الأربعاء 2016/11/09

آخر تحديث: 19:24 (بيروت)

"روسيا اليوم".. ترامب نصرها الثاني بعد لاري كينغ

الأربعاء 2016/11/09
"روسيا اليوم".. ترامب نصرها الثاني بعد لاري كينغ
لا بد أن ترامب يشعر بأنه مدين للروس في مساعدته للوصول إلى البيت الأبيض (غيتي)
increase حجم الخط decrease
سعادة غامرة مشوبة بارتياح ملحوظ أبداها الإعلام الروسي حيال فوز دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الاميركية، باعتباره مرشح الكرملين المفضّل، الذي سارع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليكون من أوائل المهنئين بما سماه "الانتصار الذي حققه ترامب"، ماداً يده إليه ومعبراً عن تطلعاته بعد وصوله للبيت الابيض إلى إعادة ترميم العلاقة الروسية الأميركية وجعلها أفضل مما كانت، بعدما وصلت إلى أسوأ مستوياتها في عهد باراك أوباما، وبعدما كان ترامب بدوره قد كال الكثير من المديح لبوتين إبان حملته الانتخابية ومن خلال ظهوره التلفزيوني، الأمر الذي اعتبره محللون ضعفاً في شخصية ترامب واستجابة لتملقاتٍ من بوتين، جعلته يستشعر عظمة شخصيته.

لا شك أن روسيا تبتسم بخبثٍ اليوم بعد الفوز الكبير الذي عبرت عنه نتائج التصويت لصالح الجمهوري ترامب، باعتباره تكليلا لنجاحٍ استغرق أشهراً من العمل الدعائي الدؤوب، بذلت فيه روسيا كلّ جهدٍ متاح من عمل استخباراتي وإعلامي في سبيل أن يصبح دونالد ترامب الرئيس الـ45 للولايات المتحدة.

"أحسنت يا بوتين"، غرّد السفير الاميركي السابق في موسكو، مايكل ماكفول، معبّراً عن مرارة سخريته من نتائج الانتخابات التي اعتبر أن "بوتين انتصر من خلال تدخله فيها وحقق مراده". وجهة نظر ماكفول لا يصعب فهمها، فالأدلة التي تدعمها وتؤكدها حقيقيّة ومتاحة، خصوصاً لمن كان يتابع أداء وسائل الاعلام الروسية، وبالأخص شبكة "روسيا اليوم" التي واكبت الحدث الانتخابي الأميركي بتغطية شاملة، وغزت بقوة حضورها وأدائها المشهد الاعلامي الاميركي عبر قناتها "آر تي أميركا" التي أضحت منافساً لكبريات وسائل الاعلام، بأدائها وبالتقنيات العالية التي تستخدمها وبالحضور الافتراضي اللافت في مختلف المنصات الاجتماعية، وذلك إلى جانب التغطية الكبرى والاستثنائية التي خصصتها منذ بدء الحملات الانتخابية للمرشحين وصولاً ليوم الانتخابات، لدرجة إظهارها وتوقفها عند أدق التفاصيل التي أحاطت بالسباق الرئاسي الاميركي، ما اعتبره مراقبون خطوة سبّاقة، تعكس درجة اهتمام القيادة الروسية بالحدث، كما لو أنها أحد المنافسين فيه.

وعلى الرغم من أن "روسيا اليوم" كانت قد أعلنت اعتمادها تغطية متمايزة، تتمثل في عدم تحيزها لأحد المرشحين وفي تعاطيها مع هذه الانتخابات من زاوية جديدة بعيدة من الأسلوب "التقليدي" لوسائل الإعلام الأميركية، وتقديمها قصصاً مختلفة الطابع لجمهورها ومتابعيها، ممن وصفتهم بالأذكياء الذين لن يرضوا بخداعهم أو تضليلهم. إلا أن المتابع للقناة يلحظ الجهد الكبير الذي وُضع من أجل التصويب المؤذي على هيلاري كلينتون، مع دعم وانحياز ضمني لدونالد ترامب، خصوصاً بعدما صار موقع "روسيا اليوم" بنسخه المختلفة وكأنه منبر لـ"ويكيليكس"، يضجّ بتسريبات حصرية لـ"فضائح هيلاري كلينتون"، حيث تُنشر محتويات رسائلها ورسائل رئيس حملتها في موقع "روسيا اليوم"، أولاً بأول، ما جعله صاحب الأسبقية الذي ينقل عنه الجميع.

