الأحد 2016/10/02

آخر تحديث: 18:21 (بيروت)

أيمن رضا وإن ظنّ نفسه تشارلي تشابلن

الأحد 2016/10/02
أيمن رضا وإن ظنّ نفسه تشارلي تشابلن
increase حجم الخط decrease

لا تشكل أغنية الممثل أيمن رضا التي أطلقها الأسبوع الماضي، سوى حبة الكرز الحمراء الصغيرة فوق "كعكة" السخافة وثقل الظل التي يقدمها للجمهور بشكل متكرر في السنوات الأخيرة، متفوقاً بها في التفاهة على جميع "المستظرفين" واليائسين من أجل الشهرة، في سوريا والشرق الأوسط.

إطلاق تسمية الأغنية على المنتج الذي يتباهى به رضا عبر صفحته الشخصية في "فايسبوك"، هو تساهل كبير في تقييمها ورفع من قيمتها إلى مستوى فن جميل كالغناء، وربما لا يجب الحديث عنها نهائياً من مبدأ "توقفوا عن جعل الحمقى مشهورين أكثر مما هم عليه"، إذ لا يشبه مزيج الصراخ والزعيق والنشاز والحشرجة والاختناق الذي يقدمه رضا طوال أربع دقائق، الغناء في شيء، بل هو مزيج مؤذ للأذن البشرية وأقرب للتلوث السمعي منه إلى أي شيء آخر.



وربما يعتقد رضا (45 عاماً) أنه "الكوميديان" المحلي "الأول"، أو نسخة شرق أوسطية من النجم العالمي تشارلي تشابلن، أو بديلاً لنجوم معروفين خفت بريقهم مثل عادل إمام أو دريد لحام،  وكأنه بمرور الزمن عليه وتحوله إلى فنان مخضرم عتيق، يتطور تلقائياً إلى مرحلة هزلية أعلى تجعله قادراً على الإضحاك في كل ما يقوم به "ببساطة وعفوية"، لمجرد أنه يقوم به، مع تركيزه على "الروح السورية" في تقديمه لنشاطاته من أعمال درامية أو من نكت ومبادرات لنشر البسمة بين الجمهور.

ورضا الذي يحمل الجنسية العراقية فقط، بدأ التمثيل أواخر ثمانينيات القرن الماضي، شكل ثنائياً مميزاً مع الفنان باسم ياخور في سنواتهما الفنية الأولى في التسعينيات، وكانت الكوميديا هي المكان الذي انطلقت منه شهرته في أعمال مثل "عيلة ست نجوم" ومسلسلات الفنان أيمن زيدان الكوميدية المختلفة، قبل أن يكون أحد أبرز المساهمين في صناعة مسلسل "بقعة ضوء" الشهير، مع ياخور والمخرج الليث حجو، لتحدث لاحقاً خلافات كثيرة بين الثلاثي أثرت على مستوى العمل.

في السياق، لا يمكن تلمس نقطة محددة انحدر فيها مستوى ما يقدمه رضا كوميدياً، من الفن إلى الإزعاج، ومن الهزلية إلى التهريج المبالغ فيه، حيث يتأرجح أداؤه عموماً من عمل إلى آخر، علماً أنه لم يمثل إطلاقاً دور البطولة المطلقة في أي عمل، ويبقى دائماً عنصراً بارزاً ضمن خلطة البطولة الجماعية التلفزيونية.

ويرتكز رضا عموماً في بناء شخصياته الكوميدية على نمط متكرر بثبات لا يتغير، يقوم على بلاهة الشخصية وسطحية تفكيرها وعدم الترابط في أحاديثها كأساس للفكاهة، مثل شخصية أبو ليلى في مسلسل "أبو جانتي"، إحدى أسوأ الشخصيات التي قدمتها الدراما السورية على الإطلاق.

والحال أن رضا ليس ممثلاً سيئاً، بل على العكس تماماً هو أحد أكثر الممثلين السوريين موهبة، حتى في أعماله غير الكوميدية، مثل دوره المميز في مسلسل رجال تحت الطربوش عام 2004 (كتابة فؤاد حميرة وإخراج هشام شربتجي) أو أدائه المبهر لشخصية صابر في مسلسل الانتظار عام 2006 (كتابة حسن سامي يوسف ونجيب نصير وإخراج الليث حجو)، كما أنه يصبح ممثلاً استثنائياً لدى أدائه شخصيات شريرة مثل تجسيده شخصية أبو الشوق في مسلسل بانتظار الياسمين العام الماضي إلى جانب النجمة سلاف فواخرجي.

ويمكن القول أن نتائج أعمال رضا مرتبطة إلى حد ما بالابتعاد عن محاولة الابتكار الشخصي، ففي كل مرة يترك له المجال لتقديم إضافة ما، تأتي النتيجة عكسية وثقيلة الظل وغير مفهومة، مثل طريقة أدائه لشخصية "محروس" في الجزء الثاني من مسلسل دنيا مع النجمتين أمل عرفة وشكران مرتجى، والتي اعتمد فيها اللهجة الثقيلة لمدينة النبك في القلمون، من دون أي سبب مقنع لذلك الخيار المزعج في إطار المسلسل.

لا تخرج "أغنية" رضا عن هذا الإطار، فهي لا تحمل عنواناً محدداً، ومعظم كلامها قبيح وغير مترابط ولا يحمل معنىً على الإطلاق: "تسطحنا بالبانيو، حطينا فيش الراديو، علينا هالمزيكا، سمعو فينا بطوكيو، ركب أصانصير، وبالحركة بركة، لا البقرة بتطير، ولا بتغرق السمكة"!

شركاء رضا في هذه الجريمة "الفنية" هم آري جان سرحان على مستوى "الموسيقى والألحان" ووديع الخوري على مستوى كتابة الكلمات، أما كليب الأغنية فيأتي كارتونياً بدائياً شديد المباشرة في تجسيد كلمات الأغنية حرفياً، ويظهر رضا في نهايته متجولاً في شوارع دمشق، على دراجته النارية، التي باتت نوعاً من التوقيع الشخصي له في السنوات الأخيرة، وإضافة يكمل بها صورة الفنان الشعبي الممتزج بالناس عن قرب.

ورغم مستوى الأغنية المروع، يجد رضا دائماً من يصفق له، لأن مفهوم الكوميديا نفسه تشوه مع الوقت، فبدل أن يكون فن الذكاء بات فن التذاكي، وتم ربطه قيمته حصراً بضرورة نقد القضايا المجتمعية في وسائل الإعلام وآراء كثير من الممثلين في السوشيال ميديا، لتصبح السخرية مهما كان مستواها بديلة للكوميديا. ويصبح رضا وفق هذا الطرح غير الواقعي "ناقداً ساخراً" لوضع الداخل السوري لا مغنياً يقصد الترفيه، من مبدأ مكيافيللي - فني سخيف بأن الغاية تبرر الوسيلة، لا يرى أصحابه أصلاً خواء الأغنية من أي نقد أصلاً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها