الإثنين 2014/11/10

آخر تحديث: 19:23 (بيروت)

الإعلام النظامي.. وتمثيلية "من الآخِر"

الإثنين 2014/11/10
الإعلام النظامي.. وتمثيلية "من الآخِر"
increase حجم الخط decrease

لو أن برنامج "من الآخِر"، الذي يقدمه جعفر الأحمد، لا يعرض على القناة السورية الرسمية، لاقتنع المرء، أثناء مُشاهدة حلقته مع وزير الإعلام في حكومة بشار الأسد، عمران الزعبي، بأنه البرنامج المثالي، المتسم بالموضوعية الحادة في نقل الشؤون العامة إلى المسؤولين، وانتقادهم على الهواء مباشرةً.

لكن، "من الآخِر" بدا تمثيلية مُضحكة، تستكمل سياسة سلطة "البعث"، والمقدِّم والضيف هما بطلاها اللذان برعا في تأدية دويرهما، مُظهرَين أن البلاد لا يحكمها نظام ديكتاتوري، ولا يتحكم بها قاتل يبرز في صورة وضعها الوزير على مكتبه قبل المقابلة وخلالها، وطبعاً بعدها.

فكل شيء على ما يُرام ديموقراطياً في سوريا، لدرجة أن الحلقة حملت عنوان "الإعلام السوري... ما له وما عليه". الأحمد يحاسب الزعبي على ممارسة عمله، والزعبي، على عادة المسؤولين "النظيفين"، يدافع عن موقعه، ويعترف بتقصيره الوزاري هنا أو هناك. والإثنان، يرددان، عند كل مشهد من مشاهد "الشفافية"، عبارة "من الآخِر"، للتأكيد على أنهم يتكلمان بصراحة مختصرة. ذلك، أن "المواطن-المُشاهد"، بحسب البرنامج، ينتظر من الوزير إجابات قاطعة حيال "السياسية الإعلامية" التي تعتمدها مؤسسته في نقل وقائع "الأزمة" وأخبارها العاجلة أو غيرها، أكان عبر القنوات المرئية أو الصحافة المكتوبة. فهو مُطالب بتحسين عملها، وتقريبها من "الشارع" أكثر، حتى تكون صوته، لأنها... صوت "الوطن والدولة".

في هذا المجال، تكمن كوميدية الحلقة، حيث أن "الآخِر" الذي تنطلق منه، أصبح "الأول"، نظراً إلى تصويرها "المواطن" كشخص، يعبّر عن رأيه بحرية تامة، وغالباً ما يُطالب وزارة الإعلام بالحضور أكثر في حياته اليومية، كي لا ينساق وراء "المحطات المغرضة"، وعلى رأسها "الجزيرة" و"العربية". فهو يرغب في "إعلامي وطني" حقيقي، لا يتوقف الزعبي عن ذكره في كل إجابة من إجاباته، خصوصاً حين "يتجرأ" الأحمد على تناول موضوع "حساس"، مثل الفساد في الإدارات، أو ابتعاد التلفزيون الرسمي عن تغطية سقوط حسني مبارك في العام 2011. مع الإشارة إلى أن استفهامات المقدِّم بدت كأنها مهندسة بحسب أجوبة ضيفه، الذي يركز كلامه على "مواجهة العدوان على سوريا". ففي كل مرة، يُسأل عن موضوعٍ ما، يعود إلى الحديث عن "الأزمة"، ويبرر، على أساسها، "إرتباك" القنوات والصحف والمواقع.

وفي الناحية نفسها، وتطبيقاً لـ"إصلاحات سيادة الرئيس"، أو "سياسة القيادة الجديدة"، من الممكن لأي صحافي أو إعلامي في سوريا أن يكتب ما يشاء، ويتطرق إلى أي أمر يختاره، بشرط أن يكون "مسؤولاً" في حريته. وهنا، لا بد من ذكر اللغو، الذي يحضر في كلام الوزير، المُشابه لخطابات "قائده" العامة، لا سيما حين يتحدث عن الحرية، وكيفية ممارستها، أو عن إخفاء بعض الأخبار، كتلك المرتبطة بمطار "الطبقة" على سبيل المثال، فيقول أن الإعلام لم يخفِ شيئاً على الإطلاق، لكن هناك "محددات"، هو لا يأتِ على تعدادها، بل يكرر أنه "ما بيجوز نتجاوز الأزمة".

بالتالي، "من الآخِر"، لا يجوز للإعلام أن يتفلت "من الأول". والفعل نفسه ينسحب على "المواطن"، الذي يقدر "من الآخِر"، بحسبما صوره البرنامج، على نقد المؤسسة الإعلامية، بلا أن يتفلت "من الأول"، أي "من العدوان"، ومن صعوبة العمل في ظله.

والحق، أن "الأول"، الذي يخفيه ممثلا الحلقة عندما يكرران إسم برنامجهما، "من الآخِر"، ليس "العدوان" فقط، بل بشار الأسد فقط. ذلك أنه، وبالإستناد إلى ما جاء في الحوار بين الأحمد والزعبي، هو "الرئيس" القادر على سماع كل شكاوى "المواطنين"، والعمل معهم على استئصال الفساد من المؤسسات، وتحسين أدائها. وبالأصل، هذا ما يرغبون فيه، على الرغم أن "الأول" نفسه، ونتيجة مجزرة "إصلاحه" المتواصلة، لن يترك أياً منهم إلا وينفيه، قتلاً أو اعتقالاً أو تهجيراً.

ثم أن "الإعلام الوطني"، وبتزويره المعروف، لا يتوجه إلى الناس، بوصفهم مُشاهدين، بل خاضعين لعين نظامه، وللسان قيادته. فهم غير مسموح لهم بالمُشاهدة، بالنظر. وهذا، ما حاولت حلقة "من الآخِر" أن تشقلبه رأساً على عقب. غير أن الجميع يدرك أنها لا تقلب سوى عنوانها. فالإعلام السوري، ليس "له" أي شيء، بل "عليه" كل الأشياء... بإمكان الأحمد أن يسأل الزعبي إن كان يقبل بتنظيف "مرآة" الإعلام، ليجيبه بأنه "أول" القابلين. لكنه لن يسأله عن مصير الوجه، عن إعدام المُشاهدين، عن قتلهم قبل أن يولدوا أمام الشاشات، وتمثيلياتها المملة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها