الخميس 2014/05/22

آخر تحديث: 01:33 (بيروت)

السَّبي المعاصر مستمر رغم التبليغ الإلكتروني

الخميس 2014/05/22
السَّبي المعاصر مستمر رغم التبليغ الإلكتروني
الصفحة البديلة التي سيطر عليها هاكرز من فلسطين ليل الأربعاء
increase حجم الخط decrease
أقفلت في وقت متأخر من يوم أمس، صفحة "لاجئات سوريات للزواج" التي بلغ عدد معجبيها أكثر قليلاً من 17 ألف معجب، بعد حملة تبليغ (report) عنها لإدارة فايسبوك. وفرّخ رواد الفكرة نفسها على الموقع الأزرق، صفحتين غيرها بالعنوان نفسه. الأولى سيطر عليها قراصنة إلكترونيون فلسطينيون، والثانية لا تزال فاعلة، بأهداف تجميلية أخرى، واستقطبت ما يزيد على 1700 لايك. الصفحتان أنشئتا بعد إقفال الأولى التي لم يكن فيها ما يثير، لا صور ولا عروض مغرية "للمهتمّين" الإعتياديين. يمكن القول إن كل هؤلاء المعجبين هم من مؤيدي للفكرة. فكرة عرض اللاجئات كسبايا، كغنائم حرب، وبالتالي يمكن التخمين بأن الجهة نفسها التي عاقبت اللاجئين مراراً بأساليب لم ترحم، تريد كذلك أن تعاقب نساءهم بالسبي.
 
كان يمكن النظر إلى صفحة "لاجئات سوريات للزواج" كواحدة من الصفحات ومواقع الانترنت التي تتوخى طرقاً أسرع لجمع رأسين على مخدة، حسب التعبير الشعبي الدارج، لو أنها اكتفت بالقول "سوريات للزواج". كنا حينها سنرى فيها طريقاً رخيصة فحسب. أما أنها تبتدئ باسم "اللاجئات"، فلا شك أن هناك من يقصد بهذا العرض الإنتقاص من كرامة السوريين الثائرين، ناهيك عن جُرم الإتجار بالبشر. 
 
ومع أن بين السوريين اللاجئين عدد قليل من غير المؤيدين للثورة، بل وقد يكون من بينهم مؤيدون للنظام، فإن النظام، والممانعين العقائديين، قرروا أن كل لاجئ هو معارض، وهو بالتالي يستحق كل إذلال. أليس هذا ما يجري للاجئين السوريين في لبنان والأردن وسواهما؟
 
هو نوع من تلطيخ صورة السوريين، لا نبالغ إن قلنا إنه يشبه تلك الخطة الجهنمية من الفتاوى التافهة، التي لا شك أنها تصنع منذ سنوات طويلة في أقبية المخابرات من أجل صورة مشوهة للأكثرية، دعنا نقلها، الأكثرية التي تنتمي تقريباً إلى مذهب واحد، وبالتالي أن تطاولها تلك الشائعات والإذلال لن يكون بلا جدوى بالنسبة للنظام العقائدي، وأنصاره العقائديين. 
 
العنف والتوحش والاغتصاب طاول المرأة السورية، معتقلة كانت أم لاجئة، وليس مفاجئاً أن تطاولها شتيمة من نوع هذه الصفحات الفايسبوكية. هل يريد النظام أن يقول أن لا كرامة للسوريين إلا في ظل النظام؟ ولكن هل "طفش" السوريون إلا من أجل الكرامة، وهل ثاروا في الأساس إلا من أجل الكرامة؟ 
 
يبذل النظام ما في وسعه من أجل سبيٍ مُعاصر للسوريين. إنها حقاً ثقافة السبي. ليس عسكر النظام، الرابضون عند الحواجز وفي الجبهات، هم من وضع أكثر من 17 ألف لايك على صفحة السبي تلك، إنهم من هؤلاء الرابضين حول النظام، المحاربين على جبهات الثقافة والإعلام و"التقاطع" الإجتماعي.
 
لا يريد النظام لضحاياه أن يظهروا بصورة الضحية النبيلة. يريد أن يحرمهم حتى من حقهم في الموت كما يحلمون، وهم يعزّون أنفسهم بأنهم تعرضوا لكل ما تعرضوا له من أجل قيم الحرية، والكرامة، والعدل. إنه يحرمهم من "مجد الغرق الأليم"، ويبدو أن لديه الوقت الكافي دائماً، كما العدة اللازمة للتفكير بكل ما من شأنه الحط من قدرهم.
 
الناشطون السوريون ردّوا بدورهم بألسنة الغضب، وذلك من حقهم طبعاً، إذ لا سبيل لرد احتقار من هذا النوع، لكن يكفي مناهضي النظام الممانع فخراً أنهم أصرّوا على حمل سوريتهم، في الوقت الذي أخذه النظام وأنصاره (وربما جهّال منحطّون مسميّون على الثورة؟!) كلمة السوريات على محمل الشتيمة. 
 
السوريات اليوم هن لاجئات لا سبايا. قلن ذلك مراراً. هن اللواتي قدمن أروع النماذج في التظاهرات والمعتقلات وفي الجنازات. ستكتب الأيام مزيداً من ذلك، لكنها ستكتب أيضاً سؤالاً كبيراً لمناصري النظام، سؤالاً سيبقى للأيام: لم نسمع عن احتلال مرّ على هذه البلاد بلغ به الأمر أن حوّل النساء إلى سبايا.

إن كنتم تريدون أن تتبرأوا من فعلة السبي، عليكم أن تتصرفوا حيال هذه الإهانة التي  تلحق بكم أنتم، لا بالنساء اللاجئات. لكن نرجوكم ألا تغرقونا بكلام من قبيل لنبحث عن الأسباب التي دفعت بنا إلى هذه الحال. لا ينجيكم هذا السؤال من قذارة ما لطخكم به النظام.
 
increase حجم الخط decrease