الجمعة 2016/01/29

آخر تحديث: 19:24 (بيروت)

الإعلام الكردي يخلق بطلة.. والتركي يدحض الاساطير

الجمعة 2016/01/29
الإعلام الكردي يخلق بطلة.. والتركي يدحض الاساطير
أكثر الصور المنسوبة الى روزا.. لكنها غير مؤكدة حتى الآن
increase حجم الخط decrease
في الوقت الذي كانت تتنافس فيه الدول الراعية لمؤتمر جنيف على استقطاب الأكراد السوريين أو اقصائهم عن طاولة المفاوضات، كان بعض أكراد تركيا يقودون صراعاً من نوعٍ آخر. فمنذ الشهر الأخير للعام الماضي وحتى اليوم، سقط في جنوب شرق تركيا أكثر من ألف قتيل، أغلبهم من مقاتلي حزب "العمال الكردستاني" الذي يقود حرباً ضد الجيش التركي والأجهزة الحكومية الرسمية.

تلف الحرب حياة الأكراد من كل ناحية، ولكل معركة ضحاياها وأبطالها. وحيث تدور المعارك اليوم في "سور" و "جيزري" و "سيلوبي" جنوب شرقي تركيا، بدأت بطلة جديدة مدجّجة بالذخائر وببندقية قنص "تفوق طولها"، تأخذ مكانة في حياة الأكراد، واسمها الحركي هو "روزا أفجي".

وككل معركة طويلة الأمد، يحتاج المقاتلون إلى بطل. والبطل في معارك الأكراد هو غالباً إمرأة جميلة وعفوية ومسلحة ترد بطش "رجال" السلطة وغير الكُرد عن شعبها. ولخلق أسطورة متكاملة، يبدو اختيار الأكراد لاسم "روزا أفجي" مدروساً وجزءاً من الحرب الإعلامية. فاسم "روزا"، اختير، ربما، تيمناً بـ"روزا شانينا" إحدى أبرز القنّاصات السوفياتيات خلال الحرب العالمية الثانية، فيما كلمة "أفجي" التي تعني "الصياد" في اللغة التركية، تم اختيارها في محاولة لإظهار مهنة ومهنية حاملة الاسم دون عناء.

وتتشابه قصة "روزا" مع "بطلة" أخرى تم الترويج لها في معركة مدينة "كوباني / عين العرب" السورية ضد تنظيم "داعش" في نهاية العام 2014. وكما حال "نالين عفرين" التي نُسجت عنها الكثير من المرويات بعدما "ألبسها" الإعلام الكردي وناشطوه "التويتريون" بطولات الدفاع عن المدينة السورية الكردية، كذلك هي حال "روزا أفجي" الذي يخلق الإعلام الكردي اليوم بطولات حولها، والتي تحوي الكثير من المبالغة.

خبر إطلاق الأكراد، في تركيا، اسم "روزا" على مواليدهم الجدد تيمناً بها، وآخرٌ عن قنصها يومياً، وبدقة متناهية، لبضعة عناصر من الجيش التركي وغيرها الكثير من الروايات المبعثرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومن "المصادر الميدانية"، يخلق صورة بطولية عن "روزا" قد لا تستحقها. إلا أنّ "معركة الصمود بوجه الجيش التركي"، كما يطلق عليها الأكراد الناشطون عبر وسائل التواصل الاجتماعية، بحاجة إلى أسطورة تشد العزائم وتظهرهم بحكم المدافعين عن أرضهم وعرضهم من "آلة البطش العسكرية التركية"، حتى لو تَطلّب الأمر بعض المبالغة والكذب.

لا صورة حقيقية لروزا..  مثل كل "الأبطال" الوهميين، يترك تخفيها مساحة للتخيل عن شكلها، ومظهرها. أكثر الصور المتداولة لها، هي تلك التي تظهر فتاة جميلة، تحمل قناصة حديثة.. لكن الصورة غير مؤكدة. فكل موقع وحساب في "تويتر" ينشر صورة يجدها "ملائمة" لقصة "الاسطورة الكردية"، علماً أن احدى اكثر الصور مشاركة في الحسابات الكردية، تعود الى تلك الحسناء.

اليوم تتراجع "السياسة" على حساب الحرب في حياة أكراد تركيا. وعلى الرغم من أنّهم شهدوا استقراراً أمنياً منذ نهاية العام 2012 وحتى الأمس القريب، إلا أن هذا المشهد المسالم بات بحكم المنتهي، كما باتت حالتهم مشابهة لحالة أبناء جلدتهم في كل من العراق وسوريا.

و"يتعارك" المهتمون بالحرب الدائرة في جنوب شرقي تركيا، في العالم الافتراضي، بين من ينشر صوراً متعدّدة لفتيات كرديات بثياب "كاكية" بشعرهنّ المجدل وبنادقهنّ الحربية، وبين آخرين، أتراك يكرّرون ما يقوله القانون التركي عن أن مقاتلي حزب "العمال الكردستاني" هم إرهابيون لا أكثر.

فيما تتضخم صورة "روزا" يوماً بعد يوم، وتتحول إلى ظاهرة تخشى تركيا أن تتحوّل إلى قدوة لغيرها من المقاتلين والمقاتلات، فيقوم الإعلام التركي بنشر مقالات عن أنواع الأسلحة القناصة وإظهار القناصين الذين قتلهم الجيش التركي وإحصاء عدد الباقين على قيد الحياة، فيما يعمد آخرون إلى نشر  فيديوهات عن "عملية ملاحقة روزا أفجي" العسكرية ولكن من دون أن يُوفّق بها.

تستمر الحرب الدائرة في جنوب شرقي تركيا، إلا أن مقارنة الضجة التي تحدثها مع تلك التي خلقها الإعلام الكردي والإقليمي والعالمي خلال حرب الدفاع عن "كوباني / عين العرب" لا تبدو ممكنة. فالمعركة اليوم تقع في عمق أراضي تركيا التي لا تسمح للكثيرين بالتدخل في شؤونها الداخلية، وذلك على عكس حال الأراضي السورية التي يتدخل فيها الجميع بسهولة ويخلق كل إعلام روايات وبطولات على هواه.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها