الأربعاء 2016/11/02

آخر تحديث: 18:17 (بيروت)

نقاش "الافتراضي والثورة" للجموسي: مَن نحن في العالم الموازي؟

الأربعاء 2016/11/02
نقاش "الافتراضي والثورة" للجموسي: مَن نحن في العالم الموازي؟
شوكت آشتي: هل يمكن القول إنّ الافتراضي أحدث تأثيرات وتحولات كبيرة في المجتمع العربي؟ (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
الدور البارز الذي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي في نجاح الثورات العربية وما شكلته من تهديد للأنظمة الحاكمة في البلدان العربية جرّاء وقع الافتراضي وأثره في إنتاج القوّة وإعادة توزيعها، لا سيما بعد انكشاف دوره في الثورات وما قبلها أيضاً، سلّط الضوء على مسألة مركزية بأن السياسة في أثناء الثورات العربية وبعدها، أصبحت متاحة للجميع ومن فعل الجميع، من خلال الجمعيات والقوى المدنية التي تلجأ لوسائل الاتصال، ولا سيما الانترنت، في تحركاتها الميدانية داخلياً وخارجياً، وفي فعل الانتفاض على السائد والثورة على الأنظمة القائمة.


الرؤية هذه انطلق منها الباحث التونسي جوهر الجموسي، الحائز على دكتوراه في علم الاجتماع ورئيس الجمعية التونسية لقانون الانترنت، في كتابه "الافتراضي والثورة، مكانة الانترنت في نشأة مجتمع مدني عربي"، الصادر حديثاً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، والذي يسلّط الضوء من خلال فصوله الثلاثة على تعاظم شأن الافتراضي في مجتمع المعرفة، حتى في البلدان الأقل تطوراً. ويشرع الجموسي في هذا السياق بدراسة علاقة الوسائط الافتراضية بالممارسات الاجتماعية وارتباطها بالحياة السياسية والحياة المدنية، حيث أن الشبكة العنكبوتية قضت على مفهوم الزعامة في السياسة والمجتمع وحولت المجتمع نفسه إلى مجتمع شبكي.

الدبلوماسية الرقمية
لكن هذا الطرح يقود نحو سلسلة أسئلة وإشكالات، خصوصاً لناحية مقاربته لقضية شائكة وجدلية، تحتمل لدى البعض الكثير من الانتقاد والرفض، كون الاعتراف بالافتراضي كقوة صانعة للمدني أو السياسي مسألة لم يتوقف النقاش حولها، وهو الأمر الذي انطلقت منه الندوة النقاشية حول الكتاب، التي نظمها "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، مساء الثلاثاء، وأدارها الباحث في علم اجتماع المعرفة، فردريك معتوق، وشارك فيها كل من الباحث في علم اجتماع الاتصال نديم منصوري والباحث في علم اجتماع السياسة شوكت آشتي، وبحضور مؤلف الكتاب، الباحث جوهر الجموسي.

وإذ رأى الباحث نديم منصوري أن الكتاب "جديد إشكالي وعلمي"، اعتبر أن إصداره جاء في اللحظة السوسيولوجية الراهنة والمناسبة، التي حملت الكثير من التساؤلات والكثير من الأجوبة لما يطرحه الباحث في كتابه. لكن ما كان ينقص الكتاب، من وجهة نظر منصوري، هو ضرورة الالتفات إلى مفهوم الدبلوماسية الرقمية، والذي هو أحد المفاهيم التي تتمثل بتحقيق الاتساق والاندماج ما بين الدبلوماسية والتنمية، إذ اعتمدت كل من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا على تطبيق مفهوم الدبلوماسية الرقمية خصوصاً في الحديث عن الثورات العربية. كما انتقد منصوري عدم التفات مؤلف الكتاب في حديثه عن التحالف الكوني، إلى مخاطر هذا التحالف الذي قد يحتوي أشكالاً جديدة من الاستعمار، في حين تعزز هذه المخاطر الجمعيات والمؤسسات العالمية التي تحرص على تدريب الشباب في العالم العربي على آليات التحول الديموقراطي من خلال الوسائط الالكترونية. وذلك إلى جانب عدم ذكر المؤلف التنبّه الإسرائيلي إلى المجال السيبراني من خلال ما بات يُطلق عليه في إسرائيل منذ عام 2012 "اتجاه الرؤية الجديدة لفحص المعطى".

الثورة.. نظريةً وإجرائية
ومن منظورٍ اجتماعي وسياسي قدّم الباحث شوكت آشتي تقييماً للكتاب المذكور، بوصفه أحد الإصدارات التي تعكس جرأة علمية ولا تصعب ملاحظة مدى الجهد الكبير المبذول في العمل عليها. وأثنى آشتي على تحرر الكتاب في توصيفه للحراك الشعبي، من الأحكام النمطية، التي تُعيد كل حركة احتجاج في أي قُطر من أقطار الوطن العربي إلى العوامل الخارجية، بما فيها من تحكّم لنظريات المؤامرة والاستعمار، وهي النمطية القاسية والمظلمة والظالمة التي يتخطاها الكتاب، لاعتباره أن حركة الاحتجاج الشعبي تعود إلى ما يمكن أن نسميه طبيعة النظام الاستبدادي، الذي يهمين على كرامات الناس وينتهكها وينتهك حقوقهم ويُطبق على نفوسهم. وعليه ينحى المؤلف إلى إبراز دور الإعلام البديل ووسائل التواصل ودورها الايجابي في متابعة أحداث الثورات.

لكن السؤال الاهم في هذا الإطار، يتمثل، وفقاً لأشتي، حول ماهية الفرق ما بين المفهوم الإجرائي والمفهوم النظري للثورة. وبرأيه كان الأجدى بالكتاب أن يكتفي بالمفهوم الاجرائي للثورة بما يحمله من مصطلحات الحراك الشعبي والاحتجاجات الشعبية و الانتفاضات الشعبية، إذ "لمفهوم الثورة مقاربات أخرى، وسيكون لنا خلافات جوهرية حول الكتاب الذي لم يتطرق إلى مفهوم الثورة بالمعنى النظري".

"لأننا مجتمعات لا تنتج عِلماً.."
من جانب آخر، يأخذ أشتي على الكتاب مغالاته في قياس دور الافتراضي واتسامه بنظرة تفاؤلية مفرطة تجاه الافتراضي وما سيحدثه في الواقع المجتمعي العام. فهل يمكن القول إنّ الافتراضي أحدث ويمكن أن يُحدث تأثيرات وتحولات كبيرة في المجتمع العربي؟ يرى أشتي أن لذلك محاذيره في الوطن العربي "لأننا مجتمعات لا تنتج علماً، وهي خارج العلم وقضايا العلم، بالتالي فإن تطور الافتراضي في هذه المجتمعات قد لا ينعكس إيجابياً على إحداث تحولات نوعية في طبيعة هذا المجتمع، ما يجعل استخدامنا للمجال الافتراضي شكلياً وسطحياً". كما أن "التحولات التي أحدثتها الثورات العربية، بما يخص المجال الافتراضي، محدودة مقارنة بالتطور الذي تشهده تكنولوجيا الاتصال، عدا عن أنه لا يمكن أن نقول أنه يبقى لتكنولوجيا المعلومات والاتصال والاعلام الالكتروني بكل تلويناتها الدور الرئيس في تحقيق الثورات العربية التي رسمها أبنائها بدمائهم وأرواحهم".

"الكتاب هو مجرّد محاولة في تناول هذه المسألة المتحركة والمتغيرة التي يصعب الإمساك بها ورصدها"، يقول الباحث الجموسي في سياق ردّه على مجموع التساؤلات والانتقادات التي وجهها الباحثان منصوري وآشتي. ويشرح أن قضية الثورات هي قضية شائكة جدا، خصوصاً وأن "هناك من يعتبرها انقلابات عسكرية أو مدنية حرّكتها أطراف خارجية"، قائلاً إنّ "هذه المسألة تتجاوزني في مستوى التقييم الشخصي، في حين أن ما حاولت الوقوف عنده من خلال هذا الكتاب، هو مسألة الافتراضي ودوره في الحراك الاجتماعي ومدى قدرته على التغيير الاجتماعي وعلى تغيير الأنظمة السياسية في بعض البلدان العربية".

وفيما يؤكّد الجموسي على تفاؤله بدور الفرد الافتراضي، يقول "إن كان الكتاب يقع عليه مبالغة في دور الافتراضي، فالأيام بيننا ستؤكد أن دور المجال الافتراضي في المقبل من السنوات سيكون أخطر بكثير من خلال انتشار انترنت الأشياء أو الجيل المقبل من الانترنت، وسيكون للافتراضي دوراً أكثر تأثيراً وفعلاً، لا سيما مع تغيّر الأجيال ووصول أجيال جديدة، هي أجيال الاعلام الجديد والانترنت". كما أن هذا الكتاب هو "محاولة لقراءة الدور الافتراضي في المستقبل انطلاقاً من دور المجال الافتراضي في الحراك الاجتماعي العربي، وتحديداً في تونس ومصر"، ويكفي أن نتوقف هنا عند ما أعلنه مؤسس "فايسبوك" مارك زوكيربرغ بقوله: "لم أكن أتوقع بتاتاً مثل هذا الدور الثوري لفايسبوك". 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها