس التهليل لـ"دحر الإرهابيين"، في أداء بدا أشبه بالرقص على الجثث وشرب أنخاب دم السوريين حد الثمالة، بعدما بلغ التعتيم المقصود على المجازر حد إنكارها، ونعت التقارير حولها بـ"المؤامرة"و"الأكاذيب الممنهجة".

المسار الذي اتبعه الإعلام "الممانع" في تغطيته لأحداث الهجوم الأخير على حلب، برز خلاله ما بدا وكأنه تقسيم للأدوار بين مختلف وسائل الإعلام المنضوية في كنفه، في مسعى لتغطية المشهد وإحاطته بأسلوب دعائي من مختلف الجوانب والزوايا، ما أظهر المحاولات المكشوفة لاستثمار ما أطلق عليه "النصر الاستراتيجي العظيم" في حلب، والتي هدف جزء كبير منها إلى التعمية على النكسة الكبرى التي أصابت نظام الأسد وحلفائه الروس في تدمر، بعدما اجتاحتها جحافل "داعش" في ساعات معدودة، تزامنت مع انشغال النظام السوري وحلفائه بالتهليل لتقدمهم بين أزقة حلب وإبادة ساكنيها. فيما لوحظ أن سقوط تدمر بيد "داعش" غُيّبت أحداثه عن وسائل إعلام هذا المحور بشكل شبه تام، ما استدعى لاحقاً إخراجاً دعائياً فوق العادة على المستوى الرسمي، تولى الرئيس السوري بشار الأسد شخصياً مهمّة تقييمه وتقديم مندرجاته ومسبباته خلال مقابلته الحصرية مع قناة "روسيا اليوم". فروّج الأسد إلى أن "الهجوم على تدمر جاء بمثابة رد على تقدم الجيش السوري في حلب"، وأن هدف الهجوم هو "تقويض الانتصار فيها. وفي الوقت نفسه تشتيت تركيز الجيش السوري على حلب لدفعه للانتقال إلى تدمر ووقف تقدمه، لكن ذلك لم ينجح".



مقابلة الأسد مع قناة الكرملين الأولى شكّلت مادة داعمة لجهود القناة ومحاولتها طمس ما كشفه سقوط تدمر من كذب النظام السوري وروسيا وإدعاءاتهما بمحاربة "داعش"، والتصويب بدلاً من ذلك نحو "هزم الإرهاب في حلب"، حيث "يضع الجيش السوري وحلفاؤه الآن اللمسات الأخيرة على عودة الشهباء إلى حضن الدولة السورية". وهذا ما يستتبع، وفقاً للقناة، أسئلة حول الوجهة التي ستسلكها الأوضاع، والكيفية التي ستستثمر فيها دمشق وحلفاؤها "هذا الانتصار الكبير"، مع تلويحها بأن "هزيمة الدول الداعمة للجماعات المسلحة"، قد تُقنعهم بالمضي نحو طاولة المفاوضات.

وأتى ذلك عقب ما نقلته صحيفة  "كمسومولسكايا برافدا" من تصريحات للمعلق العسكري الروسي فيكتور بارانيتس، الذي قال للصحيفة الروسية إنّ "روسيا ترجّح أن يكون جنرالات الولايات المتحدة تعمدوا السماح للإرهابيين بتشكيل قوتهم الضاربة والتحرك نحو تدمر، بعدما استعد هؤلاء للسيطرة على المدينة مسبقاً ودخل المئات منهم في نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي إلى المدينة كمدنيين مسالمين"، مضيفاً أن "الدعم الجوي والبحري الروسي لا يمكن أن يكون ضماناً للنصر على الإرهابيين، لأن النصر يجب أن يكون على الأرض".

الخطاب نفسه تلقفته قناة "الميادين" الإيرانية بقولها إن هجوم "داعش" الواسع على تدمر والبادية، هو نتيجة دفع أميركي وتركي لمحاولة الحد من تأثير انتصار حلب على نهاية الحرب في سوريا، معتبرة أن "واشنطن تراهن اليوم على إجهاض انتصار حلب، مضحية بما تبقى من مدنيين وجماعات مسلحة محاصرة يمكن توظيفهم في إذكاء نار الثأر لحلب".

وضمن ما يمكن وصفه بمحاولة تلميع صورة النظام السوري وتبرئته من استهداف السُنّة وسعياً للقول إن الهزيمة لحقت بـ"الإرهابيين" منهم فقط، بثّت "الميادين" حواراً حصرياً مع مفتي النظام السوري، أحمد بدر الدين حسون، الذي جاء ظهوره في هذا التوقيت بالذات مكملاً لرسالة سياسية ينحو النظام السوري نحو تكريسها عبر مختلف المنابر حيث يروّج، من خلال دفعه لحسون (المفتي السني الآتي من حلب) إلى واجهة الإعلام والحركة السياسية، بأن "الاعتدال السنّي" يقف إلى جانبه، وأن خطابه ومساره يهدف لإحلال التسامح والسلام وإقامة الإعمار في مواجهة القتل والدمار الذي يُلحقه "الإرهابيون" حيث حلّوا في سوريا. وهذا ما أكّد عليه حسون بقوله إنّ "الآذان سيعود ليُرفع في حلب، كما ستعود الكنائس والمصانع لهذه المدينة بعد 6 أشهر من طرد الجماعات المسلحة منها".


على أن ظهور شخصية غير سياسة أو عسكرية لبث رسائل تطمين للشعب السوري ولأهالي حلب تحديداً، رافقته تغطية استثنائية لـ"الميادين" من حلب تحت عنوان "توحيد حلب"، أفردت خلالها القناة مساحة للجانب الإنساني المدني لأفعال نظام الأسد، بتركيزها على أن الجيش السوري كان يُنقذ المدنيين المحاصرين بفعل نيران المسلحين الذين كانوا يستخدمونهم كدروع بشرية، وذلك بموازاة ترويجها بأن الجيش السوري كان يُخصص ساعات عديدة يومياً لإخراج المدنيين من مناطق النزاع في حلب، ضمن عمليات عسكرية "نظيفة جداً"، في ما يبدو وكأنه محاولة جلّية من القناة لإظهار سكان حلب وأهلها بأنهم لم يكونوا يوماً خارج الولاء للنظام، بل كانو رهائن في قبضة المسلحين.

في السياق نفسه راحت وسائل إعلام "حزب الله"، وعلى رأسها قناة "المنار"، تنسب لجيش النظام السوري دوراً إنسانياً يشابه دور "الصليب الأحمر"، وذلك بترويجها لخروج المدنيين نحو الحرية حيث ينتظرهم الأمان فور خروجهم من مناطق المسلحين. إذ تعمل الحكومة السورية، من خلال قواتها، وبحسب "المنار"، على نقلهم إلى مراكز إيواء في شرق حلب ليتم توزيعهم بعد ذلك على مناطق آمنة، وذلك بعدما "اقتصت حلب من قاتلي أطفالها ومشردي عيالها، وهزمتهم أشدّ هزيمة"، حيث تحولت المدينة، وفقاً للقناة، إلى "ميدان أطبق على الإرهابيين أيّما إطباق" وإن "حاول رعاتهم الأميركيين والأوروبيين والاقليميين استنقاذ أوراقهم بأوراق داعش، فما أفلحوا بالتضليل على بنيان النصر في حلب بأعمدة تدمر".

وفي حين تُجمع وسائل إعلام الممانعة على أن حلب تشكّل نقطة تحوّل أساسية في الحرب السورية، وستظهر تداعياتها في أكثر من مسار، تذهب في تقاريرها وتحليلاتها نحو الإيحاء بأن ما حصل في حلب، يكاد يكون المحطة الأخيرة في الحرب السورية، وكأن "انتصارها" في حلب هو النهاية التي ستقصم ظهر الثورة السورية. وأبلغ مثال على ذلك ما تضمنه خطاب "الميادين" بأنه "لن يكون بعد اليوم حديث عن ثورة أو معارضة معتدلة أو استهداف مدنيين وما إلى ذلك". 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها