الثلاثاء 2015/02/03

آخر تحديث: 19:03 (بيروت)

كوميديا "يوتيوب" الغزاوية: غسان محسن وجيل ما بعد أوسلو

الثلاثاء 2015/02/03
كوميديا "يوتيوب" الغزاوية: غسان محسن وجيل ما بعد أوسلو
increase حجم الخط decrease

"كي تضحك وتفهم غسان محسن، عليك أن تكون فلسطينياً مقيماً في قطاع غزة، أو أقمت فيها، نظراً لخصوصية قضاياها". هذه الإشارة، لا تلغي أن الشاب الفلسطيني المقيم في قطاع غزة، غسان محسن (19 عاماً)، أتقن تحويل الهواجس الفلسطينية الى فن، يعبر عنه عبر "ستاند أب كوميدي"، وينشر "الاسكتشات" عبر قناته في "يوتيوب"، تحت عنوان "ملصقات" posters، حيث ينتقد مظاهر اجتماعية وإعلامية في قطاع غزة، وبجرأة، رغم حداثة سنه، والقمع السلطوي.

 


بمشاركة مجموعة من أصدقائه، يرصد محسن المجتمع من خلال مواقع التواصل الاجتماعية، ويختار موضوعاته بذكاء وسرعة بديهة. كل ما يفعله أنه يقوم بإسقاط الموضوع على شخص غير غزّي، ويحاول أن يرى ردّ فعله على ذلك. ولا يتنازل عن لهجته المحكيّة والشتائم التي يستخدمها الغزيون للتعبير عن تذمرهم من الوضع.

يستخدم محسن، لإنتاج هذه الحلقات التي وصل عددها إلى ستّ حلقات، طريقة تصوير وإخراج بسيطة تعتمد على مجهوده وخبرة فريق عمله التي ما زالت في بدايتها. يقول محسن لـ"المدن" إنه يحاول التعبير عن رأيه تجاه قضايا تخص المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة، ويعتمد في تقديمه على مناقشة مواضيع مختلفة في الحلقة الواحدة، وبحسب تفشي الموضوع المطروح.

ففي حلقة "حركات قرعة وحرب"، يدور حوار بينه وبين صديقه، حول حرب غزة الأخيرة، ليتحدث عن إحساسه تجاهها. "حاسس انو إحنا ما انتصرناش"، يقول،  ليختم المشهد بالقول إن موضوع انتصار غزة أو عدم انتصارها "لا يخصك كغزاوي ولا يسمح لك بأن تتدخل به، فهو يرجع لـ"غزة" أو من يتحدث باسمها". وفي الحلقة نفسها، يتحدّث عن ظاهرة أخرى انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي، بين المستخدمين الغزاويين، وخصوصاً العاملين في المؤسسات الإغاثية. توقف عند قيامهم بنشر صور تظهرهم خلال توزيع المساعدات على المحتاجين، وكيف يستخدمون عوز الناس للترويج إعلامياً لـ"أعمال الخير". ويوضح محسن لـ"المدن" أنه يرى أن مثل هذه الأعمال "لا فائدة منها". ويتساءل: "إذا افترضنا أن هذه الصور تستخدم للتوثيق، فما فائدة نشرها في مواقع التواصل الاجتماعي"؟ 

يمتلك محسن موهبة وقدرات درامية تمكنه من لعب أكثر من شخصية في الحلقة الواحدة، ما يميّزه عن باقي أعضاء فريقه الذي يظهر معه في بعض الحلقات. يظهر ذلك في حلقة "تواصل اجتماعي" التي يناقش فيها موضوعاً مركزياً، هو سلوك الأشخاص في حياتهم اليومية وكيف يحاولون تصويره في مواقع التواصل الاجتماعي، لانتقاد فصام عميق منتشر بين المستخدمين.

في الكثير من المَشاهد، ثمة من يعلّق: "كي تضحك وتفهم على محسن، عليك أن تكون فلسطينياً مقيماً في قطاع غزة، أو أقمت فيها نظراً لخصوصية قضاياها". وهنا تظهر الإشكالية بأن محسن يوجّه كلامه وانتقاده إلى أبناء جيله بشكل أساس، سواء على مستوى اللغة التي يستخدمها أو القضايا المطروحة... هذا الجيل الذي أُجبِر على حمل قضايا تكبره زمنياً، ليتحمل تبعات أخطاء لا ناقة له فيها ولا بعير، ويجد نفسه محاطاً بكل أنواع البؤس: احتلال، حصار، وانقسام، وحروب متتالية.. كلها شكّلت وجهة نظر خاصة به بعيداً من "الاستهلاك الوطني". وهو يحاول بناء مستقبله كما يراه مناسباً، ويرفض الكليشيهات التي تحاول أن تفرضها عليه الظروف، إذ لم يلحق هذا الجيل، العصر الذهبي للانتفاضة الشعبية الفلسطينية التي كان محركها الأساس، شباب من عمره، يرجمون محتلهم بالحجارة والمولوتوف.

يؤكد محسن أنه لا يصنع الموضوع، "إنما أقوم بنقاش الظواهر التي سرعان ما تنتشر، نظراً لصغر مساحة غزة"، ويضيف: "أقوم بكتابة خطوط عريضة حول الفكرة ثم أقدم الحلقة بشكل ارتجالي وكثيراً ما أخرج عن النص العام الذي وضعته، ونظراً لغياب المسرح في قطاع غزة لجأت إلى "يوتيوب" لتقديم البرنامج بشكله الحالي". ويحلم محسن بأن يقابل جمهوره بشكل مباشر لينمّي مهاراته في التواصل معهم، وأن يقدم يغذي هذا الجمهور برنامجه، في المقابل، بالأفكار والإشكاليات التي تمكّنه من تقدم الأفضل.

ويعتبر محسن نموذجاً يعبّر عن مواليد ما بعد أوسلو، وخضوع غزة لإدارة السلطة الفلسطينية.. وما إن بلغ سنّ العشر سنوات، حتى اشتعل الانقسام الفلسطيني وحوصرت غزة، ليكبر، كما ابناء جيله، تحت سطوة انقسام وحصار أجبرهم على اللجوء للتواصل مع العالم عبر الفضاء الرقمي.. في حين لم يحظَ هذا الجيل، منذ ميلاده، بحق الخروج من القطاع للتواصل مع "العالم الخارجي".. والآن ينتقد ويعبّر ويفكر عبر "يوتيوب"، ليقول: ها أنا ذا! 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها