الأربعاء 2016/10/12

آخر تحديث: 14:33 (بيروت)

نقاش عاشوراء: امتحان تماسك البيت الشيعي

الأربعاء 2016/10/12
نقاش عاشوراء: امتحان تماسك البيت الشيعي
ردّ أحد أنصار التطبير على نصر الله من دون أن يسميه: "قولوا له تطبيرنا أشرف من جهاده" (خليل حسن)
increase حجم الخط decrease
ما زالت المعركة الافتراضية جارية، وتراشق الاتهامات، وفي بعض الأحيان الإهانات، عبر منصات التواصل الاجتماعي. لكنها وقعت، واستدعت تدخلاً عاجلاً من الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، لمحاولة تصحيح "الانحراف" الذي يصيب "شعائر" عاشوراء، والمبالغات التي تدخل الى المنبر الحسيني، وعبره الى الجمهور الشيعي.
المشكلة التي بدأت مع بداية شهر محرّم، واحتدمت خلال اليومين الماضيين، حوّلت موقع "فايسبوك" الى ساحة معركة، بعد خطبتين انتشرتا في مواقع التواصل الاجتماعي، واحدة لرجل دين في بلدة في جنوب لبنان يدعو فيها إلى "تحكيم العقل" في أحداث عاشوراء و"عدم الانجرار وراء الروايات غير المسندة" كما وصفها. 

والثانية خطبة للشيخ عبد الحميد المهاجر، يتوعد فيها محرّمي التطبير بأنهم في "قعر جهنم".. ألقاها قبل ثلاث سنوات، وجرى تسريبها عن سابق "إصرار وتصميم" ليجري تداولها على نطاق واسع على أنها حديثة العهد، وتتحول الى أحد أقوى أسلحة المعركة.

لكن المعركة ليست بين الشيخين، علماً أن كلاً منهما يمثل طرفاً فيها.. وهي أيضا ليست بين حزبين معينين أو فئتين أو مرجعيتين من الشيعة، علماً أن بعض المغردين حاولوا تصوير خطاب نصر الله، الذي هاجم فيه بعض الطقوس، وبينها "التطبير" (ضرب الصدور، والرؤوس بآلات حادة حتى تسيل دماء المتفجعين على مقتل الحسين)، على أنه موجه ضد جمهور حركة أمل..

المعركة تخاص داخل منازل البيت الشيعي الواحد، وتسبب اهتزازاً في أول اختبار جدّي لتماسكه المستمر منذ عقد، وهي تجري على أربعة محاور.. أقواها محور "قرّاء العزاء"، وهم الأكثر تعرضاً للنقد على أساس أن المبالغات التي تدخل على عاشوراء، تأتي عبرهم، لكنهم الأكثر قدرة على تسيّد المعركة والهجوم على المنتقدين من خلال المنبر عينه، بما يملكه من قدسية وقدرة على التأثير.

هناك أيضا محور "المطبّرين"، وهؤلاء على تماس مباشر مع محور "غير المطبّرين" الذين ليسوا بالضرورة ضد باقي المبالغات، لكنهم يرون في التطبير تشويهاً لصورة الدين ولمعاني عاشوراء ومضامينها..

المحور الرابع هو محور "المعتدلين"، وهم يتشاركون مع محور "غير المطبرين" الدعوة الى تجنب هذه الشعيرة باعتبارها دخيلة، وهؤلاء عملوا خلال الأيام القليلة الماضية على تعويم حديث لمؤسس حركة أمل، الإمام موسى الصدر، يرفض فيه التطبير باعتباره شعيرة دخيلة على عاشوراء وآتية من التراث الهندي.

على أن أصوات "المعتدلين"، التي تتعالى منذ أكثر من 20 عاماً، بقيت مكبوتة، حتى خطاب نصر الله الأخير، لفقدانها الغطاء السياسي القادر على حشد المؤيدين. وعليه، مثّل خطاب نصر الله إيعازاً لتعويم هذا المنحى الذي ملأ مواقع التواصل، واستخدمه روادها ليس في إطار الايحاء بـ"انطلاقة حركة تصحيحية" فحسب، بل في معرض الردّ والاستهداف السياسي لحركات شيعية، ترى في المزاودة في تلك الشعائر، فرصتها الوحيدة لبناء حيثية في الطائفة. 

والحال ان محاولة نصر الله، اصطدمت بالكثير من المعارضين، خصوصاً أنصار شعيرة "التطبير" التي تحوز مؤيدين في لبنان، والتي وصل الحدّ بأحد مؤيديها الى التوجه الى نصر الله من دون أن يسميه بالقول: "قولوا له تطبيرنا أشرف من جهاده"، وذلك في ردّ على دعوته عدم الخوض في النقاش بـ"الدم"، وقوله ان هؤلاء لم يتواجدوا في معارك "حماية المقدسات". 

وبدا أن المعركة التي تخاض افتراضياً، تنزل بمستوى حركة الحسين، من كونها إصلاحية بالدرجة الأولى ورسالة في التضحية ما زال صداها يتردد إلى اليوم، كما يراها كثيرون، إلى معركة حول القشور التي تحيط بهذه الحركة. علما أن مؤيدي التطبير الذي هو أساس هذه المعركة في لبنان، ليسوا بكثرة، وأصوات الاعتدال كثيرة ومسموعة.
لكن، كما في كل معركة، تخفت الأصوات المعتدلة في وجه الرصاص الافتراضي.

المعركة لن تحسم اليوم بنهاية الموسم الحالي، وستتأجل حتى عاشوراء العام المقبل، وهي بالتالي تكشف عن ضرورة الالتفات الى ترتيب البيت الشيعي بعدما لحق به من شوائب كانت نتاج مرحلة "اضطهاد الشيعة" بداية، ومرحلة الصراع السياسي بين الدولتين الصفوية والعثمانيين، بحسب توصيف المفكر علي شريعتي. وهي التفاتة، يبدو أن نصر الله وضع اللَّبِنة الأولى لها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها