الجمعة 2014/04/04

آخر تحديث: 20:49 (بيروت)

"فولفو" تنبش ذاكرة اللبنانيين السلمية والحربية

الجمعة 2014/04/04
"فولفو" تنبش ذاكرة اللبنانيين السلمية والحربية
إعلان شركة فولفو (ريشار سمور)
increase حجم الخط decrease
"..وبعدا مطيعة، لمّعية وسريعة". ثلاث صفات لسيارة يعرفها اللبنانيون جيداً وارتبطت بشكل وثيق بذاكرة الماضي القريب والبعيد.
من هذه الصفات، التي ترتبط بأمثال شعبية وأقوال لبنانية، قررت شركة "فولفو" أن تكسب السوق اللبناني من جديد. أطلقت حملتها الإعلانية مقارنة بين سيارتين، "فولفو" السبعينات الصفراء، وأخرى "موديل" السنة الزرقاء.
 
الطاعة، السرعة، واللماعية صفات ثلاث تحاكي أساساً العلاقة "الحميمة" (أو لنقل المشخصنة أحياناً) ما بين المرء وسيارته، لكنها في الواقع ليست صفات مختارة عشوائياً لتدل على متانة سيارة وسرعتها، لكنها تطبيق حرفي لما سبق أن كرسته قناعة لبنانية قديمة، بأن "الفولفو" تحديداً هي أكثر الأنواع "وفاء" لصاحبها، وأكثرها صلابة وتلبية لكل تحركاته ونزهاته وتنقلاته بين الجبل والسهل، وفي الحرب والسلم. هي السيارة التي اعتادوا على اعتبارها متفوقة على صلابة الأنواع الألمانية والأميركية. 
 
كل هذا ما جعلها في صلب القول الشائع في زمن الحرب اللبنانية وانتشر بكثافة لاحقاً مع في إنطلاقة "حزب الله" في بداية الثمانينات: "إن للمقاتل أم 16 لميعة (البندقية) والفولفو السريعة والمرأة المطيعة".
 
وها هي الشركة عينها، التي "تَغزّل" اللبناني بقوة صناعاتها، تعود لتجذبه من ذاكرة الماضي، وتحفزه على استعادة أمجادها ومرافقتها له في زمن الشدة، مختصرة لنفسها الصفات كلها بما فيها الصفة التي كانت تُمنح للسلاح. ربما لا نية سيئة للمعلن هنا، إلا دغدغة ذاكرة اللبناني، وتذكيره أن اختيار المقاتلين (بغض النظر عن أحزابهم) لسياراتها يعني أنهم على ثقة تامة بها، وبأنها لن تخذلهم، وأنها تحت أمرتهم ومطيعة تماماً كما طاعة المرأة وطاعة  البندقية بين أيديهم.
 
وبالمقابل، قد تكون الشركة تحمل رسالة مختلفة معاكسة، تجزم فيها أنه حتى بعد انتهاء الحرب يحتاج المستهلك إلى هذه السيارة القوية التي كادت أن تُشعر مستخدمها اللبناني أنها أبدية، لا تهترئ، لا تتعطل. سيارة خالدة تعبر فيه بين أزمنة ومراحل سياسية وأمنية وإجتماعية مختلفة. ومن نافل القول إن فكرة إمتلاك سيارة بحد ذاته، وبغض النظر عن نوعها، يُربط في الإعلانات بفكرة العبور، أو الأداة التي تمكن ممتلكها من شق طرق جديدة في الحياة. وفي أمثلة أخرى، ترتبط بالرغبة، وهو ما يتحدث عنه إيلي زاريتسكي في فصل خاص من كتابه "قرن فرويد"، حيث اعتبر أن "فورد، رائد صناعة السيارات الأميركية، طبق في تسويقه لسياراته، نظرية فرويد عن الرغبة الجنسية".
 
لا يخفى على أحد أن الهدف الأول والأخير لأي حملة تسويق هو البيع. لكن، مع البيع لا يكون فقط للمنتج، فمعه تباع مبادئ كثيرة، أجساد، صور، مفاهيم، قصص وذاكرة. حملة "فولفو" اعتمدت على كل ذلك لتبيع، وهي في الواقع رمزت أيضاً إلى مثل قديم يقول إن سعادة المرء في ثلاث: الدار الوسيعة، والمرأة المطيعة والفرس السريعة".
 
ليس هذا الإعلان أول ما ينبش الذاكرة ليبيع في الحاضر ويصنع لمنتجه الإستمرارية للمستقبل. ولا الإعلان الأول الذي يعطي لمنتجه الفضل في "صموده" إلى جانب مستخدمه طوال سنوات، فإعلانات عالمية كثيرة رمزت وبشكل فج أكثر إلى علاقة المنتج بالحرب تحديداً. هنا يأتي الإعلان الشهير لشركة "كاديلاك" للسيارات في الحرب العالمية الثانية وتحديداً في 1943، حيث يصور محركات الشركة من نوع V8 التي شغلت الدبابات الأميركية المشاركة في الحرب، ومن دون أي صورة لسيارة.. لكن الشركة كانت تهنئ نفسها على مشاركتها في الحرب إلى جانب دولتها، كإثبات لا شك فيه على وطنيتها.
 
لكن وبالعودة إلى الإعلان المطيع في شوارع بيروت، فإنه أيضاً لا يسلم أبداً من ترميزه المبتذل لفكرة الربط ما بين السيارة والمرأة. عدم استخدام الإعلان لصورة امرأة أمامها أو وراء مقودها لا يعفيها من تهمة  تشييء المرأة، لاسيما بإستخدام الإعلان لصفة "المطيعة". ولا يعتبر إعلان "فولفو" أيضاً أول من شيّء المرأة الكائن وشبه السيارة فيها، أو حتى وحدهما كشيء/ شخص واحد، لا بل قد يكون من "ألطف" الإعلانات في هذا الشأن. إذ منذ صدور أولى الحملات الإعلانية للسيارات، كانت المرأة العنصر الأول ويكاد يكون الأخير الذي يسوق له.
إمرأة تستند إلى جانبها، تستلقي أمامها، تستلقي فيها، تقف فوقها، وحتى مخزنة في صندوقها كما إعلان شركة "فورد" الشهير العام الماضي. وفي الإعلان هذا أرسلت الشركة أكثر من رسالة مهينة، ففي المقعد الأول كان رئيس الوزراء سيلفيو برلسكوني يجلس في المقعد الأول "منتصراً" على مجموعة من الفتيات والشرطيات (يظهرهن الإعلان كبائعات الهوى) في صندوق السيارة مع شعار يقول "دع قلقك خلفك في سيارة فيغو ذات الصندوق الأكبر". وقاحة إعلان فورد دفعت الشركة إلى الإعتذار.. لكن إعلانات أقل فجاجة، ليست أقل إهانة للمرأة أو متاجرة بجسدها ما زالت تُنتج حتى اللحظة. 
 
عودة سريعة إلى إعلانات عربية ولبنانية عن السيارات أيضاً نجدها مؤنثة، يُستعار لها كل الصفات التي تُستخدم للمرأة.. فـ"داتسون -200 ل- الحسناء، تحبها من أول نظرة"، وأنواع أخرى من داتسون وصفت على أنها "فتانة". أما مرسيدس بنز فهي "سيدة الطرق"، والدودج 1959 فهي "عروس السيارات".
 
"فولفو" التي اشتهرت منذ أشهر قليلة بإعلان شاحناتها وحركة الممثل جان كلود فاندام الشهيرة، لم تنشر إعلانها اللبناني بكثافة بعد، لكنها وحتى بعد نشرها، ستكتشف الشركة أنها لن ترفع كثيراً من نسبة مبيعاتها، ليس ذلك لفشل إعلانها وعدم قدرته على محاكاة ذاكرة اللبناني السلمية والحربية.. بل ببساطة لأن اللبناني في الزمن الهش، وفي زمن ضائع ما بين حرب وسلم وتفجير، لا يكترث كثيراً لصلابة منتج أو سيارة.. الشكل أولاً، والتكلفة ثانياً. أما الطاعة، فمؤكد لا ينتظرها من سيارة.




abuanasgroup00032-(1).jpg

1968-(1).jpg

images.jpg

1943_cadillac.jpg
increase حجم الخط decrease