الأذى الروسي الذي حذر منه مسؤولون أميركيون كثر جاء الاعلام فيه كرأس حربة مدببة وخزت عيون الأميركيين، وتركت آثارها الفاعلة في تشكيل وجهات نظرهم، وصلت حدّ زرع الشك في نزاهة العملية الانتخابية برمتها، والتي تعتبر أحد التعبيرات الاسمى عن الديموقراطية الاميركية، عدا عن صبّها الزيت على الخطابات النارية التي استعرت بين ترامب وكلينتون. مع التركيز، بالإيحاء حيناً وبشكل مباشر أحياناً، على تظهير كلينتون بأنها "امرأة فاسدة" و"كاذبة"، مستعرضين ما سمّي بـ"سلسلة فضائحها المتتالية"، تزامناً مع نقل تصريحات لنواب ومسؤولين روس، فيها مواقف متطرفة من كلينتون، مطلقين عليها لقب "المرشحة الملعونة" وأنها "ستجلب العار للولايات المتحدة في حال فوزها" وأنها "عجوز بالية غير قادرة على إدارة شؤون الدولة"، بينما في حال فوز ترامب فإن يوم الانتخابات سيصبح "اليوم الأهم في تاريخ العلاقات الروسية الأميركية".

فيما توجّت "روسيا اليوم" حملتها العدائية ضد كلينتون بإعادة بث المقابلة مع جوليان أسانج، التي أجراها مؤخراً الإعلامي الاسترالي جون بيلغر، من دون أن تنسى التنويه بأن بثها لأول مرة حصد أعلى نسبة مشاهدة خلال العام 2016، وأعادت التذكير بمقتطفات من اتهامات أسانج لكلينتون بكونها على دراية بأن دولة قطر والمملكة العربية السعودية تمولان "داعش"، وبأنها كانت تغض الطرف عن هذا التمويل. وتزامناً مع إعلان فوز ترامب، وسّعت "روسيا اليوم" هجومها لتطاول النخبة السياسية الأميركية قاطبة، متهمة إياها بجهلها وعدم فهمها لتوجهات المجتمع الأميركي واهتماماته، معتبرة أن المواطنين الأميركيين قد نقلوا عكس نواياهم الحقيقية في الاستطلاعات، تعبيراً عن خوفهم من المؤسسات التي تقف خلف كلينتون، بينما عبروا عن ميولهم الحقيقة بالتصويت بكثافة لترامب.

ترامب الذي استفاد لأقصى حد مما نشرته وبثته "روسيا اليوم" من تسريبات "ويكيليكس"، لا بد وأن يشعر بأنه مدين للروس بشكل رئيسي بمساعدته بالوصول إلى البيت الأبيض. وتوضح مواقفه المتسامحة تجاه سياسة بوتين في القرم وأوكرانيا وسوريا ونيته السعي لرفع العقوبات عن روسيا، عن الكيفية التي ينوي من خلالها سداد هذا الدين والمعروف، ما قد يحوّل الحرب الباردة التي كانت قد بدأت تظهر تجلياتها في أواخر عهد أوباما إلى سياسة الدفء والإرضاء، بعدما أظهر ترامب نيته الارتماء في أحضان بوتين. كل ذلك كنتاج لاستخدام القوة الناعمة المتمثلة بالاختراق الإعلامي الذي مثلته "روسيا اليوم" في العمق الأميركي، وذلك بابتعادها عن الدعاية المباشرة غير المدروسة، التي كان يعتمدها الاتحاد السوفياتي سابقاً تجاه الولايات المتحدة والغرب، ما يعكس إدراك بوتين لأهمية وحساسية اللغة والخطاب الذي يجب اعتماده مع الولايات المتحدة ضمن التكتيك الإعلامي والدعائي الذي اعتمدته قناة الكرملين الأولى "روسيا اليوم"، خصوصاً لناحية قدرتها على استقطاب وجوه إعلامية بارزة مثل لاري كينغ، الذي أمضى 25 عاماً في شبكة "سي إن إن"، لينتقل في العام 2013 إلى المقلب الآخر، فيصبح من أبرز وجوه فريق "آر تي أميركا"، ما جعله مثل حصان طروادة، إذ نجح في قلب المعركة الرئاسية رأساً على عقب تنفيذاً لمخططٍ إعلامي روسي بارع. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها