المعرفة كوجبة سريعة مغلّفة بالقلَق

يُكتب الخبر المُرسل بلغة تشويقية مستهدفاً فضولك كي تعرف أكثر من الأسطر المُرسلة. كأن تقرأ خبراً سوريالياً: "ميريام كلينك رئيسة جمهورية لبنان!"، ويذيّل الخبر بدعوة لمتابعته على الموقع الإلكتروني للمُرسل.

يتدرج الخبر العاجل ليصل مرتبة اللغز بعدما كان قد مرّ بالأشكلة، وزُيّن بعلامات الإستفهام والتعجّب. وفي أوقات أخرى تتم صناعة الخبر على طريقة إعلان يوم القيامة، بحيث لا يمكن تفاديه كخبر "لن يبقى حجراً فوق حجر في لبنان.. تابعوا التفاصيل في النشرة المسائية". 

تهدف هذه الصناعة المبتذلة الى استفزاز القارئ على متابعته حيث ينقله بمعرفته من العجلة الى الرويّة،  فيموت الخبر العاجل بمعرفته. لم تعد معرفته ضمن أحكام الضرورة. رويداً رويداً، يتكشّف الضروري والعاجل، ويفقد الخبر تشويقه وكل الإضافات التي شُحن بها بغية استقطاب قارئ متمهّل، فكلما أبديت لامبالتك لهذه المعرفة، كلما بات الخبر خبراً، ونجا من معرفته. إن المعرفة هنا لا تأتي على عجل، بل الخبر يراوح في وقته ويُستنزف في معرفته الآنية.

في ظل الخبر العاجل ومعرفته، باتت المعرفة آنية وتفصيلية وغير ضرورية. لطالما أنها تحاصرك من كل حدب وصوب وتصلك بالعجلة المفتعلة وترديها بمعرفتها. معرفة كوجبة سريعة بحيث لا تحتمل التأخير أو التأجيل لالتهامها! معرفة مغلّفة بالقلق. معرفة واهمة تبتغي التحريض أداة لنيلها. فكيف لا وانت إن لم تعلم أن الفنانة الفلانية قد أجرت عملية في موضع حساس من جسدها، يمكن ان لا ترى الصباح القادم أبداً!

للمعرفة من النوع هذا، ما عليك سوى الضغط على الرابط المرسل إليك أو متابعة منتجيها عبر موادهم الإعلامية. معرفة مربوطة ومشروطة في نفس الوقت. المعرفة الآنية المركبة وغير الضرورية، تربط هاتفك بمواقع التواصل و/أو التلفاز. معرفة وسيطة وطموحة يُراد لها أن تصبح الخبر بذاته. خبر لا مبتدأ له سوى ابتذال أي حدث. 

يشترط المنتج/المرسل خبره بالعجلة، ويدمغ رسالته قبل توضيبه بضرورة المعرفة: "إعرف أو إلا..."، أو إلا ماذا؟ يعلل المرسل أسباب الضرورة بحجة كن أول من يعلم. لكن المُرسَل اليهم هم أوّلون كثر. لقد خدعك المرسِل مرة أخرى. 

 يمكنك الآن متابعة الخداع كأخبار متنوعة تعود لمشاهير أو سياسيين تطاول تفاصيلاً لا تخطر لك ببال، أو أخبار الطقس وأحوال الطرقات، أو ربما ترهات مختلفة، أو أخبار آخر ضحية.. كما يمكنك متابعة الحرب مباشرة تحت شرفتك او في الحي المقابل أو في أي دولة اخرى نالت حصّتها من الحرب والمعرفة معاً. 

تبدو هذه المعرفة دموية بأغلبها إذ تستحضر القتل من أينما أتى. تُصدّر لك أعداداً بالجملة والمفرق عن الموت المتجول على الطرقات وفي الأحياء وحتى ذاك الموت الذي قد يكون بجانبك يجول عمارتك ويدخل بيوتها من باب العنف المنزلي. الدم السائل من هذه المعرفة سلفة لمنتجها يصرفها في سوق "الرايتنغ" التصنيفي. معرفة يحوز بها على أعلى نسبة من المستهلكين الشرهين. معرفتنا هنا أضحت كبسة لايك أو متابعة رابط ما او مشاهدة تلفزيونية.

معرفتنا، هي أرقام مكدّسة في خانة المشاهدين. معرفتنا سلعة يُعاد بيعها للمعلنين. 

معرفتنا إعلان ترويجي لأي مُنتج، وقد يصل ذكاء المنتجين إلى حد إعتبار الموت وأخباره سلعة. معرفتنا الآنية المشروطة قتل إضافي في هذا المضمار. إن استمهال الخبر قد يفكّه من عُجالته، أما معرفته فهي قتل على الضفتين، ضفة الخبر وضفة المعرفة نفسها.