الخميس 2014/03/13

آخر تحديث: 08:48 (بيروت)

قضايا الحريات كخبر عاجل في لبنان

الخميس 2014/03/13
قضايا الحريات كخبر عاجل في لبنان
رسم ألكس فالكو
increase حجم الخط decrease
 التقارير التي صدرت عن الحريات في العالم العربي وفي العالم تحتاج للأسف إلى فصل خاص ومتجدد عن بيروت التي يكبر فيها كل يوم مقص الرقابة ويتضخم.

تحتاج بيروت إلى تقرير يومي عن الحريات المتضائلة فيها، والتي تقضم الدعاوى القضائية واستدعاءات النيابة العامة التمييزية ومكتب مكافحة الجرائم الإلكترونية، كل يوم، فصلاً منها. ويشعر المواطن الإلكتروني (الناشط في شبكات التوصل الإجتماعي) والمدوّن والصحافي أنه الأجدى به الإشتراك في خدمة العاجل عن آخر مستجدات قضايا الحريات في بلد تكاد الحرية فيه تتحول إلى شكلية.
 
جديد الاستدعاءات اليوم، استدعاء المدوّن والناشط اللبناني عماد بزي إلى "مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية وحماية الملكية الفكرية" للإستماع إلى إفادته "من دون أن يحدد الشخص المتصل سبب الإستدعاء، وذلك بعدما تلقيت إتصالاً نهاية الشهر الفائت من المكتب عينه وكنت خارج لبنان، فاستمهلتهم إلى حين عودتي إلى بيروت ووافقوا بشرط الاتصال بهم مباشرة، وهو ما حصل، وحددوا لي ظهر اليوم الخميس" كما يقول بزي لـ"المدن".
 
وقبل مباشرة الضابط المعني التحقيق مع بزي، كانت له جلسة مع رئيسة مكتب مكافحة الجرائم الإلكترونية والملكية الفكرية في قوى الأمن الداخلي، الرائد المهندسة سوزان الحاج، التي واجهته بقوله سابقاً إنه لا يعترف بقانونية المكتب، وتطرقت فيها "إلى صلاحيات المكتب الذي لا يتصرف من تلقاء نفسه بل هو ضابطة عدلية ينفذ استنابات القضاء"، كما يخبر بزي.
 
بزي لم يُبلَغ بشكل شفاف عن سبب استدعائه، ورغم توقعاته، فإنه لم يعرف بموضوع الاستدعاء إلا في التحقيق اليوم، عندما أبلغه الضابط المحقق بأن الوزير بانوس مانجيان رفع دعوى أمام مدعي عام جبل لبنان لاستجلاء هوية صاحب مدوّنة "تريلا". وكان بزي (وهو صاحب المدونة) قد نشر تدوينة في ديسمبر/ كانون الأول 2013 تدوينة بعنوان "شوارب الوزير"، ينتقد فيها هجوم مرافقي الوزير مانجيان، على المحامي جيمي حدشيتي والاعتداء عليه، بسبب خلاف على أفضلية المرور. وسئل بزي عن التدوينة والمدونة وإن كان مسؤولاً عن كل ما يُنشر في Trella.org، كما لفت المحقق إلى أن الوزير اعتبر أن تدوينته تتضمن قدحاً وذماً. بدوره نفى بزي أن "يكون قد قدح وذم الوزير، إنما إنتقدت ممارسة حصلت فعلاً، وتأكدت منها من شهود ومن محام، ومن حقي أن أكتب بحرية وأنتقد هذا الفعل". وبعد أخذ أقواله طُلب منه التوقيع على تعهد بعدم التعرض للوزير على أن يُخلى سبيله بسند اقامة. ويقول بزي: "رفضت التوقيع على التعهد، وطلبت التوقيع على تعهد آخر مفصل بألا يتم التعرض للوزير جسدياً، أو لممتلكاته او أقاربه، لكنه في الوقت عينه يضمن لي حرية الكتابة عن الوزير المذكور أو غيره في حال حصلت ممارسات تستحق الانتقاد. ووافقت المدعي العام آرليت تابت على توقيعي تعهداً مفصلاً وأُخليَ سبيلي وأحيلت القضية إلى النيابة العامة في جبل لبنان". ويرجح بزي أن تحال القضية إلى محكمة المطبوعات، التي باتت في رأيه "تشكل سيفاً مسلطاً على رقاب الصحافيين والناشطين". 

كذلك برزت في اليومين الماضيين قضية المدوّنة ريتا كامل، التي حُوّلت قضيتها مؤخراً إلى محكمة المطبوعات، وكان المكتب عينه استجوب كامل قبل نحو عام، "إثر رفع شركة لتوزيع الجوائز اسمها "Pan Arab Web Awards" دعوى قضائية ضدها بتهمة القدح والذم والتحقير والتشهير، بعدما ناقشت معاييرها ومدى شفافيتها" كما تقول كامل لـ"المدن".

زملاء حوكموا وغرّموا وتعهدوا..
إنها حال الحريات المتضائلة في لبنان، في الإعلام المرئي والمكتوب والإلكتروني. تطول قائمة الإنتقادات و/أو التدخلات و/أو التحقيقات و/أو الغرامات المليونية على زملاء صحافيين ومدوّنين، من حازم صاغية، لونا صفوان، جعفر العطار، ربيع فران، رشا أبو زكي، محمد نزال، عماد بزي، إبراهيم الأمين، كريستين حبيب، مهند الحاج علي، وديما صادق وغيرهم. هي حال تفرض تحديثاً ضرورياً في القوانين التي تسلط كل من يود اسكات النقد الحر على أقلام كاتبيه أو أصوات قائليه. قوانين لا تتماشى مع حرية الكلمة ولا مع التطور التكنولوجي الذي أفسح المجال لكل مواطن أن يبدي رأيه، ولا بد لهذا الفعل أن يتم بحرية مطلقة.
 
يخشى محامي جمعية "مهارات" طوني مخايل، على الحريات في لبنان، حيث "نشهد تضييقاً متزايداً على حرية الكلمة والكتابة وتحقيقات متتالية واستدعاءات لناشطين وصحافيين ومدوّنين"، كما يقول لـ"المدن". ويضيف: "للأسف لا يوجد بعد نص قانوني في لبنان يكفل حرية الاعلام الكتروني الاذاعي والتلفزيوني أو يكفل حرية انشاء المواقع الإلكترونية الإخبارية وغيرها من المنصات الإلكترونية للتواصل الحر وإبداء الرأي. وهناك اتجاه دائم من قبل السلطة لتقييد حرية التواصل عبر الانترنت، وهذا يبرز من خلال ما سبق أن تمت مناقشته في مجلس الوزراء من خلال مشروع قانون لتنظيم الإعلام الالكتروني الذي تقدم به وزير الإعلام السابق، وأكثر ما يثير الريبة فيه إقتراح اخضاع المواقع الالكترونية بشكل مطلق لموجب الإيداع والتصريح، ما يضيق حرية التواصل الالكتروني".
 
ويؤكد مخايل أنه "يبرز أيضاً توجه السلطة إلى تقييد حرية التواصل عبر الانترنت، بإنشاء مكتب لمكافحة جرائم المعلوماتية وحماية الملكية الفكرية وتحوير صلاحياته للتهويل على الصحافيين والناشطين في مواقع التواصل والشبكة، عبر استدعائهم خلافا للأصول القانونية المنصوص عنها في قانون المطبوعات والتي تنص على أن المحكمة فقط هي من تنظر في قضايا النشر التي لا تحتاج طبيعتها إلى تحقيق خاص يقوم به قاضي التحقيق. ويمكن هنا أن نأخذ قضية المواطن عاصي الذي لا نوافقه في مضمون ما كتبه عن رئيس الجمهورية، لكن ما كتبه أيضاً لا يحتاج تحقيقاً تقنياً، ولا بد أن تحال مقالته مباشرة إلى محكمة المطبوعات، وعندها يمثل مع محامٍ". 
 
ويضيف مخايل أن "قضايا الرأي والتعبير تخضع للرقابة والتقييم الأمني، ويُلزَم صاحب المقال الذي يتم إستدعاؤه إلى مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية بتوقيع تعهد بعدم التعرّض، (وهو رأيناه في حالة الصحافي ربيع فران الذي ألزم في مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية بتوقيع كتاب بعدم التعرض مجدداً في مقالاته لليلى عبد اللطيف التي سبق أن انتقدها في مقالته "ثرثرات ليلى عبد اللطيف من قهوة بلس"، ومثل امام محكمة المطبوعات بهذه القضية في 25/2/2014 ليحاكم بجرائم القدح والذم والتشهير)".
 
هنا يسأل مخايل: "كبت الحريات والتحقيقات المتتالية، بل وما يمكن تسميته بالسياسة البوليسية بكم الأفواه لن توصلنا إلى أي مكان، ما هو الخطر الذي تشكله عليهم الكلمة؟ يمكن طبعاً محاكمة من يثير النعرات ويحرض، لكن لماذا ملاحقة كل من ينتقد الممارسات والقمع؟".

قوانين مسربة للمطبوعات الإلكترونية
القمع المتزايد استحق سخرية مدير المناصرة في "منظمة تبادل الإعلام الإجتماعي"، محمد نجم، الذي نشر في مدوّنته ما أسماه "نسخة مسربة لقانون المطبوعات الإلكترونية الجديد في لبنان"، وهي نسخة كتبها بنفسه ساخراً من مواد مفترضة في قانون غير موجود فعلياً، لكنها، في رأيه مواد مطبقة بحذافيرها. وجاء في المادة الأولى: "أعزائي المواطنين حرية التعبير تتوقف عند حرية الآخرين بشكل عام، فلازم تشكرونا على بعض الإستثناءات، يعني حبّوب وحبّوبة فيكم تحكوا قد ما بدكن عن سهراتكم أونلاين وتحطوا الصور و"السيلفي" وقديش انتو من مشاهير المجتمع، وتحكوا عن الطقس، عجقة السير، حتى فاتحيلكن مجال تنقوا على أداء الدرك و شرطة السير مرات.. فإنبسطوا، بس لحد هون وبس".

"هذا هو واقعنا"، يقول نجم لـ"المدن"، ويضيف: "متابعة نتائج المحاكمات الأخيرة تكشف هول ما وصلنا إليه، علماً أن هذا القمع لا يحد من حرية التعبير فحسب، بل ينسف أي محاولة لكشف الفساد، ويحد من الإبتكار والتطور". وهو ما كتبه نجم بطريقة ساخرة في "قانونه": "يحمي القانون الفساد والفاسدين من أي إتهام مدعم بإثبات، لذلك يُعاقَب كل مواطن يُفكر بكشف الفساد في لبنان، بالنفي، هو وعائلته وسليلته الى جزيرة توسكانا".
 
ويوضح نجم إن "أدوات الإنترنت السريعة للتواصل كشفت عورات قوانين كثيرة تحتاج إلى تغيير جذري. ربما كانت الاستدعاءات بهذا الكم من قبل، لكن اليوم بتنا نعرف عنها أكثر وأسرع، ولم نعد نستطيع السكوت عنها". والمشكلة بحسب نجم إن "قانون المطبوعات بات منذ العام 2011 يُطبق على أي كلمة منشورة على الإنترنت حتى لو كانت على صفحاتنا الخاصة في فايسبوك وتويتر ومدوناتنا، أي أن المحاكمات لا تميز بين الكتابة الشخصية وتلك المنشورة في مواقع وصفحات المؤسسات الإعلامية".
 
لا تحتاج التغريدات والتعليقات الشخصية لمحاكمات حتى لو طاولت شخصيات سياسية برأي نجم: "لا بد من إعادة النظر في موضوع القدح والذم بشكل جذري، فالتجريح الذي يكتبه مواطن يكشف عن تفكيره وطريقته في التعبير وعجزه عن إقناع الآخرين برأيه بطريقة أخرى.. هذه مشكلته وعيبه، لكنه لا يحتاج إلى قضاء ومحاكمات وهرج ومرج".
 
أكثر ما هو غير حقيقي في قانون نجم المتخيل هو اعتباره أنه متخيل. مواده المختلفة نشهد عليها بأمّ العين كل يوم، ونرضخ لها. على سبيل المثال تعتبر المادة السابعة "إن أي دعوة للقتل، الخطف، تجارة مخدرات مسموحة للمواطنين بس ضمن الآداب العامة، يعني بهدوء وع السّكت". هذا ما يحصل في لبنان.. قضايا حريات، استدعاءات، محاكمات.. وتوقيع تعهدات و"بهدوء وع السّكت".
 
 
increase حجم الخط decrease