الأحد 2016/11/27

آخر تحديث: 17:47 (بيروت)

أكاذيب "فايسبوك" أنجحت ترامب؟!

الأحد 2016/11/27
أكاذيب "فايسبوك" أنجحت ترامب؟!
عمد بوتين إلى ضخّ سيول من الأخبار المُضلِّلَة للتأثير في عقول شرائح واسعة من الشعب الأميركي (يو بي آي)
increase حجم الخط decrease
هل نجحت ماكينة روسيّة في تسخير "فايسبوك" لصالح ترامب؟ هل وصلت أصابع بوتين إلى عمق الاستخبارات الأميركيّة؟
إنس زلزال وصول المرشح الشعبوي دونالد ترامب إلى سدّة الرئاسة في أميركا. إنس مشهد بلاد "العم سام" المنقسمة عشية نجاح ترامب بين المتظاهرين في شوارع المدن الأميركيّة ومؤدّي التحية النازية لترامب في مؤسّسة سياسية لليمين المتطرف في الحزب الجمهوري. إنس كل ما رأيت عن الانتخابات الرئاسيّة في الولايات المتحدة. فكّر بصفحتك في "فايسبوك"، تلك التي تلحقك على مدار الساعة أيضاً على هاتفك الخليوي. تذكّر أنك تضع تفاصيل حياتك كلها عليها (هل فكّرت لماذا تفعل ذلك؟)، وأن "فايسبوك" صار يعرف عنك أكثر مما تعرف عن نفسك. هل ذلك المارد الذي خرج من قمقم الشاشات إلى حياتك، جدير بأن تأتمنه على عقلك الذي يدير شؤون حياتك كلها؟

إذا كنت تعتقد أن الإجابة هي "نعم" كبيرة، إذا كنت ممن يعتمدون على السوشال ميديا لمعرفة مجريات الأمور في العالم، ربما آن الوقت كي تعيد النظر نقديّاً في تلك الممارسات كلها. على الأقل، هنالك تسونامي هائل يجتاح الإعلام الأميركي حاضراً مفاده أنّ فلاديمير بوتين استخدم ببراعة ودهاء، منصّة "فايسبوك" كي يؤثّر في الانتخابات الأميركيّة.

وعمد بوتين إلى ضخّ سيول من الأخبار المُضلِّلَة (Disinformation) للتأثير في عقول شرائح واسعة من الشعب الأميركي. وضُخّت تلك الأخبار بكثافة على مدار السنة الانتخابيّة، خصوصاً فترة الحملات الرئاسيّة، كي ترسم صورة سلبيّة عن هيلاري كلينتون والرئيس باراك أوباما، فأفادت ترامب بصورة غير مباشرة، بمعنى أنه صار مرشحاً ضد شخصيّات سلبيّة هُشٍّمَت صورتها في أذهان ملايين الأميركيّين. 

"ويكيليكس" والرابط الروسي!
ربما الأبرز في ذلك التسونامي هو مقال نشرته "واشنطن بوست" تحت عنوان "جهود البروباغندا الروسيّة ساعدت في نشر أخبار ملفّقة أثناء الانتخابات، وفق خبراء". إذ أوضحت "واشنطن بوست" أن ماكينة البروباغندا الروسيّة في الانترنت، تضمّ آلافاً من شبكات الكومبيوتر المُسَيْطَر عليها سلفاً (تسمّى "بوت نِت" Botnet، وتحصل السيطرة عبر هجمات "هاكرز" و/أو زرع فيروسات في عمق برامج تلك الحواسيب، فتكون تحت السيطرة من دون علم مستخدمها)، وفرقاً من متصيّدي الأصوات مدفوعي الأجر (وهو أسلوب ابتكرته بكين ويسميّه الصينيّون "حزب الخمسين سنتاً" في إشارة إلى ضآلة المبلغ المدفوع الذي يصبح مفيداً كلما تكرّر أكثر)، ومجاميع من الصفحات والحسابات في السوشال ميديا وغيرها. 

وأوردت "واشنطن بوست" أن مجموعة صغيرة من خبراء في "معهد بحوث السياسة الخارجيّة" دأبت منذ 2014، على تتبّع ماكينة البروباغندا الروسيّة المختصة بالتأثير في آراء الأميركيّين. ورصدت أن تلك الماكينة عمدت إلى اختراق كومبيوترات عن العمليات الانتخابيّة في ولايات معيّنة، وسيطرت عليها ثم استخدمتها في ضخّ مجموعات من الرسائل الإلكترونيّة المقرصنة أصلاً من البريد الإلكتروني للمرشحة الرئاسيّة هيلاري كلينتون.

وأوضحت الصحيفة أن مجموعة خبراء "معهد بحوث السياسة الخارجيّة" لاحظت أن الهدف الرئيسي من جهود الماكينة الروسيّة تمثّل في ضرب الثقة بالمؤسّسة السياسيّة الأميركيّة، وهو العصب الرئيسي في المزاج الشعبوي الذي أوصل ترامب إلى الرئاسة. 

ويدفع مقال "واشنطن بوست" إلى التفكير بأشياء من نوع أن الرسائل الإلكترونيّة المسرّبة من حساب هيلاري كلينتون، كان لها حضور وازن في الحملة الانتخابيّة، بل كانت نقطة ضعف مكشوفة في حملة كلينتون. هل هناك خيط روسي ربط بين توقيت ظهور تسريبات "ويكيليكس" عن بريد كلينتون في أسبوع الاقتراع، ومعاودة جهاز "أف بي آي" الأميركي للاستخبارات، نبش قضية كلينتون وبريدها في ذلك الوقت عينه بالتحديد؟ هل هناك رابط روسي، يمتد أبعد من الانترنت والسوشال ميديا؟

صراع على الخيال الشعبي
حتى قبل الانتخابات، نشرت مجلة "تايم" الأميركيّة مقالاً تحليليّاً عن "السمّ الذي ضخّه ترامب" في السياسة الأميركيّة. وأشار كاتب المقال، جو كلاين، إلى أن حملة ترامب أظهرت وجود "إمبراطوريّة إعلاميّة" تضخّ "وحولاً شعبويّة" أساسها صحف مثل "وول ستريت جورنال" وأقنية تلفزيونيّة مثل "فوكس نيوز" الوثيقة الصلة بالملياردير الشهير روبرت مردوخ. 

ويعرف عن مردوخ أنّه إمبراطور إعلامي يملك أقنية مثل "سكاي نيوز" و"فوكس نيوز" و"ستار" وغيرها. وكمثال على الفضائحيّة، يعاني مردوخ منذ 2011، في القضاء البريطاني بسبب قضيّة تنصّت على هواتف إعلاميين ثبت تورّط صحيفة "نيوز أوف ذي ورلد" فيها، وهي مملوكة له، بل تمثّل 1% من إمبراطوريّته الإعلاميّة.

وتوقّع المقال نفسّه استمراريّة الأثر السام المتولّد من سيطرة مجموعة صغيرة تملك أموالاً كثيرة ومنافذ إعلاميّة حديثة وجمهوراً مُصدِّقاً؛ حتى لو لم يكن كبير الحجم؛ على المجتمع الأميركي الذي صار مجتمعاً "ميديا"، بمعنى شدّة تأثّره بوسائط الإعلام العام، خصوصاً التلفزة ومواقع الانترنت، على غرار معظم المجتمعات الغربية، بل ربما عالميّاً أيضاً.

وبعد الانتخابات، عادت المجلة نفسها لتشير إلى أن شريحة واسعة ممن صوّتوا لترامب كانوا جمهوراً ضيّق الأفق بمعنى محدّد: أنهم يعتمدون أساساً على مواقع السوشال ميديا في الحصول على الأخبار، بالأحرى تلك الأشد قدرة على إحداث الدهشة والخروج عن المألوف، ولا يهتمون بالتقصي عن صحة ما يقرأونه على الشاشات. وأعطت المجلة أمثلة عن ذلك المزيج من السطحيّة والتطرّف، بالأخبار عن أداء أوباما صلوات إسلاميّة سراً في البيت الأبيض، وأنّ التمويل الأساسي لهيلاري كليتنون يأتي من السعودية لضمان عدم نشر وثائق "تبرهن" أن المملكة وراء ضربات الإرهاب في 11/9 وما إلى ذلك.

يلفت النظر أن الاستياء من تدني وعي جمهور السوشال ميديا برز في أوروبا أيضاً، عبر دراسات نشرتها صحف فرنسيّة، خصوصاً "لوفيغارو" المحافظة و"ليبراسيون" اليساريّة، برهنت رداءة الأخبار المتداولة في السوشال ميديا، وتطرّفها في مخاطبة الأهواء الغرائزيّة، وتدني مصداقيتها وغيرها.

لكن شيئاً لا يشبه ذلك الإعصار الذي أطلقته صحيفة "واشنطن بوست" أخيراً. إذ نشرت تقريراً صادراً عن مجموعة ناشطة على الانترنت، وصفتها الصحيفة بأنها تجمع لخبراء في المعلوماتيّة والشؤون العسكريّة والسياسة الخارجيّة، تحمل إسم "بروب أور نات" PropOrNot، وهي لا تنتمي لأي من الأحزاب السياسيّة الأميركيّة. وأشارت الصحيفة إلى ما نشرته تلك المجموعة في موقعها الشبكي عن الجهد الروسي في تضليل الرأي العام الأميركي أثناء الانتخابات. حمل تقرير مجموعة "بروب أور نات" عنواناً ملفتاً هو: "روسيا تتلاعب بالرأي العام الأميركي عبر بروباغندا على شبكة الانترنت".

واستخدم بحّاثة "بروب أور نات" أدوات تحليل البيانات لتقصي الجذور الأولى التي انطلقت منها سيول التغريدات والتدوينات المحمّلة بالأخبار المفبركة. وتبيّن أن تلك "الأخبار المضللة" لاقت رواجاً مذهلاً في "فايسبوك" بوجه خاص، بمعنى أنها قُرئت قرابة 213 مليون مرّة. وكذلك تبيّن أن ذلك التزييف كان ينطلق بشكل ممنهج ومتواقت، خصوصاً خلال موسم الانتخابات، عبر قرابة 200 موقع تدأب على الترويج للبروباغندا الروسيّة وفبركاتها، إضافة إلى ترويجها لتسريبات "ويكيليكس" بشأن البريد الإلكتروني لهيلاري كلينتون. واتّضح أن تلك المواقع ركّزت طوال الوقت على شريحة من 15 مليون أميركي، وهو أمر يبدو فائق التأثير في انتخابات حسمت بفارق يقل عن الشعرة في ولايات حاسمة، مثل بنسلفانيا وويسكونسن وأوهايو وميتشغن.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها