الأربعاء 2015/05/27

آخر تحديث: 16:42 (بيروت)

هكذا نصنعها

الأربعاء 2015/05/27
هكذا نصنعها
increase حجم الخط decrease
تبدأ رحلة صناعة المسلسل بشكلها الأنيق عندنا، بالبحث عن النص المناسب. وبالشكل الأكثر أناقة بتكليف كاتب بكتابة النص المناسب. ثم وبعد العثور على النص، يجلس المخرج مع الكاتب ومعه لجنته الموقرة التي اختارت هذا النص ليبدي أعضاؤها الملاحظات للكاتب كي يعدلها. ويمضي الكاتب للتعديل بإشراف المخرج، ويجهز النص وتبدأ المرحلة الثانية.

نلاحظ أن هذه المرحلة كانت مرحلة مكتبية كمبيوترية. جلسات هادئة ثنائية، أو ثلاثية، عشائية أو غدائية، وأحياناً فطورية نسبة إلى فطور الصباح الرباح، حيث المرحلة الثانية الأكثر إثارة، وهي مرحلة يكثر فيها الحائمون والحائمات حول المخرج. وتكثر عليه الاتصالات وخاصة من الفنيين إذا لم يكن من ذوي الكاست أو الطاقم المعهود.

وتأتيه رسائل المعايدة من الممثلين والممثلات والفنيين والفنيات دون أن يكون هناك أي عيد أو أية مناسبة، بل ويعين البعض أنفسهم للمخرج مستشارين. فتبدأ الاقتراحات والتزكيات والتذكيرات والتمنيات بتشغيل فلان، وبتظبيط فلانة، وبإعطاء فرصة للمرة العاشرة لفليتان.

ومن جهة أخرى، تبدأ الاقتراحات المعاكسة، وهذا ما يسمونه عندنا بطق البراغي. فيسمع المخرج أن فلاناً حكى عليه من تلات سنين في محفلٍ مُعادٍ، وضحكوا الجماعة كتير وصبوها معه كف على كف. ويسمع أن فلانة قالت عنه من سنتين أنه بيضرب مرته هذا الحقير. وتأتيه الخبريات واحدة وراء الثانية حتى يعتقد أن كل البلد أعداءه. وتأتيه التزكيات بطريقة مشابهة كأن يذكروا أن فلاناً دافع عنه بشراسة أمام المغرضين، وأن فليتاناً ذكره بالخير أمام منتج عربي، وأن فلتوناً ذكر اسمه أمام الشيخ في مضارب بني بترول... فيعتقد أن البلد كلها معه، ويصاب المخرج في هذه المرحلة بدوار البحر وهو يتمشى على الجسر محاذيا بردى هل الخلد الذي وعدوا به.

وتتم الاختيارات والمخرج في وضع فصامي أو معمي على قلبه متل ما بيقولوا، ولكنه يتماسك ويختار المناسب قدر الإمكان وسط هذه العجقة والهيصة والعتت واللت والعجن والسقسقة والغندرة والسهرات والتوسلات والرجاءات والطلبات والأوامر واللحمسات والدهدسات ولحسات الأصابع وغير شغلات... إلى ما هنالك من صراعات للفوز بالمشاركة المبتغاة.

ولكنها تبقى من المراحل الممتعة بالنسبة للمخرج وكذلك مع الثانويين بالنسبة لمدير الإنتاج، ومع الكومبارس بالنسبة للشوفيرية ومساعدي الإنتاج. وسيكون للمخرج  فيها الكثير من الذكريات غير أنه سينساها أمام أبواب المرحلة الثالثة حتماً، فلقد رموك في صحراء التصوير. لا أحد سيساعدك. سينبحّ صوتك وأنت تصرخ على الإنتاج فلا تجد مدير الإنتاج. تتصل به كي يرسل الامدادات لكن موبايله مغلق وهيهات.

تبدأ مرحلة الصريخ والعياط. وهات هالشاريو من عندك يا حيوان. وسكِّت هالغزال يا حبيب. وبوَّسَتْ الأيادي لأعطيها الدور وهلأ صارت نجمة على سمانا وصار لازم ننسق لها الأوقات.. لتصور عشر مسلسلات بالإضافة لمسلسلنا. يلعن الساعة اللي شغَّلتَك فيها يا تافه عم تحكي علينا بباقي اللوكشينات. وعلى اخرس واسكت واشتغل وجيب وارفع وحطّ ونزِّل ومَنتج واطلع من المونتاج والمكساج وابعَت حلقات على المحطات، وما تحط للرقابة أي توقعات، لأنه ما رح تعرف من وين رح يقطشوا الكتف ولوين رح يلحشوا. منهم لله، ومن راقب الناس فَتَمهَّلْ، هوب هوب.. ألله معك.. هكذا تُصنع المسلسلات!!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب