الخميس 2014/03/06

آخر تحديث: 07:12 (بيروت)

الحرب في لندن والضحايا سوريون

الخميس 2014/03/06
الحرب في لندن والضحايا سوريون
طفلة الإعلان البريطاني قبل الحرب وبعدها
increase حجم الخط decrease
 الرعب الذي رأيناه، وذلك الذي لم نره في عيون أطفال سوريا، يسكن اليوم في عيني هذه الطفلة البريطانية الصغيرة. حياتها الطبيعية تنقلب رأساً على عقب إثر حرب تضطرها للهرب والبحث عن الطعام من النفايات، والنزوح من بيتها..

خلال دقيقة ونصف الدقيقة ينجح إعلان منظمة Save the children أن ينقل للعالم آلام الشعب السوري خلال أعوام ثلاث للحرب ويحمل رسالة أساسية "ألا تقع الحرب هنا (في بريطانيا)، لا يعني ذلك أنها لم تقع في مكان آخر من العالم". رسالة تخاطب كل من يشعر أنه بمنأى عن ما يحصل في سوريا.. ويبرئ أو يعزل نفسه عن مآسي ذلك البلد والكوارث التي تقع فوق رؤوس كباره وصغاره. رسالة موجهة إلى من قرر أنه لا يبالي بما يحصل في تلك البلاد البعيدة.
 
لكننا لسنا المخاطَبين الأساسيين في الفيديو، ليسوا العرب المطلعين والمتماهين إلى حد ما مع الأزمة السورية ومآسيها، بل الغرب الذي لم تصله الرسائل الإنسانية السورية بوضوح حتى الآن، إما لشدة قسوتها ودمويتها، ما دفع غالبية الرأي العام العالمي إلى عزل نفسه عنها، ناهيك عن التعقيدات السياسية والميدانية التي لا يفقهها المواطن الغربي العادي.. أو بسبب سد النظام السوري أبواب البلاد أمام وسائل الإعلام العالمية لنقل الصورة الواقعية من الداخل.. وهذا ما أنتج سيلاً من الفيديوهات المسربة التي يبقى مشكوك في أمر الكثير منها من قبل الرأي العام العالمي، مهما حاول الطرف السوري المعارض توضيح مصداقيتها.
 
ويبقى العامل الأهم هو جهل السوري والعربي عموماً بأدوات الحشد والمناصرة العالمية التي تعتمد أساساً على نقل الصور والفيديوهات وابتكار الشعارات الإنسانية الهادفة والتي تخلق لدى المتلقي الغربي تماهياً مع المعاناة بعيداً من مشاهد الجثث المتفحمة والأجساد الغارقة في دمها، رغم أن هذه المآسي وهذا الكمّ من العنف حاصل فعلاً.

ها هي منظمات عالمية مختلفة تنتج إعلانات هادفة لمساعدة الأطفال السوريين، وجمع التبرعات المادية والعينية لهم. تخاطب الجمهور الغربي ببساطة وبإعلانات تروي قصصاً إنسانياً مباشرة، من دون مبالغة ولا دماء ولا استعطاف. وها هو فيديو  Save the children يقرب الصورة للمواطن الغربي، وينقل الحرب السورية إلى عقر دار المواطن البريطاني، ويجعله يتخيل أن أطفال سوريا هم أطفاله. وأن ضحكاتهم وهم يلعبون، وهم يطفئون شمعة عيد ميلادهم، ولا يسعهم الهرب من القصف، هم هذه الطفلة صاحبة الوجه المعبّر. 
 
طفلة تطفئ شمعة عيدها السابع ومن بعدها نرى لحظات من يوميات تمتد سنة كاملة من حياتها. في خلالها نراها تأكل الشوكلاتة، تستعير أدوات التبرج الخاصة بأمها، تحضن ألعابها، تقود دراجتها، تنام بأمان، ترسم رسوماً بسيطة، ترتاد مدرستها.. تلهو في المنزل مع جدّها.. تفعل كل هذا في بيتها، في لندن، بأمان مطلق، متجاهلة الأخبار في التلفزيون عن حرب ما.. وفجأة تصبح لندن مثل سوريا، وتقع الطفلة وعائلتها ضحية حرب في بلادها. تختفي الدمى والابتسامات، تنقطع الكهرباء، تُسمع أصوات القصف والطيران فوق منزلها، لا تجد الماء الكافي لتروي عطشها ولا الدواء.. وتتكوم على نفسها بائسة في خيمة للاجئين.
يقترب القصف، يهجّرها من المنزل، تقصف منطقتها بالغازات السامة، تبحث مع والديها عن بقايا الطعام في النفايات.. لينقلها عناصر أمن في نهاية المطاف إلى المستشفى لمعالجتها، وتعود لتطفئ شمعة عيد ميلادها وحدها مع أمها وقد اختفى أفراد أسرتها وربما فقدتهم في الحرب.
 
طريقة تصوير الفيديو عبر تقنية لحظة كل يوم أو Second a day يكثف حياة الطفلة ويكثف معاناتها، وينقل لمشاهد الإعلان كيف تُدمّر الحروب حيوات الأطفال في وقت قصير جداً. يخسرون عائلاتهم، والمسكن اللائق، أو الملجأ الآمن، ويفقدون حقوقهم في التعليم والحياة الآمنة والغذاء والرعاية. الفيديو مصور بتقنية عالية ويهتم بكل تفاصيل القصة. يولي أهمية بالغة لأداء الطفلة الصادق ليوصل الرسالة بقوة. إضافة إلى عناية خاصة بالديكور المحيط وحركة الكاميرا، والمؤثرات الصوتية المرافقة، والأزياء المناسبة لكل مشهد.
 
تذكرنا المنظمة أن "الفيديو لم يصوّر هنا في بريطانيا، لكن الرعب في سوريا أكبر ويحصل فعلاً". رعب طاول أكثر من 1.2 مليون طفل سوري نازح بحسب "يونيسف"، وحرب قتلت أكثر من 11 ألف طفل، في حين أن الأرقام غير الرسمية للأطفال الضحايا وأولئك النازحين إلى دول الجوار، مضاعفة.
يأمل مدير العلامة التجارية والاتصالات في "Save the children" جايك لندي أن "يلقى الفيديو الصدى لدى من يشاهده، لا سيما أولئك الذين لا يعرفون الكثير عن الوضع في سوريا، ليتمكنوا من فهم محنة الأطفال السوريين الأبرياء".
 
ليس فيديو الطفلة البريطانية الذي حصد 4 ملايين مشاهَدة، خلال 24 ساعة، المبادرة الأولى لجمعيات عالمية معنية بحماية الأطفال، بل سبقه إعلان مؤثر أيضاً لجمعية قرى الأطفال SOS النروجية، عندما صوّرت كاميرا خفية طفلاً يرتجف من البرد في محطة للحافلات، ورصدت ردود أفعال المارة الذين تبرعوا له بستراتهم وأوشحتهم. خرج الإعلان ليؤكد أن الناس غالباً على استعداد للمساعدة، موجهاً نداء لتقديم المساعدات لمن يحتاجها فعلاً اليوم: الأطفال السوريون..
 
يحتاج هؤلاء إلى أكثر من مجرد فيديو، وإلى نقل فعلي لواقعهم.. يحتاجون أساساً إلى إنهاء هذه الأزمة التي تقتلهم على صعد عدة.. لكن إلى حين تحقق هذا المطلب الذي يبدو بعيداً، يمكن لقصة تخاطب كل رأي عام بمنطقه وبطريقة تفكيره أن تجذب ملايين من اللا مبالين، وأن تنقذ طفلاً وتساعده.
 
increase حجم الخط decrease