السبت 2014/11/22

آخر تحديث: 13:19 (بيروت)

الإيموتيكون.. ماذا لو استخدمها كافكا؟

السبت 2014/11/22
الإيموتيكون.. ماذا لو استخدمها كافكا؟
increase حجم الخط decrease

تمتلئ الرسائل، الهاتفية والعنكبوتية، بالأيقونات المشاعرية، أو الـ"إيموتيكون"، التي تأخذ من الوجه أساساً لها، كي تعبر عن معانيها. لكتابتها، يُنقر على مجموعة من الإشارات، كالفاصلة، والنقطتين، والقاطعة، بالإضافة إلى قوس من القوسين. فالتنقيط يحدد ملمح الوجه، والتقويس يعين تأثره، إن كان فرحاً، أو حزيناً، أو خجولاً، أو مرهقاً إلخ. والفعلان يصنعان أيقونة إحساسية، تدخل إلى الجملة، تعترض كلماتها، لتؤكد مضمونها، ولتشقلبها أحياناً.


ذلك، كما هي الحال في استخدام النقطتين، ومعهما حرف p، الذي ينتج وجهاً مازحاً، يُعلم قارئ الرسالة بأن معناها الظاهر لا يعبّر عنها سوى رفعه على محمل الدعابة. فـ"الإيموتيكون" لا ترسخ معنى جُملي سابق عليها فحسب، بل أنها تعكسه، أو تختصره. فقد تحل مكان عبارات، وجُمل، وبالتالي، تؤسس للغة وجهية، يشكل عدد من الرموز والأشكال أبجديتها.

تستوي معاني هذه اللغة على المشاعر، التي تتضمنها، وتحاول إيصالها إلى متلقيها، الذي، بدوره، يدرك وضع المُرسل، أو موقفه، أو رأيه في هذا الشأن أو ذاك. فالمشعر لا يدل على حال عاطفي بقدر ما يشير إلى وضع معين، وهذا، ما تحيل إليه أيقونات بذاتها، مثل وجه العزاء، ووجه المرض، ووجه البكاء، وغيرهم. هنا، تقدر الـ"إيموتيكون" على كتابة ما لا يمكن كتابته، وعلى قول المستحيل قوله، من خلال لغة أخرى، ومرد هذه القدرة أنها، بالأصل، تصور التأثرات أكثر مما أنها ترمز لها. فهي تصور وجهاً يضحك، وآخراً يبتسم، وثالثاً يغضب، وتلك الوجوه، حين تدخل في جملة غير "إيموتيكونية"، تستكملها، وتمتنها، نفياً أو تأكيداً، كأن يخبر مستعملها المرسل إليه بأنه على هذا الوجه، أي على هذه الصورة:"أنا هكذا J" مثلاً.

ومن إدخال وجه المرسل إلى رسالته، تصويره داخلها، تستمد تلك اللغة "أيقنتها" (أي تألفها من أيقونات). إذ تنتظم على حضور مستخدمها بين علاماتها أو فيها، على عكس الكتابة، التي، بحسب جاك دريدا، تتشكل على غياب. تالياً، الكتابة "الإيموتيكونية" تقلب شكلانية الكتابة نفسها، لتصبح معقودة على حضور مستعملها الصوري، حيث يكون، وجهياً، داخلها وخارجها على حد سواء. في هذا السياق، تتعطل الكتابة دون أن تتوقف، بحيث تجمع بين نهايتها وبدايتها، لتوافق بينهما.

يكتب الفيلسوف رفائيل إنتوفن في إحدى مقالاته أن الـ"إيموتيكون" تمنع القراءة بين السطور، أو تسعى إلى ذلك، من خلال تقديمها مشهد مشاعري، يمحي أي وساطة بين مضمون الرسالة من جهة، والمطلوب معرفته عبرها من جهة أخرى. فهي تقلص المسافة بين المضمون وتأويله، لتبين الأول، وتقصي الثاني، فالرسالة "الإيموتيكونية" تبغي الإجلاء، لا الصحة، "لا شيء صحيحاً بالتأكيد، لكنه، واضح". بيد أنه بيان متعارض، نظراً إلى قوله المشعر، ثم، ربطه بترسيم، أو تصوير، يطيح الإبهام، لكنه، قد لا يصل إلى معناه التام.

فـ"إيموتيكونياً"، الوضوح هو محو للإلتباس من دون أن يؤدي ذلك إلى التعبير عن المضمون، أو تسهيله. كما لو أن تلك الأيقونات تفصل بين ثلاث معاني: الضامر.. تنهيه، المكشوف.. توضحه، والأخير، الذي يمكن تسميته "المعنى العملي"، الذي يقصده مستخدمها، لا يمكنها أن تحسمه. واللاجزم هذا لا يضعف من قوة الأيقونات، التي تتأرجح، بحسب إنتوفن نفسه، بين انتصار البيان وتقهقهر الإلتباس، لتؤكد أنها تسهل المشاعر، تبسطها عبر رسوم، وقبلها، عبر إشارات وأحرف وأرقام. رغم أن الأحاسيس والتأثرات والعواطف، التي تصورها الإيموتيكون، تبدو "جداً دقيقة كي تُختصر بعلامات، وجداً سهلة كي تقبض عليها الكلمات". لكن، "السهولة ليست بالضرورة بسيطة".

في الخلاصة، الأيقونات المشاعرية تفتح الرسائل، وربما النصوص لاحقاً، على لغة جديدة، كاتبها "متأيقن" بين كلماتها، ليصبح حضوره نفسه جزءاً من المكتوب، ووجهه عبارة من عباراته. لنتخيل أن "الإيموتيكون" تغزو النصوص غير الرسائلية، حيث يستخدمها الكتاب، مضيفين اياها على الجمل، أو معترضين بها الكلمات، أو لنتخيل أن بعض الكتاب السابقين، كافكا مثلاً، استخدم الأيقونات المشاعرية ليكتب مؤلفاته، هل كان ليخسر معانيها، أو يضاعف من قوتها؟ لا يمكن القطع في ذلك الآن، حتى لو قرأنا عبارة كافكاوية، تقول:"الكتابة انفتاح جرح ما :D".


increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها